صفحة جزء
تنبيهات

( أولها ) أن المراد بالقطع المذكور هو الوقف كما نص عليه الشاطبي وغيره من الأئمة ، قال الداني في جامعه : واختياري في مذهب من فصل أن يقف القارئ على آخر السورة ويقطع على ذلك ، ثم يبتدئ بالتسمية موصولة بأول السورة الأخرى . انتهى ، وذلك أوضح . وإنما نبهت عليه ; لأن الجعبري - رحمه الله - ظن أنه السكت المعروف ، فقال في قول الشاطبي : " فلا تقفن " ، ولو قال : فلا تسكتن لكان أسد . وذلك وهم لم يتقدمه أحد إليه ، وكأنه أخذه من كلام السخاوي حيث قال : فإذا لم يصلها بآخر سورة جاز أن يسكت عليها ، فلم يتأمله ، ولو تأمله لعلم أن مراده بالسكت الوقف ، فإنه قال في أول الكلام : اختار الأئمة لمن يفصل بالتسمية أن يقف القارئ على أواخر السور ، ثم يبتدئ بالتسمية .

[ ص: 268 ] ( ثانيها ) تجوز الأوجه الأربعة في البسملة مع الاستعاذة من الوصل بالاستعاذة والآية ، ومن قطعها عن الاستعاذة والآية ، ومن قطعها عن الاستعاذة ووصلها بالآية ، ومن عكسه كما تقدم الإشارة إلى ذلك في الاستعاذة ، وإلى قول ابن شيطا في الفصل الخامس قريبا في قطعه بوصل الجميع ، وهو ظاهر كلام سبط الخياط ، وقال ابن الباذش : إن الوقف على الجميع أشبه بمذهب أهل الترتيل .

( ثالثها ) إن هذه الأوجه ونحوها الواردة على سبيل التخيير ، إنما المقصود بها معرفة جواز القراءة بكل منها على وجه الإباحة لا على وجه ذكر الخلف ، فبأي وجه قرئ منها جاز ، ولا احتياج إلى الجمع بينها في موضع واحد إذا قصد استيعاب الأوجه حالة الجمع والإفراد . وكذلك سبيل ما جرى مجرى ذلك من الوقف بالسكون وبالروم والإشمام ، وكالأوجه الثلاثة في التقاء الساكنين وقفا إذا كان أحدهما حرف مد أو لين ، وكذلك كان بعض المحققين لا يأخذ منها إلا بالأصح الأقوى ، ويجعل الباقي مأذونا فيه ، وبعض لا يلتزم شيئا ، بل يترك القارئ يقرأ ما شاء منها ، إذ كل ذلك جائز مأذون فيه منصوص عليه ، وكان بعض مشايخنا يرى أن يجمع بين هذه الأوجه على وجه آخر ، فيقرأ بواحد منها في موضع وبآخر في غيره ؛ ليجمع الجميع المشافهة ، وبعض أصحابنا يرى الجمع بينها وبين أول موضع وردت ، أو في موضع ما على وجه الإعلام والتعليم وشمول الرواية ، أما من يأخذ بجميع ذلك في كل موضع فلا يعتمده إلا متكلف غير عارف بحقيقة أوجه الخلاف ، وإنما ساغ الجمع بين الأوجه في نحو التسهيل في وقف حمزة لتدريب القارئ المبتدئ ورياضته على الأوجه الغريبة ليجري لسانه ويعتاد التلفظ بها بلا كلفة ، فيكون على سبيل التعليم ; فلذلك لا يكلف العارف بجمعها في كل موضع ، بل هو بحسب ما تقدم ، ولقد بلغني عن جلة مشيخة الأندلس - حماها الله - أنهم لا يأخذون [ ص: 269 ] في وجهي الإسكان والصلة من ميم الجمع لقالون إلا بوجه واحد معتمدين ظاهر قولي الشاطبي وقالون بتخييره جلا ، وسيأتي ذلك .

( رابعها ) يجوز بين الأنفال وبراءة إذا لم يقطع على آخر الأنفال كل من الوصل والسكت والوقف لجميع القراء . أما الوصل لهم فظاهر ; لأنه كان جائزا مع وجود البسملة ، فجوازه مع عدمها أولى عن الفاصلين والواصلين ، وهو اختيار أبي الحسن بن غلبون في قراءة من لم يفصل ، وهو في قراءة من يصل أظهر ، وأما السكت فلا إشكال فيه عن أصحاب السكت ، وأما عن غيرهم من الفاصلين والواصلين فمن نص عليه لهم ولسائر القراء أبو محمد مكي في تبصرته ، فقال : وأجمعوا على ترك الفصل بين الأنفال وبراءة لإجماع المصاحف على ترك التسمية بينهما . فأما السكت بينهما فقد قرأت به لجماعتهم ، وليس هو منصوصا ، وحكى أبو علي البغدادي في روضته ، عن أبي الحسن الحمامي أنه كان يأخذ بسكتة بينهما لحمزة وحده . فقال : وكان حمزة وخلف والأعمش يصلون السورة إلا ما ذكره الحمامي ، عن حمزة أنه سكت بين الأنفال والتوبة ، وعليه أعول . انتهى ، وإذا أخذ بالسكت عن حمزة فالأخذ عن غيره أحرى . قال الأستاذ المحقق أبو عبد الله بن القصاع في كتابه " الاستبصار في القراءات العشر " : واختلف في وصل الأنفال بالتوبة فبعضهم يرى وصلهما ، ويتبين الإعراب وبعضهم يرى السكت بينهما . انتهى .

( قلت ) : وإذا قرئ بالسكت على ما تقدم فلا يتأتى وجه إسرار البسملة على مذهب سبط الخياط المتقدم ، إذ لا بسملة بينهما يسكت بقدرها ، فاعلم ذلك . وأما الوقف فهو الأقيس ، وهو الأشبه بمذهب أهل الترتيل ، وهو اختياري في مذهب الجميع ; لأن أواخر السور من أتم التمام . وإنما عدل عنه في مذهب من لم يفصل من أجل أنه لو وقف على آخر السور للزمت البسملة أوائل السور ، ومن أجل الابتداء . وإن لم يؤت بها خولف الرسم في الحالتين كما تقدم ، واللازم هنا منتف والمقتضى للوقف قائم ، فمن ثم اخترنا الوقف ، ولا نمنع غيره ، والله أعلم .

[ ص: 270 ] ( خامسها ) ما ذكر من الخلاف بين السورتين هو عام بين كل سورتين سواء كانتا مرتبتين ، أو غير مرتبتين ، فلو وصل آخر الفاتحة مبتدئا بآل عمران ، أو آخر آل عمران بالأنعام - جازت البسملة وعدمها على ما تقدم ، ولو وصلت التوبة بآخر سورة سوى الأنفال فالحكم كما لو وصلت بالأنفال ، أما لو وصلت السورة بأولها كأن كررت مثلا كما تكرر سورة الإخلاص فلم أجد فيه نصا ، والذي يظهر البسملة قطعا ؛ فإن السورة والحالة هذه مبتدئة كما لو وصلت الناس بالفاتحة ، ومقتضى ما ذكره الجعبري عموم الحكم ، وفيه نظر ، إلا أن يريد في مذهب الفقهاء عند من يعدها آية ، وهذا الذي ذكرناه على مذاهب القراء . وكذلك يجوز إجراء أحوال الوصل في آخر السورة الموصل طرفاها من إعراب وتنوين ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية