صفحة جزء
فصل

وأما ما وقع فيه حرف المد بعد الهمز نحو ما مثلنا به أولا ، فإن لورش من طريق الأزرق مذهبا اختص به ، سواء كانت الهمزة في ذلك ثابتة عنده ، أو مغيرة في مذهبه ، فالثابتة نحو ( آمنوا ) و ( نأى ) ، و ( سوآت ) ، و ( اتيا ) ، و ( لإيلاف ) ، و ( دعائي ) ، و ( المستهزئين ) ، ( والنبيئين ) ، ( وآتوا ) ، و ( يئوسا ) ، و ( النبيئون ) والمغيرة له إما أن تكون بين بين ، وهو ( أأمنتم ) في الأعراف وطه والشعراء و ( أآلهتنا ، جاء آل ) في الحجر . ( جاء آل فرعون ) في القمر . أو بالبدل ، وهو ( هؤلاء آلهة ) في الأنبياء . و ( من السماء آية ) في الشعراء أو بالنقل نحو ( الآخرة ، الآن جئت ، الإيمان الأولى ، من آمن بني آدم ألفوا آباءهم قل إي وربي قد أوتيت ) وشبه ذلك [ ص: 339 ] فإن ورشا من طريق الأزرق مد ذلك كله على اختلاف بين أهل الأداء في ذلك ، فروى المد في جميع الباب أبو عبد الله بن سفيان صاحب " الهادي " ، وأبو محمد مكي صاحب " التبصرة " ، وأبو عبد الله بن شريح صاحب " الكافي " ، وأبو العباس المهدوي صاحب " الهداية " ، وأبو الطاهر بن خلف صاحب " العنوان " ، وأبو القاسم الهذلي وأبو الفضل الخزاعي وأبو الحسن الحصري وأبو القاسم بن الفحام صاحب " التجريد " ، وأبو الحسن بن بليمة صاحب " التلخيص " ، وأبو علي الأهوازي وأبو عمرو الداني من قراءته على أبي الفتح ، وخلف بن خاقان ، وغيرهم من سائر المصريين والمغاربة زيادة المد في ذلك كله ، ثم اختلفوا في قدر هذه الزيادة ، فذهب الهذلي فيما رواه ، عن شيخه أبي عمرو إسماعيل بن راشد الحداد إلى الإشباع المفرط كما هو مذهبه عنه في المد المنفصل كما تقدم . قال : وهو قول محمد بن سفيان القروي وأبي الحسين - يعني الخبازي - عن أبي محمد المصري يعني عبد الرحمن بن يوسف أحد أصحاب ابن هلال ، وذهب جمهور من ذكرنا إلى أنه الإشباع من غير إفراط ، وسووا بينه وبين ما تقدم على الهمزة ، وهو أيضا ظاهر عبارة " التبصرة " " والتجريد " ، وذهب الداني ، والأهوازي ، وابن بليمة وأبو علي الهراس فيما رواه عن ابن عدي إلى التوسط ، وهو اختيار أبي علي الحسن بن بليمة ، وذكر أبو شامة أن مكيا ذكر كلا من الإشباع والتوسط ، وذكر السخاوي عنه الإشباع فقط .

