صفحة جزء
سورة الدهر .

بسم الله الرحمن الرحيم .

قال تعالى : ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ( 1 ) ) .

في " هل " وجهان : أحدهما : هي بمعنى " قد " والثاني : هي استفهام على بابها ، والاستفهام هنا للتقرير ، أو التوبيخ .

و ( لم يكن شيئا ) : حال من الإنسان .

قال تعالى : ( إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا ( 2 ) ) .

و ( أمشاج ) : بدل ، أو صفة ، وهو جمع مشيج . وجاز وصف الواحد بالجمع هنا ؛ لأنه كان في الأصل متفرقا ثم جمع ؛ أي نطفة أخلاط .

و ( نبتليه ) : حال من الإنسان ؛ أو من ضمير الفاعل .

قال تعالى : ( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ( 3 ) ) .

[ ص: 480 ] قوله تعالى : ( إما شاكرا ) : " إما " هاهنا لتفصيل الأحوال ، وشاكرا ، وكفورا : حالان ؛ أي يناله في كلتا حالتيه .

قال تعالى : ( إنا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا وسعيرا ( 4 ) ) .

قوله تعالى : ( سلاسل ) : القراءة بترك التنوين ، ونونه قوم أخرجوه على الأصل ، وقرب ذلك عندهم شيئان :

أحدهما : إتباعه ما بعده . والثاني : أنهم وجدوا في الشعر مثل ذلك منونا في الفواصل ، وإن هذا الجمع قد جمع ، كقول الراجز :


قد جرت الطير أيامنينا

قال تعالى : ( إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ( 5 ) عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا ( 6 ) ) .

قوله تعالى : ( من كأس ) : المفعول محذوف ؛ أي خمرا ، أو ماء من كأس .

وقيل : " من " زائدة . و ( كان مزاجها ) : نعت لكأس . وأما " عينا " ففي نصبها أوجه ؛ أحدها : هو بدل من موضع من كأس . والثاني : من كافور ؛ أي ماء عين ، أو خمر عين . والثالث : بفعل محذوف ؛ أي أعني . والرابع : تقديره : أعطوا عينا . والخامس : يشربون [ ص: 481 ] عينا ؛ وقد فسره ما بعده . قوله تعالى : ( يشرب بها ) : قيل : الباء زائدة . وقيل : هي بمعنى " من " وقيل : هو حال ؛ أي يشرب ممزوجا بها .

والأولى أن يكون محمولا على المعنى ؛ والمعنى : يلتذ بها .

و ( يفجرونها ) : حال .

قال تعالى : ( يوفون بالنذر ويخافون يوما . . . ( 7 ) ) .

قوله تعالى : ( يوفون ) : هو مستأنف ألبتة .

قال تعالى : ( وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ( 12 ) متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ( 13 ) ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا ( 14 ) ) .

قوله تعالى : ( متكئين فيها ) : يجوز أن يكون حالا من المفعول في ( جزاهم ) وأن يكون صفة لجنة . وأما ( ودانية ) ففيه أوجه :

أحدها : أن يكون معطوفا على " لا يرون " أو على ( متكئين ) فيكون فيه من الوجوه ما في المعطوف عليه . والثاني : أن يكون صفة لمحذوف ، تقديره : وجنة دانية .

وقرئ : ودانية - بالرفع - على أنه خبر ، والمبتدأ : " ظلالها " .

وحكي بالجر ؛ أي في جنة دانية ؛ وهو ضعيف ؛ لأنه عطف على المجرور من غير إعادة الجار . وأما " ظلالها " فمبتدأ ، و " عليهم " الخبر ، على قول من نصب دانية أو جره ؛ لأن دنا يتعدى بإلى ؛ ويجوز أن يرتفع بدانية ؛ لأن دنا وأشرف بمعنى .

وأما ( وذللت ) فيجوز أن يكون حالا ؛ أي وقد ذللت ، وأن يكون مستأنفا .

قال تعالى : ( ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا ( 15 ) قواريرا من فضة قدروها تقديرا ( 16 ) ) .

قوله تعالى : ( قواريرا قواريرا ) : يقرآن بالتنوين وبغير التنوين . وقد ذكر ، والأكثرون يقفون على الأول بالألف ؛ لأنه رأس آية .

[ ص: 482 ] وفي نصبه وجهان : أحدهما : هو خبر كان . والثاني : حال ؛ و " كان " تامة : أي كونت ، وحسن التكرير لما اتصل به من بيان أصلها ، ولولا التكرير لم يحسن أن يكون الأول رأس آية لشدة اتصال الصفة بالموصوف . و ( قدروها ) : يجوز أن يكون نعتا لقوارير ، وأن يكون مستأنفا .

قال تعالى : ( عينا فيها تسمى سلسبيلا ( 18 ) ) .

و ( عينا ) : فيها من الوجوه ما تقدم في الأولى .

و ( السلسبيل ) : كلمة واحدة ، ووزنها فعلليل مثل دردبيس .

قال تعالى : ( عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق . . . ( 21 ) ) .

قوله تعالى : ( عاليهم ) : فيه قولان ؛ أحدهما : هو فاعل ، وانتصب على الحال من المجرور في " عليهم " .

و ( ثياب سندس ) : مرفوع به ؛ أي يطوف عليهم في حال علو السندس ؛ ولم يؤنث " عاليا " لأن تأنيث الثياب غير حقيقي . والقول الثاني : هو ظرف ؛ لأن عاليهم : جلودهم ، وفي هذا القول ضعف .

ويقرأ بسكون الياء ؛ إما على تخفيف المفتوح المنقوص ، أو على الابتداء والخبر .

ويقرأ " عاليتهم " - بالتاء ؛ وهو ظاهر . و ( خضر ) - بالجر : صفة لسندس ، وبالرفع لثياب .

( وإستبرق ) - بالجر عطفا على سندس ، وبالرفع على ثياب .

قال تعالى : ( فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا ( 24 ) ) .

[ ص: 483 ] قوله تعالى : ( أو كفورا ) : " أو " هنا على بابها عند سيبويه ، وتفيد في النهي المنع من الجميع ؛ لأنك إذا قلت في الإباحة جالس الحسن أو ابن سيرين ؛ كان التقدير : جالس أحدهما ؛ فإذا نهى قال : لا تكلم زيدا أو عمرا ؛ فالتقدير : لا تكلم أحدهما ، فأيهما كلمه كان أحدهما ، فيكون ممنوعا منه ؛ فكذلك في الآية ، ويؤول المنع إلى تقدير : فلا تطع منهما آثما ولا كفورا .

قال تعالى : ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله . . . ( 30 ) ) .

قوله تعالى : ( إلا أن يشاء الله ) : أي إلا وقت مشيئة الله ، أو إلا في حال مشيئة الله عز وجل .

قال تعالى : ( يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما ( 31 ) ) .

و ( الظالمين ) : منصوب بفعل محذوف ، تقديره : ويعذب الظالمين ، وفسره الفعل المذكور ؛ وكان النصب أحسن ؛ لأن المعطوف عليه قد عمل فيه الفعل . وقرئ بالرفع على الابتداء . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية