التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1732 [ ص: 401 ] حديث رابع عشرين لعبد الله بن أبي بكر , مقطوع يتصل من وجوه صحاح

مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قاتل الله اليهود نهوا عن أكل الشحم فباعوه فأكلوا ثمنه .


وهذا الحديث قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا متصلا من وجوه شتى كلها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمر ، وأبي هريرة ، وابن عباس ، وجابر ، وغيرهم .

حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو بن دينار ، أخبرني طاوس أنه سمع ابن عباس ، يقول : بلغ عمر بن الخطاب أن سمرة باع خمرا ، فقال : قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها .

[ ص: 402 ] قال أبو عمر : قوله : جملوها ، يعني أذابوها ، لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك ، وقد جاء أيضا مفسرا في الحديث .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا مضر بن محمد ، حدثنا مسلم بن سلام الكوفي ، حدثنا أبو بكر ، يعني ابن عياش ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم , قال : لعن الله اليهود حرمت عليهم شحوم الأنعام فأذابوها ، ثم باعوها وأكلوا أثمانها .

أخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا مسدد بن مسرهد أن بشر بن المفضل وخالد بن عبد الله حدثاهم المعنى ، عن خالد الحذاء ، عن بركة أبي الوليد ، عن ابن عباس ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا عند الركن ، قال : فرفع بصره إلى السماء فضحك ، ثم قال : لعن الله اليهود - ثلاثا ، قال - إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها ، وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه ولم يقل : عن خالد بن عبد الله رأيت ، وقال : قاتل الله .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا يحيى بن أيوب ، أخبرنا هشيم [ ص: 403 ] أخبرنا خالد ، عن بركة أبي العريان المحاربي ، قال : سمعت ابن عباس يحدث ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها ، وإن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه قال أحمد بن زهير : كذا قال ، عن بركة أبي العريان وسمعت أبي يقول : وأبو العريان الذي يحدث عنه خالد اسمه أنيس .

وأخبرنا أحمد بن قاسم بن عيسى ، حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، أخبرنا علي بن الجعد ، أخبرنا حماد بن سلمة ، عن أبي الزبير ، عن جابر , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها .

قال أبو عمر : قد فسر ابن عباس رضي الله عنه في حديثه معنى هذا الحديث ، وذلك قوله صلى الله عليه وسلم : إن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم ثمنه وفي هذا رد على من ذهب إلى إجازة بيع الزيت الذي تقع فيه الميتة مع امتناعه من أكله ، وإقراره بنجاسته ، وقد دفع هذا التأويل بعض من أجاز ذلك بأن قال : هذا الحديث وما كان مثله إنما خرج على ما قد حرم بذاته مثل الخمر وشحوم الميتة . وأما [ ص: 404 ] الزيت الذي تموت فيه الفأرة ، فإنما تنجس بالمجاورة ، وليس بنجس الذات ، ولو كان نجس الذات ما جاز الانتفاع به ، ولا استعماله في شيء كما لا يجوز استعمال الخمر ، ولا الخنزير ، ولا الميتة في شيء ، وقد ذكرنا هذه المسألة مجودة في باب ابن شهاب ، عن عبيد الله من كتابنا هذا ، والحمد لله .

وفي هذا الحديث إباحة الدعاء على اليهود ، وإباحة لعنهم اقتداء به في ذلك صلى الله عليه وسلم .

أخبرنا محمد ، حدثنا علي بن عمر الحافظ ، قال : تفرد حبيب ، عن مالك ، عن محمد بن عمرو ، عن خالد بن عبد الله بن حرملة ، عن الحارث بن خفاف بن إيماء ، قال : ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم رفع رأسه ، فقال : غفار غفر الله لها ، وأسلم سالمها الله ، وعصية عصت الله ورسوله ، اللهم العن بني لحيان ورعلا وذكوان قال خفاف : فجعل لعن الكفار من أجل ذلك ، وتفرد به حبيب عن مالك ، وهو صحيح لمحمد بن عمرو ، وقد ثبت عن ابن مسعود أنه لما لعن الواصلة ، والمستوصلة . . . الحديث - أنكرت ذلك عليه امرأة ، فقال ابن مسعود : ما لي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن لعنه في كتاب الله ، وقد ذكرنا هذا الخبر فيما مضى من [ ص: 405 ] هذا الكتاب ، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ، وموكله ، واليهود ، وغيرهم ، ومحال أن تكون لعنته لهؤلاء رحمة عليهم ، فمن لعن من يستحق أن يلعن فمباح ، ومن لعن من لا يستحق اللعن فقد أثم ، ومن ترك اللعن عند الغضب ، ولم يلعن مسلما ، ولم يسبه فذلك من عزم الأمور .

أخبرنا عبد الرحمن ، أخبرنا علي ، حدثنا أحمد ، حدثنا سحنون ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني يونس بن يزيد ، عن نافع ، قال : لم أسمع عبد الله بن عمر يلعن خادما قط غير مرة واحدة غضب فيها على بعض خدمه ، فقال : لعنة الله عليك ، كلمة لم أحب أن أقولها ، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المختفي ، يعني نباش القبور ، ولعن الخمر وشاربها . . . . الحديث .

وقد ذكر مالك ، عن داود بن الحصين أنه سمع عبد الرحمن الأعرج يقول : ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان .

[ ص: 406 ] قرأت على سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا الحميدي عبد الله بن الزبير ، حدثنا سفيان ، حدثنا مسعر ، أخبرنا عبد الملك بن عمير ، أخبرني فلان ، عن ابن عباس ، قال : رأيت عمر ، يقول بيده ، وهو على المنبر هكذا ، يعني يحركها يمينا وشمالا : عويمل لنا بالعراق ، عويمل لنا بالعراق خلط في فيء المسلمين أثمان الخنازير ، والخمر ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها ، قال سفيان : جملوها ، يعني أذابوها .

التالي السابق


الخدمات العلمية