( قلت ) : وقفت له على مؤلف انتصر فيه للمد في ذلك ورد على من رده ، أحسن في ذلك وبالغ فيه ، وعبارته في " التبصرة " تحتمل الوجهين جميعا ، وبالإشباع قرأت من طريقه ، وذهب إلى القصر فيه أبو الحسن طاهر بن غلبون ، ورد في تذكرته على من روى المد وأخذ به ، وغلط أصحابه ، وبذلك قرأ الداني عليه ، وذكره أيضا ابن بليمة في تلخيصه ، وهو اختيار الشاطبي حسب ما نقله أبو شامة ، عن أبي الحسن السخاوي ، عنه ، قال أبو شامة : وما قال به ابن غلبون هو الحق . انتهى . وهو اختيار مكي فيما [ ص: 340 ] حكاه عنه أبو عبد الله الفارسي ، وفيه نظر ، وقد اختاره أبو إسحاق الجعبري ، وأثبت الثلاثة جميعا أبو القاسم الصفراوي في إعلانه ، والشاطبي في قصيدته ، وضعف المد الطويل ، وألحق في ذلك أنه شاع وذاع وتلقته الأمة بالقبول ، فلا وجه لرده ، وإن كان غيره أولى منه ، والله أعلم . وقد اتفق أصحاب المدني في هذا الباب ، عن ورش على استثناء كلمة واحدة ، وأصلين مطردين ، فالكلمة ( يؤاخذ ) كيف وقعت نحو : ( لا يؤاخذكم الله ، لا تؤاخذنا ، ولو يؤاخذ الله ) . نص على استثنائها المهدوي ، وابن سفيان ، ومكي وابن شريح ، وكل من صرح بمد المغير بالبدل ، وكون صاحب " التيسير " لم يذكره في " التيسير " ، فإنه اكتفى بذكره في غيره . وكأن الشاطبي - رحمه الله - ظن بكونه لم يذكره في " التيسير " أنه داخل في الممدود لورش بمقتضى الإطلاق ، فقال : وبعضهم : يواخذكم ، أي : وبعض رواة المد قصر " يواخذ " وليس كذلك ، فإن رواة المد مجمعون على استثناء " يؤاخذ " فلا خلاف في قصره . قال الداني في إيجازه : أجمع أهل الأداء على ترك زيادة التمكين للألف في قوله : ( لا يواخذكم ) ، و ( لا تواخذنا ) ، و ( لو يواخذ ) حيث وقع . قال : وكان ذلك عندهم من " واخذت " غير مهموز ، وقال في " المفردات " : وكلهم لم يزد في تمكين الألف في قوله تعالى : ( لا يؤاخذكم الله ) وبابه . وكذلك استثناها في " جامع البيان " ولم يحك فيها خلافا ، وقال الأستاذ أبو عبد الله بن القصاع : وأجمعوا على ترك الزيادة للألف في " يواخذ " حيث وقع . نص على ذلك الداني ومكي وابن سفيان وابن شريح .

( قلت ) : وعدم استثنائه في " التيسير " إما لكونه من : ( واخذ ) كما ذكره في " الإيجاز " فهو غير ممدود ، أو من أجل لزوم البدل له فهو كلزوم النقل في " ترى " فلا حاجة إلى استثنائه ، واعتمد على نصوصه في غير " التيسير " ، والله أعلم .

وأما الأصلان المطردان فأحدهما أن يكون قبل الهمز ساكن صحيح ، وكلاهما من كلمة واحدة ، وهو ( القرآن ، و " الظمآن " ، و " مسئولا " ، و " مذؤما " ، [ ص: 341 ] و " مسئولون " ) واختلف في علة ذلك ، فقيل : لأمن إخفاء بعده ، وقيل : لتوهم النقل ، فكأن الهمزة معرضة للحذف .

( قلت ) : ظهر لي في علة ذلك أنه لما كانت الهمزة فيه محذوفة رسما ترك زيادة المد فيه تنبيها على ذلك ، وهذه هي العلة الصحيحة في استثناء " إسرائيل " عند من استثناها ، والله أعلم ، فلو كان الساكن قبل الهمز حرف مد أو حرف لين كما تقدم في مثلنا فهم عنه فيه على أصولهم المذكورة . وانفرد صاحب " الكافي " فلم يمد الواو بعد الهمزة في " الموءودة " فخالف سائر أهل الأداء الراوين مد هذا الباب عن الأزرق ، والثاني أن تكون الألف بعد الهمزة مبدلة من التنوين في الوقف نحو ( دعاء ، ونداء ، وهزؤا ، وملجأ ) لأنها غير لازمة ، فكان ثبوتها عارضا ، وهذا أيضا مما لا خلاف فيه . ثم اختلف رواة المد ، عن ورش في ثلاث كلم وأصل مطرد .

( فالأولى ) من الكلم ( إسرائيل ) حيث وقعت . نص على استثنائها أبو عمرو الداني وأصحابه ، وتبعه على ذلك الشاطبي فلم يحك فيها خلافا ، ووجه بطول الكلمة وكثرة دورها وثقلها بالعجمة ، مع أنها أكثر ما تجيء مع كلمة ( بني ) فتجتمع ثلاث مدات فاستثنى مد الياء تخفيفا ، ونص على تخفيفها ابن سفيان وأبو طاهر بن خلف وابن شريح ، وهو ظاهر عبارة مكي ، والأهوازي والخزاعي وأبي القاسم بن الفحام وأبي الحسن الحصري ؛ لأنهم لم يستثنوها .

