صفحة جزء
قال تعالى : ( فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ( 11 ) يايحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا ( 12 ) وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا ( 13 ) وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا ( 14 ) ) .

[ ص: 166 ] قوله تعالى : ( أن سبحوا ) : يجوز أن تكون مصدرية ، وأن تكون بمعنى أي . و ( بقوة ) : مفعول ، أو حال . ( وحنانا ) : معطوف على " الحكم " أي وهبنا له تحننا . وقيل : هو مصدر . و ( برا ) أي وجعلناه برا . وقيل : هو معطوف على خبر كان .

قال تعالى : ( واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ( 16 ) فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا ( 17 ) ) .

قوله تعالى : ( إذ انتبذت ) : في " إذ " أربعة أوجه ; أحدها : أنها ظرف ، والعامل فيه محذوف ، تقديره : واذكر خبر مريم إذ انتبذت . والثاني : أن تكون حالا من المضاف المحذوف . والثالث : أن يكون منصوبا بفعل محذوف ; أي وبين إذ انتبذت ; فهو على كلام آخر ، كما قال سيبويه في قوله تعالى : ( انتهوا خيرا لكم ) [ النساء : 171 ] وهو في الظرف أقوى ، وإن كان مفعولا به . والرابع : أن يكون بدلا من مريم بدل الاشتمال ; لأن الأحيان تشتمل على الجثث ، ذكره الزمخشري ; وهو بعيد ; لأن الزمان إذا لم يكن حالا من الجثة ، ولا خبرا عنها ، ولا وصفا لها ، لم يكن بدلا منها .

وقيل : " إذ " بمعنى أن المصدرية ; كقولك : لا أكرمك إذ لم تكرمني ; أي لأنك لم تكرمني ; فعلى هذا يصح بدل الاشتمال ; أي واذكر مريم انتباذها .

و ( مكانا ) : ظرف . وقيل : مفعول به على المعنى : إذ أتت مكانا . ( بشرا سويا ) : حال .

قال تعالى : ( قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ( 19 ) ) .

قوله تعالى : ( لأهب ) : يقرأ بالهمز ، وفيه وجهان :

أحدهما : أن الفاعل الله تعالى ، والتقدير : قال لأهب لك .

والثاني : الفاعل جبريل عليه السلام ، وأضاف الفعل إليه ; لأنه سبب فيه .

ويقرأ بالياء ، وفيه وجهان :

أحدهما : أن أصلها الهمزة قلبت ياء للكسر قبلها تخفيفا .

والثاني : ليهب الله .

[ ص: 167 ] قال تعالى : ( قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ( ) 20 ) .

قوله تعالى : ( بغيا ) : لام الكلمة ياء ، يقال : بغت تبغي ، وفي وزنه وجهان :

أحدهما : هو فعول ، فلما اجتمعت الواو والياء قلبت الواو ياء وأدغمت وكسرت الغين إتباعا ، ولذلك لم تلحق تاء التأنيث ، كما لم تلحق في امرأة صبور ، وشكور .

والثاني : هو فعيل بمعنى فاعل ، ولم تلحق التاء أيضا للمبالغة . وقيل : لم تلحق لأنه على النسب ، مثل طالق وحائض .

قال تعالى : ( قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا ( 21 ) ) .

قوله تعالى : ( كذلك ) : أي الأمر كذلك .

وقيل : التقدير : قال ربك مثل ذلك . و " هو علي هين " : مستأنف على هذا القول .

( ولنجعله آية للناس ) : أي ولنجعله آية للناس خلقناه من غير أب .

وقيل : التقدير : نهبه لك ولنجعله .

و ( كان أمرا ) : أي وكان خلقه أمرا .

قال تعالى : ( فحملته فانتبذت به مكانا قصيا ( 22 ) ) .

قوله تعالى : ( فانتبذت به ) : الجار والمجرور حال ; أي فانتبذت وهو معها .

قال تعالى : ( فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ( 23 ) ) .

قوله تعالى : ( فأجاءها المخاض ) : الأصل جاءها ، ثم عدي بالهمزة إلى مفعول ثان ، واستعمل بمعنى ألجأها .

ويقرأ بغير همز على فاعلها ، وهو من المفاجأة ، وترك الهمزة الأخيرة تخفيفا . والمخاض - بالفتح : وجع الولادة .

ويقرأ بالكسر ، وهما لغتان .

وقيل : الفتح اسم للمصدر مثل السلام والعطاء ، والكسر مصدر مثل القتال ، وجاء على فعال : الطراق والعقاب .

[ ص: 168 ] قوله تعالى : ( ياليتني ) : قد ذكر في النساء .

( نسيا ) : بالكسر ، وهو بمعنى المنسي . وبالفتح ; أي شيئا حقيرا ، وهو قريب من معنى الأول .

ويقرأ بفتح النون وهمزة بعد السين ; وهو من نسأت اللبن ، إذا خلطت به ماء كثيرا ; وهو في معنى الأول أيضا .

و ( منسيا ) - بالفتح ; والكسر على الإتباع شاذ مثل المعيرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية