التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
392 [ ص: 100 ] حديث رابع لأبي حازم مالك ، عن أبي حازم بن دينار ، عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ; ليصلح بينهم ، وحانت الصلاة ، فجاء المؤذن إلى أبي بكر الصديق ، فقال : أتصلي بالناس فأقيم ؟ قال : نعم ، فصلى أبو بكر ، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس في الصلاة ، فتخلص حتى وقف في الصف ، فصفق الناس ، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته ، فلما أكثر الناس من التصفيق التفت أبو بكر ، فرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امكث مكانك ، فرفع أبو بكر يديه ، فحمد الله على ما أمره به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك ، ثم استأخر ، حتى استوى في الصف وتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى ، ثم انصرف ، فقال : يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك ، فقال أبو بكر : ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق ؟ من نابه شيء في صلاته ، فليسبح ، فإنه إذا سبح التفت إليه ، وإنما التصفيح للنساء .


[ ص: 101 ] قال أبو عمر :

لم يختلف رواة الموطأ في إسناد هذا الحديث ، وانفرد عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي ، عن مالك ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : التسبيح للرجال ، والتصفيق للنساء ولم يتابع عليه ، وحديث الزهري محفوظ عند جماعة من أصحابه ، وإن اختلفوا في إسناده .

وروى هذا الحديث ابن عيينة وخارجة والمسعودي ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد بمعنى حديث مالك ، وقالوا كلهم في آخره : إنما التصفيق للنساء والتسبيح للرجال .

والمعنى الذي له خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم : أن رجلين منهم تشاجرا ، كذا رواه أسد بن موسى ، عن المسعودي ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، قال : كان بين رجلين من الأنصار شيء ، فانطلق إليهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلح بينهما ، فذكر الحديث .

وقال خارجة ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد : كان بين بني عمرو بن عوف شيء بالمدينة ، فاستبوا وتراموا بالحجارة ، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانطلق يصلح بينهم ، والصلاة التي شهدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندهم صلاة العصر ، والمؤذن بلال .

كذلك ذكر جمهور الرواة لهذا الحديث ، عن أبي حازم في الصلاة أنها العصر والمؤذن أنه بلال .

حدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا عبد الله بن روح ، قال : حدثنا عثمان بن عمر ، وحدثنا أحمد بن قاسم ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا يونس بن محمد قالا : [ ص: 102 ] حدثنا حماد ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى بني عمرو بن عوف في لحاء كان بينهم ، فحضرت صلاة العصر ، فقال بلال لأبي بكر : أأقيم الصلاة ، فتصلي بالناس ؟ قال : نعم ، فأقام بلال ، وتقدم أبو بكر ، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفرق الصفوف ، وصفق القوم ، وكان أبو بكر لا يكاد يلتفت ، فلما أكثروا التصفيق ، التفت ، فإذا هو برسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفرق الصفوف ، فتأخر أبو بكر ، وأومأ إليه أن مكانك ، فتأخر ، وتقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى بهم ، فلما قضى صلاته ، قال يا أبا بكر : مالك إذ أومأت إليك لم تقم ؟ قال : ما كان لابن أبي قحافة أن يؤم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يا قوم ما بالكم إذا نابكم أمر صفقتم ، سبحوا فإنما التصفيق للنساء .

في هذا الحديث من الفقه : أن الصلاة إذا خشي فوات وقتها ، لم ينتظر الإمام - من كان - فاضلا كان أو مفضولا ، وفيه أن الإقامة إلى المؤذن هو أولى بها ، وهذا موضع اختلف العلماء فيه ، فذهب قوم إلى أن من أذن فهو يقيم ، ورووا فيه حديثا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد فيه لين ، يدور على الإفريقي عبد الرحمن بن زياد .

وقال مالك وجماعة غيره من العلماء : لا بأس بأذان مؤذن وإقامة غيره ، واستحب الشافعي أن يقيم المؤذن ، فإن أقام غيره ، فلا بأس بذلك عنده .

وفي حديث عبد الله بن زيد ما يدل على أنه لا بأس بإقامة غير المؤذن ، وهو أحسن إسنادا من حديث الإفريقي .