( والثانية ) ( آلآن ) المستفهم بها في حرفي يونس ( آلآن وقد كنتم به تستعجلون آلآن وقد عصيت قبل ) أعني المد بعد اللام ، فنص على استثنائها ابن سفيان والمهدوي وابن شريح ولم يستثنها مكي في كتبه ، ولا الداني في تيسيره ، واستثناها في " الجامع " ، ونص في غيرهما بخلاف فيها ، فقال في " الإيجاز " و " المفردات " : إن بعض الرواة لم يزد في تمكينها ، وأجرى الخلاف فيها الشاطبي .

( والثالثة ) ( عادا الأولى ) في سورة النجم ، لم يستثنها صاحب " التيسير " فيه ، واستثناها في جامعه ، ونص على الخلاف في غيرهما كحرفي ( آلآن ) في يونس .

[ ص: 342 ] ونص على استثنائها مكي وابن سفيان والمهدوي وابن شريح ، وأما صاحب " العنوان " ، وصاحب " الكامل " ، والأهوازي وأبو معشر وابن بليمة فلم يذكروا : ( آلآن ، ولا عادا الأولى ) بل ولا نصوا على الهمز المغير في هذا الباب ولا تعرضوا له بمثال ولا غيره . وإنما ذكروا الهمز المحقق ومثلوا به ، ولا شك أن ذلك يحتمل شيئين : أحدهما أن يكون ممدا على القاعدة الآتية آخر الباب لدخوله في الأصل الذي ذكروه ، إذ تخفيف الهمز بالتليين أو البدل أو النقل عارض ، والعارض لا يعتد به على ما سيأتي في القاعدة ، والاحتمال الثاني أن يكون غير ممدود لعدم وجود همز محقق في اللفظ ، والاحتمالان معمول بهما عندهم كما تمهد في القاعدة الآتية غير أن الاحتمال الثاني عندي أقوى في مذهب هؤلاء من حيث إنهم لم يذكروه ولم يمثلوا بشيء منه ، ولا استثنوا منه شيئا حتى ولا مما أجمع على استثنائه ، وكثير منهم ذكر القصر فيما أجمع على مده من المتصل إذا وقع قبل الهمز المغير ، فهذا أولى ، وأما صاحب " التجريد " ، فإنه نص على المد في المغير بالنقل في آخر باب النقل ، فقال : وكان ورش إذا نقل حركة الهمز التي بعدها حرف مد إلى الساكن قبلها أبقى المد على حاله قبل النقل . انتهى ، وقياس ذلك المغير بغير النقل ، بل هو أحرى ، والله أعلم .

وكذلك الداني في " التيسير " وفي سائر كتبه لم ينص إلا على المغير بنقل أو بدل ، فقال : سواء كانت محققة ، أي الهمزة ، أو ألقي حركتها على ساكن قبلها ، أو أبدلت . ثم مثل بالنوعين فلم ينص على المسهل بين بين ، ولا مثل به ، ولا تعرض ألبتة إليه ، فيحتمل أن يكون تركه ذكر هذا النوع ; لأنه لا يرى زيادة التمكين فيه ، إذ لو جازت زيادة تمكينه لكان كالجمع بين أربع ألفات ، وهي الهمزة المحققة والمسهلة بين بين ، والألف ، فلو مدها لكانت كأنها ألفان ، فيجتمع أربع ألفات ، وبهذا علل ترك إدخال الألف بين الهمزتين ، فيجتمع أربع ألفات ، وبهذا علل ترك إدخال الألف بين الهمزتين في ذلك ، كما سيأتي في موضعه .

فإن قيل لو كان كذلك لذكره مع المستثنيات ( فيمكن ) أن يجاب بأن ذلك [ ص: 343 ] غير لازم ؛ لأنه إنما استثنى ما هو من جنس ما قدر ، وذلك أنه لما نص على التمكين بعد الهمزة المحققة والمغيرة بالنقل أو بالبدل خاصة ، ثم استثنى مما بعد الهمزة المحققة ، فهذا استثناء من الجنس ، فلو نص على استثناء ما بعد الهمزة المغيرة بين بين لكان استثناء من غير الجنس ، فلم يلزم ذلك ، واستثناؤه ما بعد الهمزة المجتلبة للابتداء استثناء من الجنس ؛ لأنها حينئذ محققة ، وكذلك من علمناه من صاحب " الهداية " و " الكافي " و " التبصرة " وغيرهم لم يمثلوا بشيء من هذا النوع ، إلا أن إطلاقهم التسهيل قد يرجع إدخال نوع بين بين ، وإن لم يمثلوا به ، والجملة فلا أعلم أحدا من متقدمي أئمتنا نص فيه بشيء . نعم عبارة الشاطبي صريحة بدخوله ; ولذلك مثل به شراح كلامه ، وهو الذي صح أداء ، وبه يؤخذ ، على أني لا أمنع إجراء الخلاف في الأنواع الثلاثة عملا بظواهر عبارات من لم يذكرها ، وهو القياس ، والله أعلم .

( تنبيه ) إجراء الوجهين من المد وضده من المغير بالنقل ، إنما يتأتى حالة الوصل . أما حالة الابتداء إذا وقع بعد لام التعريف فإن لم يعتد بالعارض ، فالوجهان في نحو ( الآخرة ) ، ( الإيمان ) ، ( المولى ) جاريان ، وإن اعتد بالعارض فالقصر ليس إلا نحو ( الآخرة ) ، ( الإيمان ) ، ( المولى ) لقوة الاعتداد بالعارض في ذلك ، ولعدم تصادم الأصلين ، نص على ذلك أهل التحقيق من أئمتنا . قال مكي في " الكشف " : إن ورشا لا يمد ( الأولى ) ، وإن كان من مذهبه مد حرف المد بعد الهمز المغير ; لأن هذا وإن كان همزا مغيرا إلا أنه قد اعتد بحركة اللام ، فكأن لا همز في الكلمة ، فلا مد . انتهى ، وأما الأصل المطرد الذي فيه الخلاف فهو حرف المد إذا وقع بعد همزة الوصل حالة الابتداء نحو ( ايت بقرآن . ايتوني اوتمن ايذن لي ) فنص على استثنائه وترك الزيادة في مده أبو عمرو الداني في جميع كتبه ، وأبو معشر الطبري ، والشاطبي ، وغيرهم ، ونص على الوجهين جميعا من المد ، وتركه ابن سفيان وابن شريح ومكي ، وقال في " التبصرة " : وكلا الوجهين حسن ، وترك المد أقيس ، ولم يذكره المهدوي ولا ابن الفحام ولا ابن بليمة ولا [ ص: 344 ] صاحب " العنوان " ، ولا الأهوازي ، فيحتمل مده ؛ لدخوله في القاعدة ، ولا يضر عدم التمثيل به ، ويحتمل ترك المد . وأن يكونوا استغنوا عن ذلك بما مثلوه من غيره ، وهو الأولى ، فوجه المد وجود حرف مد بعد همزة محققة لفظا ، وإن عرضت ابتداء ، ووجه القصر كون همزة الوصل عارضة والابتداء بها عارض ، فلم يعتد بالعارض ، وهذا هو الأصح ، والله أعلم .

وأما نحو ( رأى القمر ، و رأى الشمس ، و تراءى الجمعان ) في الوقف فإنهم فيه على أصولهم المذكورة من الإشباع والتوسط والقصر ; لأن الألف من نفس الكلمة ، وذهابها وصلا عارض فلم يعتد به ، وهذا من المنصوص عليه ، وأما ( ملة آبائي إبراهيم ) في يوسف ( فلم يزدهم دعائي إلا ) في نوح حالة الوقف ( وتقبل دعاء ربنا ) في إبراهيم حالة الوصل ، فكذلك هم فيها على أصولهم ومذاهبهم ، عن ورش ; لأن الأصل في حرف المد من الأوليين الإسكان ، والفتح فيها عارض من أجل الهمزة ، وكذلك حذف حرف المد في الثالثة عارض حالة الوصل اتباعا للرسم ، والأصل إثباتها فجرت فيها مذاهبهم على الأصل ، ولم يعتد فيها بالعارض ، وكان حكمها حكم ( من وراء ) في الحالين ، وهذا مما لم أجد فيه نصا لأحد ، بل قلته قياسا ، والعلم عند الله تبارك وتعالى . وكذلك أخذته أداء عن الشيوخ في ( دعاء ) في إبراهيم ، وينبغي أن لا يعمل بخلافه .

التالي السابق


الخدمات العلمية