الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
392 [ ص: 100 ] حديث رابع لأبي حازم مالك ، عن أبي حازم بن دينار ، عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ; ليصلح بينهم ، وحانت الصلاة ، فجاء المؤذن إلى أبي بكر الصديق ، فقال : أتصلي بالناس فأقيم ؟ قال : نعم ، فصلى أبو بكر ، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس في الصلاة ، فتخلص حتى وقف في الصف ، فصفق الناس ، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته ، فلما أكثر الناس من التصفيق التفت أبو بكر ، فرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امكث مكانك ، فرفع أبو بكر يديه ، فحمد الله على ما أمره به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك ، ثم استأخر ، حتى استوى في الصف وتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى ، ثم انصرف ، فقال : يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك ، فقال أبو بكر : ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق ؟ من نابه شيء في صلاته ، فليسبح ، فإنه إذا سبح التفت إليه ، وإنما التصفيح للنساء .

[ ص: 101 ]

التالي السابق


[ ص: 101 ] قال أبو عمر :

لم يختلف رواة الموطأ في إسناد هذا الحديث ، وانفرد عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي ، عن مالك ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : التسبيح للرجال ، والتصفيق للنساء ولم يتابع عليه ، وحديث الزهري محفوظ عند جماعة من أصحابه ، وإن اختلفوا في إسناده .

وروى هذا الحديث ابن عيينة وخارجة والمسعودي ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد بمعنى حديث مالك ، وقالوا كلهم في آخره : إنما التصفيق للنساء والتسبيح للرجال .

والمعنى الذي له خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم : أن رجلين منهم تشاجرا ، كذا رواه أسد بن موسى ، عن المسعودي ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، قال : كان بين رجلين من الأنصار شيء ، فانطلق إليهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلح بينهما ، فذكر الحديث .

وقال خارجة ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد : كان بين بني عمرو بن عوف شيء بالمدينة ، فاستبوا وتراموا بالحجارة ، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانطلق يصلح بينهم ، والصلاة التي شهدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندهم صلاة العصر ، والمؤذن بلال .

كذلك ذكر جمهور الرواة لهذا الحديث ، عن أبي حازم في الصلاة أنها العصر والمؤذن أنه بلال .

حدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا عبد الله بن روح ، قال : حدثنا عثمان بن عمر ، وحدثنا أحمد بن قاسم ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا يونس بن محمد قالا : [ ص: 102 ] حدثنا حماد ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى بني عمرو بن عوف في لحاء كان بينهم ، فحضرت صلاة العصر ، فقال بلال لأبي بكر : أأقيم الصلاة ، فتصلي بالناس ؟ قال : نعم ، فأقام بلال ، وتقدم أبو بكر ، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفرق الصفوف ، وصفق القوم ، وكان أبو بكر لا يكاد يلتفت ، فلما أكثروا التصفيق ، التفت ، فإذا هو برسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفرق الصفوف ، فتأخر أبو بكر ، وأومأ إليه أن مكانك ، فتأخر ، وتقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى بهم ، فلما قضى صلاته ، قال يا أبا بكر : مالك إذ أومأت إليك لم تقم ؟ قال : ما كان لابن أبي قحافة أن يؤم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يا قوم ما بالكم إذا نابكم أمر صفقتم ، سبحوا فإنما التصفيق للنساء .

في هذا الحديث من الفقه : أن الصلاة إذا خشي فوات وقتها ، لم ينتظر الإمام - من كان - فاضلا كان أو مفضولا ، وفيه أن الإقامة إلى المؤذن هو أولى بها ، وهذا موضع اختلف العلماء فيه ، فذهب قوم إلى أن من أذن فهو يقيم ، ورووا فيه حديثا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد فيه لين ، يدور على الإفريقي عبد الرحمن بن زياد .

وقال مالك وجماعة غيره من العلماء : لا بأس بأذان مؤذن وإقامة غيره ، واستحب الشافعي أن يقيم المؤذن ، فإن أقام غيره ، فلا بأس بذلك عنده .

وفي حديث عبد الله بن زيد ما يدل على أنه لا بأس بإقامة غير المؤذن ، وهو أحسن إسنادا من حديث الإفريقي .

