صفحة جزء
[ ص: 358 ] قال تعالى : ( إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار ( 46 ) ) .

قوله تعالى : ( بخالصة ) : يقرأ بالإضافة ، وهي هاهنا من باب إضافة الشيء إلى ما يبينه ؛ لأن الخالصة قد تكون ذكرى وغير ذكرى .

و ( ذكرى ) : مصدر ، و " خالصة " : مصدر أيضا ، معنى الإخلاص كالعافية .

وقيل : " خالصة " مصدر مضاف إلى المفعول ؛ أي بإخلاصهم ذكرى الدار . وقيل : " خالصة " بمعنى خلوص ؛ فيكون مضافا إلى الفاعل ؛ أي بأن خلصت لهم ذكرى الدار .

وقيل : " خالصة " اسم فاعل ، تقديره : بخالص ذكرى الدار ؛ أي خالص من أن يشاب بغيره .

وقرئ بتنوين " خالصة " فيجوز أن يكون " ذكرى " بدلا منها . وأن يكون في موضع نصب مفعول خالصة ، أو على إضمار أعني . وأن يكون في موضع رفع فاعل " خالصة " أو على تقدير : هي ذكرى .

وأما إضافة " ذكرى " إلى " الدار " فمن إضافة المصدر إلى المفعول ؛ أي بذكرهم الدار الآخرة .

وقيل : هي في المعنى ظرف ؛ أي ذكرهم في الدار الدنيا ؛ فهو إما مفعول به على السعة ، مثل يا سارق الليلة ، أو على حذف حرف الجر ، مثل : ذهبت الشام .

قال تعالى : ( هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب ( 49 ) جنات عدن مفتحة لهم الأبواب ( 50 ) ) .

قوله تعالى : ( جنات عدن ) : هي بدل من " حسن مآب " .

و ( مفتحة ) حال من جنات ، في قول من جعلها معرفة لإضافتها إلى عدن ، وهو علم ؛ كما قالوا : جنة الخلد ، وجنة المأوى .

وقال آخرون : هي نكرة ، والمعنى : جنات إقامة ، فتكون " مفتحة " وصفا .

وأما ارتفاع ( الأبواب ) ففيه ثلاثة أوجه ؛ أحدها : هو فاعل " مفتحة " والعائد محذوف ؛ أي مفتحة لهم الأبواب منها ، فحذف كما حذف في قوله : ( فإن الجنة هي المأوى ) [ النازعات : 41 ] أي لهم والثاني : هي بدل من الضمير ( مفتحة ) وهو ضمير الجنات و " الأبواب " غير أجنبي منها ؛ لأنها من الجنة تقول : فتحت الجنة ، وأنت تريد [ ص: 359 ] أبوابها ومنه : ( وفتحت السماء فكانت أبوابا ) [ النبأ : 19 ] .

والثالث : كالأول ، إلا أن الألف واللام عوض من الهاء العائدة ؛ وهو قول الكوفيين ؛ وفيه بعد .

قال تعالى : ( متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب ( 51 ) ) .

قوله تعالى : ( متكئين ) : هو حال من المجرور في " لهم " والعامل : " مفتحة " .

ويجوز أن يكون حالا من " المتقين " لأنه قد أخبر عنهم قبل الحال .

وقيل : هو حال من الضمير في " يدعون " وقد تقدم على العامل فيه .

قال تعالى : ( هذا ما توعدون ليوم الحساب ( 53 ) ) .

قوله تعالى : ( ما توعدون ) : بالياء على الغيبة ، والضمير للمتقين ، وبالتاء ، والتقدير : وقيل لهم هذا ما توعدون ، والمعنى : هذا ما وعدتم .

قال تعالى : ( إن هذا لرزقنا ما له من نفاد ( 54 ) ) .

قوله تعالى : ( ماله من نفاد ) : الجملة حال من الرزق ، والعامل الإشارة ؛ أي إن هذا لرزقنا باقيا .

قال تعالى : ( هذا وإن للطاغين لشر مآب ( 55 ) جهنم يصلونها فبئس المهاد ( 56 ) ) .

قوله تعالى : ( هذا ) أي الأمر هذا . ثم استأنف فقال : " وإن للطاغين " .

و ( جهنم ) : بدل من " شر " .

و ( يصلونها ) : حال العامل فيه الاستقرار في قوله تعالى : " للطاغين " .

وقيل : التقدير : يصلون جهنم ، فحذف الفعل لدلالة ما بعده عليه .

قال تعالى : ( هذا فليذوقوه حميم وغساق ( 57 ) ) .

قوله تعالى : ( هذا ) : هو مبتدأ ، وفي الخبر وجهان :

[ ص: 360 ] أحدهما : ( فليذوقوه ) مثل قولك : زيد اضربه .

وقال قوم : هذا ضعيف من أجل الفاء ؛ وليست في معنى الجواب ، كالتي في قوله : ( والسارق والسارقة فاقطعوا ) . فأما ( حميم ) على هذا الوجه فيجوز أن يكون بدلا من هذا ، وأن يكون خبر مبتدأ محذوف ؛ أي هو حميم ، وأن يكون خبرا ثانيا .

والوجه الثاني : أن يكون ( حميم ) خبر ( هذا ) ، ( فليذوقوه ) هذا ، ثم استأنف فقال ( حميم ) أي هو حميم .

وأما ( غساق ) فيقرأ بالتشديد ، مثل كفار وصبار ؛ وبالتخفيف اسم للمصدر ؛ أي ذو غسق ، أو يكون فعال بمعنى فاعل .

التالي السابق


الخدمات العلمية