وفيه : أنه لا بأس بتخلل الصفوف ودفع الناس والتخلص بينهم للرجل الذي تليق به الصلاة في الصف الأول حتى يصل إليه ، ومن شأن الصف الأول أن يكون فيه أهل الفضل والعلم بحدود الصلاة لقوله - صلى الله عليه وسلم - ليلني منكم أهل [ ص: 103 ] الأحلام والنهى يريد ليحفظوا عنه ويعوا ما يكون منه في صلاته ، وكذلك ينبغي أن يكون في الصف من يصلح للاستخلاف إن ناب الإمام شيء في صلاته ممن يعرف إرقاعها وإصلاحها .

وفيه : أن التصفيق لا تفسد به صلاة الرجال إن فعلوه ; لأنهم لم يؤمروا بإعادة ، ولكن قيل لهم : شأن الرجال في مثل هذه الحال التسبيح .

وفيه : أن أبا بكر كان لا يلتفت في صلاته ، ثم التفت إذ أكثر الناس للتصفيق .

وفيه : أن الالتفات لا يفسد الصلاة ; لأنه لو أفسدها لأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإعادتها ، ولقال له قد أفسدت صلاتك بالتفاتك ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما بعث آمرا بالمعروف ، وناهيا عن المنكر ، ومعلما شرائع الدين ، وقد بلغ كل ما أمر به - صلى الله عليه وسلم - وما أقر عليه مما رآه ، فهو في حكم ما أباحه قولا وعملا .

وقد جاءت في النهي عن الالتفات في الصلاة أحاديث محملها عند أهل العلم على ما وصفت لك ، وأجمع العلماء على أن الالتفات في الصلاة مكروه ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الالتفات في الصلاة خلسة يختلسها الشيطان من صلاة العبد ، وجمهور الفقهاء على أن الالتفات لا يفسد الصلاة إذا كان يسيرا .

وقال أبو ثور : إذا التفت ببدنه كله أفسد صلاته .

وقال الحكم : من تأمل من عن يمينه أو يساره في الصلاة ، فليس له صلاة .

وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن علي ، قال : حدثنا محمد بن قاسم بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان مطين ، قال : حدثنا موسى بن زياد ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن [ ص: 104 ] الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن نافع ، قال : سئل ابن عمر أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلتفت في الصلاة ؟ قال : لا ، ولا في غير الصلاة .

وفيه : أن الإشارة في الصلاة باليد وبالعين ، وبغير ذلك ، لا بأس بذلك .

حدثنا خلف بن القاسم ، حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا زكرياء بن يحيى السنجري ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يشير في الصلاة .

وفيه : أن رفع اليدين حمدا وشكرا ودعاء في الصلاة لا يضر بها شيء من ذلك كله .

وفيه دليل على جواز الاستخلاف في الصلاة إذا أحدث الإمام ، أو منعه مانع من تمام صلاته ; لأن الإمام إذا أحدث كان أولى بالاستخلاف ، وكان ذلك منه أجوز من تأخر أبي بكر - رضي الله عنه - من غير حدث ; لأن المحدث لا يجوز له أن يتمادى في تلك الصلاة ، وقد كان لأبي بكر أن يتمادى ، لولا موضع فضيلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التقدم بين يديه ، بغير إذنه - صلى الله عليه وسلم - وقد كان يجوز له أن يثبت ويتمادى ; لإشارة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن امكث مكانك ، وليس كذلك المحدث ، ولهذا يستخلف عند جمهور العلماء ، وقد ذكرنا ما في هذه المسألة من الاختلاف في باب إسماعيل بن أبي حكيم والحمد لله .