وفيه : أنه لا بأس بتخلل الصفوف ودفع الناس والتخلص بينهم للرجل الذي تليق به الصلاة في الصف الأول حتى يصل إليه ، ومن شأن الصف الأول أن يكون فيه أهل الفضل والعلم بحدود الصلاة لقوله - صلى الله عليه وسلم - ليلني منكم أهل [ ص: 103 ] الأحلام والنهى يريد ليحفظوا عنه ويعوا ما يكون منه في صلاته ، وكذلك ينبغي أن يكون في الصف من يصلح للاستخلاف إن ناب الإمام شيء في صلاته ممن يعرف إرقاعها وإصلاحها .

وفيه : أن التصفيق لا تفسد به صلاة الرجال إن فعلوه ; لأنهم لم يؤمروا بإعادة ، ولكن قيل لهم : شأن الرجال في مثل هذه الحال التسبيح .

وفيه : أن أبا بكر كان لا يلتفت في صلاته ، ثم التفت إذ أكثر الناس للتصفيق .

وفيه : أن الالتفات لا يفسد الصلاة ; لأنه لو أفسدها لأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإعادتها ، ولقال له قد أفسدت صلاتك بالتفاتك ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما بعث آمرا بالمعروف ، وناهيا عن المنكر ، ومعلما شرائع الدين ، وقد بلغ كل ما أمر به - صلى الله عليه وسلم - وما أقر عليه مما رآه ، فهو في حكم ما أباحه قولا وعملا .

وقد جاءت في النهي عن الالتفات في الصلاة أحاديث محملها عند أهل العلم على ما وصفت لك ، وأجمع العلماء على أن الالتفات في الصلاة مكروه ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الالتفات في الصلاة خلسة يختلسها الشيطان من صلاة العبد ، وجمهور الفقهاء على أن الالتفات لا يفسد الصلاة إذا كان يسيرا .

وقال أبو ثور : إذا التفت ببدنه كله أفسد صلاته .

وقال الحكم : من تأمل من عن يمينه أو يساره في الصلاة ، فليس له صلاة .

وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن علي ، قال : حدثنا محمد بن قاسم بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان مطين ، قال : حدثنا موسى بن زياد ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن [ ص: 104 ] الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن نافع ، قال : سئل ابن عمر أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلتفت في الصلاة ؟ قال : لا ، ولا في غير الصلاة .

وفيه : أن الإشارة في الصلاة باليد وبالعين ، وبغير ذلك ، لا بأس بذلك .

حدثنا خلف بن القاسم ، حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا زكرياء بن يحيى السنجري ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يشير في الصلاة .

وفيه : أن رفع اليدين حمدا وشكرا ودعاء في الصلاة لا يضر بها شيء من ذلك كله .

وفيه دليل على جواز الاستخلاف في الصلاة إذا أحدث الإمام ، أو منعه مانع من تمام صلاته ; لأن الإمام إذا أحدث كان أولى بالاستخلاف ، وكان ذلك منه أجوز من تأخر أبي بكر - رضي الله عنه - من غير حدث ; لأن المحدث لا يجوز له أن يتمادى في تلك الصلاة ، وقد كان لأبي بكر أن يتمادى ، لولا موضع فضيلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التقدم بين يديه ، بغير إذنه - صلى الله عليه وسلم - وقد كان يجوز له أن يثبت ويتمادى ; لإشارة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن امكث مكانك ، وليس كذلك المحدث ، ولهذا يستخلف عند جمهور العلماء ، وقد ذكرنا ما في هذه المسألة من الاختلاف في باب إسماعيل بن أبي حكيم والحمد لله .

وأما استئخار أبي بكر ، عن إمامته ، وتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكانه ، وصلاته في موضع أبي بكر : ما كان بقي عليه ، فهذا موضع خصوص عند جمهور العلماء ، لا أعلم بينهم أن إمامين في صلاة واحدة من غير عذر حدث يقطع صلاة الإمام ويوجب الاستخلاف ، لا يجوز ، وفي إجماعهم على هذا دليل على خصوص هذا الموضع لفضل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولأنه لا نظير له في [ ص: 105 ] ذلك ; ولأن الله عز وجل قد أمرهم أن لا يتقدموا بين يدي الله ورسوله ، وهذا على عمومه في الصلاة ، والفتوى ، والأمور كلها ، ألا ترى إلى قول أبي بكر : ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو يصلي بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وفضيلة الصلاة خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يجهلها مسلم ، ولا يلحقها أحد ، وأما سائر الناس ، فلا ضرورة بهم إلى ذلك ; لأن الأول والثاني سواء ما لم يكن عذر ، ولو صلى أبو بكر بهم تمام الصلاة ; لجاز لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما منعك أن تثبت إذ أمرتك وفي هذا دليل على أنه لولا أنه أمره ما قال له : ما منعك أن تثبت وفي هذا ما يدلك على أنهم قد كانوا عرفوا منه ما يدل على خصوصه في ذلك ، والله أعلم .

وموضع الخصوص من هذا الحديث هو استئخار الإمام لغيره من غير حدث يقطع عليه صلاته ، وأما لو تأخر بعد حدث ، وقدم غيره ، لم يكن بذلك بأس ، بل في هذا الحديث دليل عليه ; للعلة التي ذكرنا ، فكذلك كل علة تمنع من تماديه في صلاته .

وقد روى عيسى ، عن ابن القاسم في رجل أم قوما فصلى بهم ركعة ، ثم أحدث فخرج ، وقدم رجلا ، ثم توضأ وانصرف ، فأخرج الذي قدمه ، وتقدم ، هل تجزئ عنهم صلاتهم ؟ فقال : قد جاء الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه جاء وأبو بكر يصلي بالناس فسبح الناس بأبي بكر ، فتأخر ، وتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم فأرى أن يصلي بهم بقية صلاتهم ، ثم يجلسون حتى يتم هو لنفسه ، ثم يسلم ويسلمون ، قال عيسى : قلت لابن القاسم : فلو ذكر قبيح ما صنع بعد أن صلى ركعة ، قال : يخرج ، ويقدم الذي أخرج ، قلت : فإن لم يجده ، قال فليقدم غيره ممن أدرك الصلاة كلها .

[ ص: 106 ] وفيه أن التصفيق لا يجوز في الصلاة لمن نابه شيء فيها ، ولكن يسبح ، وهذا ما لا خلاف فيه للرجال ، وأما النساء فإن العلماء اختلفوا في ذلك :

فذهب مالك وأصحابه إلى أن التسبيح للرجال والنساء جميعا ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - من نابه شيء في صلاته فليسبح ولم يخص رجالا من نساء ، وتأولوا قول النبي صلى الله عليه وسلم إنما التصفيق للنساء أي إنما التصفيق من فعل النساء ، قال ذلك على جهة الذم ، ثم قال : من نابه شيء في صلاته فليسبح وهذا على العموم للرجال والنساء ، هذه حجة من ذهب هذا المذهب .

وقال آخرون ، منهم الشافعي ، والأوزاعي ، وعبيد الله بن الحسن ، والحسن بن حي ، وجماعة : من نابه من الرجال شيء في صلاته سبح ، ومن نابها من النساء شيء في صلاتها صفقت إن شاءت ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد فرق بين حكم النساء والرجال في ذلك ، فقال : التصفيق للنساء ومن نابه شيء في صلاته - يعني منكم أيها الرجال - فليسبح .

واحتج بحديث أبي هريرة التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ، ففرق بين حكم الرجال والنساء ، وكذلك رواه جماعة في حديث سهل بن سعد هذا ، قال الأوزاعي : إذا نادته أمه ، وهو في الصلاة سبح فإن التسبيح للرجال ، والتصفيق للنساء سنة .

حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا حماد بن زيد ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، قال : كان قتال بين بني عمرو بن عوف ، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتاهم ليصلح بينهم بعد الظهر ، فقال لبلال : إذا حضرت صلاة العصر ولم آتك ، فمر أبا بكر فليصل بالناس ، فلما حضرت صلاة [ ص: 107 ] العصر ، أذن بلال ، ثم أقام ، ثم أمر بلال أبا بكر ، فتقدم ، وذكر الحديث ، وقال في آخره : إذا نابكم شيء في الصلاة ، فليسبح الرجال ، وليصفق النساء ، فهذا قاطع في موضع الخلاف ، يرفع الإشكال .

وكذلك رواه ابن عجلان ، وغيره جماعة ، قد ذكرنا بعضهم في هذا الباب ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد بمعنى حديث حماد بن زيد هذا .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من نابه شيء في صلاته ، فليقل : سبحان الله ، إنما التصفيق للنساء والتسبيح للرجال . وهذا المعنى محفوظ من حديث أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رواه عن أبي هريرة جماعة من أصحابه ، منهم سعيد بن المسيب ، ومحمد بن سيرين ، وأبو صالح السمان ، وأبو سلمة ، وأبو نضرة ، وغيرهم .

حدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وحامد بن يحيى ، وأخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، قالوا : حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التسبيح للرجال والتصفيق للنساء .

وحدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا محمود بن خالد ، قال : حدثنا الوليد ، عن عيسى بن أيوب ، قال قوله : [ ص: 108 ] التصفيح للنساء ، تضرب المرأة بأصبعين من يمينها على كفها الشمال .

وقال بعض أهل العلم : إنما كره التسبيح للنساء ، وأبيح لهن التصفيق من أجل أن صوت المرأة رخيم في أكثر النساء ، وربما شغلت بصوتها الرجال المصلين معها .

وفي هذا الحديث دليل على جواز الفتح على الإمام لقوله - صلى الله عليه وسلم - من نابه شيء في صلاته فليسبح ، فإذا جاز التسبيح ، جازت التلاوة .

حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، حدثنا عبد الحميد بن أحمد ، حدثنا الخضر بن داود ، قال : حدثنا أبو بكر الأثرم ، قال : حدثنا قبيصة بن عقبة ، قال : حدثنا سفيان ، عن خالد الحذاء ، قال : سمعت الحسن ، يقول : إن أهل الكوفة يقولون : لا يفتح على الإمام ، وما بأس به ، أليس الرجل يقول : سبحان الله ؟

قال أبو عمر :

ذكر الطحاوي أن الثوري ، وأبا حنيفة ، وأصحابه كانوا يقولون : لا يفتح على الإمام ، وقالوا بإن فتح عليه لم تفسد صلاته ، وروى الكرخي عن أصحاب أبي حنيفة أنهم لا يكرهون الفتح على الإمام .

قال أبو عمر :

قد روى عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي رحمه الله قال : إذا استطعمكم الإمام فأطعموه ، ولا مخالف له من الصحابة ، وأصل هذا الباب قوله - صلى الله عليه وسلم - إذا نابكم شيء في صلاتكم ، فسبحوا فلما كان تسبيحه لما ينويه مباحا ، كان فتحه على الإمام أحرى أن يكون مباحا ، وقد [ ص: 109 ] كان أبو حنيفة يقول : إذا كان التسبيح جوابا ، قطع الصلاة ، وإن كان من مرور إنسان بين يديه لم يقطع ، وقال أبو يوسف : لا يقطع ، وإن كان جوابا ، وهو الصحيح ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - من نابه شيء في صلاته فليسبح .

وجائز أن يسبح من سلم عليه ، وهو في الصلاة على عموم هذا الحديث .

وأجمع العلماء على أن من سلم عليه ، وهو يصلي ، لا يرد كلاما ، وكذلك أجمعوا على أن من رد إشارة أجزأه ، ولا شيء عليه ، ثبت ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث ابن عمر ، عن صهيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي والأنصار يدخلون يسلمون عليه ، وكان يرد إشارة ، ومن سلم عليه ، وهو في الصلاة ، فلم يرد إشارة رد إذا فرغ منها كلاما ، وأحب إلى أهل العلم أن يشير بيده إلى من سلم عليه ، وقد كره قوم السلام على المصلي ، وأجازه الأكثر من العلماء على حكم ما ذكرنا وبالله توفيقنا .




الخدمات العلمية