وأما استئخار أبي بكر ، عن إمامته ، وتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكانه ، وصلاته في موضع أبي بكر : ما كان بقي عليه ، فهذا موضع خصوص عند جمهور العلماء ، لا أعلم بينهم أن إمامين في صلاة واحدة من غير عذر حدث يقطع صلاة الإمام ويوجب الاستخلاف ، لا يجوز ، وفي إجماعهم على هذا دليل على خصوص هذا الموضع لفضل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولأنه لا نظير له في [ ص: 105 ] ذلك ; ولأن الله عز وجل قد أمرهم أن لا يتقدموا بين يدي الله ورسوله ، وهذا على عمومه في الصلاة ، والفتوى ، والأمور كلها ، ألا ترى إلى قول أبي بكر : ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو يصلي بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وفضيلة الصلاة خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يجهلها مسلم ، ولا يلحقها أحد ، وأما سائر الناس ، فلا ضرورة بهم إلى ذلك ; لأن الأول والثاني سواء ما لم يكن عذر ، ولو صلى أبو بكر بهم تمام الصلاة ; لجاز لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما منعك أن تثبت إذ أمرتك وفي هذا دليل على أنه لولا أنه أمره ما قال له : ما منعك أن تثبت وفي هذا ما يدلك على أنهم قد كانوا عرفوا منه ما يدل على خصوصه في ذلك ، والله أعلم .

وموضع الخصوص من هذا الحديث هو استئخار الإمام لغيره من غير حدث يقطع عليه صلاته ، وأما لو تأخر بعد حدث ، وقدم غيره ، لم يكن بذلك بأس ، بل في هذا الحديث دليل عليه ; للعلة التي ذكرنا ، فكذلك كل علة تمنع من تماديه في صلاته .

وقد روى عيسى ، عن ابن القاسم في رجل أم قوما فصلى بهم ركعة ، ثم أحدث فخرج ، وقدم رجلا ، ثم توضأ وانصرف ، فأخرج الذي قدمه ، وتقدم ، هل تجزئ عنهم صلاتهم ؟ فقال : قد جاء الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه جاء وأبو بكر يصلي بالناس فسبح الناس بأبي بكر ، فتأخر ، وتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم فأرى أن يصلي بهم بقية صلاتهم ، ثم يجلسون حتى يتم هو لنفسه ، ثم يسلم ويسلمون ، قال عيسى : قلت لابن القاسم : فلو ذكر قبيح ما صنع بعد أن صلى ركعة ، قال : يخرج ، ويقدم الذي أخرج ، قلت : فإن لم يجده ، قال فليقدم غيره ممن أدرك الصلاة كلها .

[ ص: 106 ] وفيه أن التصفيق لا يجوز في الصلاة لمن نابه شيء فيها ، ولكن يسبح ، وهذا ما لا خلاف فيه للرجال ، وأما النساء فإن العلماء اختلفوا في ذلك :

فذهب مالك وأصحابه إلى أن التسبيح للرجال والنساء جميعا ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - من نابه شيء في صلاته فليسبح ولم يخص رجالا من نساء ، وتأولوا قول النبي صلى الله عليه وسلم إنما التصفيق للنساء أي إنما التصفيق من فعل النساء ، قال ذلك على جهة الذم ، ثم قال : من نابه شيء في صلاته فليسبح وهذا على العموم للرجال والنساء ، هذه حجة من ذهب هذا المذهب .

وقال آخرون ، منهم الشافعي ، والأوزاعي ، وعبيد الله بن الحسن ، والحسن بن حي ، وجماعة : من نابه من الرجال شيء في صلاته سبح ، ومن نابها من النساء شيء في صلاتها صفقت إن شاءت ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد فرق بين حكم النساء والرجال في ذلك ، فقال : التصفيق للنساء ومن نابه شيء في صلاته - يعني منكم أيها الرجال - فليسبح .

واحتج بحديث أبي هريرة التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ، ففرق بين حكم الرجال والنساء ، وكذلك رواه جماعة في حديث سهل بن سعد هذا ، قال الأوزاعي : إذا نادته أمه ، وهو في الصلاة سبح فإن التسبيح للرجال ، والتصفيق للنساء سنة .

حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا حماد بن زيد ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، قال : كان قتال بين بني عمرو بن عوف ، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتاهم ليصلح بينهم بعد الظهر ، فقال لبلال : إذا حضرت صلاة العصر ولم آتك ، فمر أبا بكر فليصل بالناس ، فلما حضرت صلاة [ ص: 107 ] العصر ، أذن بلال ، ثم أقام ، ثم أمر بلال أبا بكر ، فتقدم ، وذكر الحديث ، وقال في آخره : إذا نابكم شيء في الصلاة ، فليسبح الرجال ، وليصفق النساء ، فهذا قاطع في موضع الخلاف ، يرفع الإشكال .

وكذلك رواه ابن عجلان ، وغيره جماعة ، قد ذكرنا بعضهم في هذا الباب ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد بمعنى حديث حماد بن زيد هذا .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من نابه شيء في صلاته ، فليقل : سبحان الله ، إنما التصفيق للنساء والتسبيح للرجال . وهذا المعنى محفوظ من حديث أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رواه عن أبي هريرة جماعة من أصحابه ، منهم سعيد بن المسيب ، ومحمد بن سيرين ، وأبو صالح السمان ، وأبو سلمة ، وأبو نضرة ، وغيرهم .

حدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وحامد بن يحيى ، وأخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، قالوا : حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التسبيح للرجال والتصفيق للنساء .

وحدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا محمود بن خالد ، قال : حدثنا الوليد ، عن عيسى بن أيوب ، قال قوله : [ ص: 108 ] التصفيح للنساء ، تضرب المرأة بأصبعين من يمينها على كفها الشمال .

وقال بعض أهل العلم : إنما كره التسبيح للنساء ، وأبيح لهن التصفيق من أجل أن صوت المرأة رخيم في أكثر النساء ، وربما شغلت بصوتها الرجال المصلين معها .

وفي هذا الحديث دليل على جواز الفتح على الإمام لقوله - صلى الله عليه وسلم - من نابه شيء في صلاته فليسبح ، فإذا جاز التسبيح ، جازت التلاوة .

حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، حدثنا عبد الحميد بن أحمد ، حدثنا الخضر بن داود ، قال : حدثنا أبو بكر الأثرم ، قال : حدثنا قبيصة بن عقبة ، قال : حدثنا سفيان ، عن خالد الحذاء ، قال : سمعت الحسن ، يقول : إن أهل الكوفة يقولون : لا يفتح على الإمام ، وما بأس به ، أليس الرجل يقول : سبحان الله ؟

قال أبو عمر :

ذكر الطحاوي أن الثوري ، وأبا حنيفة ، وأصحابه كانوا يقولون : لا يفتح على الإمام ، وقالوا بإن فتح عليه لم تفسد صلاته ، وروى الكرخي عن أصحاب أبي حنيفة أنهم لا يكرهون الفتح على الإمام .

قال أبو عمر :

قد روى عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي رحمه الله قال : إذا استطعمكم الإمام فأطعموه ، ولا مخالف له من الصحابة ، وأصل هذا الباب قوله - صلى الله عليه وسلم - إذا نابكم شيء في صلاتكم ، فسبحوا فلما كان تسبيحه لما ينويه مباحا ، كان فتحه على الإمام أحرى أن يكون مباحا ، وقد [ ص: 109 ] كان أبو حنيفة يقول : إذا كان التسبيح جوابا ، قطع الصلاة ، وإن كان من مرور إنسان بين يديه لم يقطع ، وقال أبو يوسف : لا يقطع ، وإن كان جوابا ، وهو الصحيح ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - من نابه شيء في صلاته فليسبح .

وجائز أن يسبح من سلم عليه ، وهو في الصلاة على عموم هذا الحديث .

وأجمع العلماء على أن من سلم عليه ، وهو يصلي ، لا يرد كلاما ، وكذلك أجمعوا على أن من رد إشارة أجزأه ، ولا شيء عليه ، ثبت ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث ابن عمر ، عن صهيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي والأنصار يدخلون يسلمون عليه ، وكان يرد إشارة ، ومن سلم عليه ، وهو في الصلاة ، فلم يرد إشارة رد إذا فرغ منها كلاما ، وأحب إلى أهل العلم أن يشير بيده إلى من سلم عليه ، وقد كره قوم السلام على المصلي ، وأجازه الأكثر من العلماء على حكم ما ذكرنا وبالله توفيقنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية