التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
704 [ ص: 210 ] حديث حادي عشر لأبي النضر

مالك ، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أن عبد الله بن أنيس الجهني ، قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا رسول الله : إني شاسع الدار ، فمرني ليلة أنزل لها ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انزل ليلة ثلاثة وعشرين .


هذا حديث منقطع ، ولم يلق أبو النضر عبد الله بن أنيس ، ولا رآه ، ولكنه يتصل من وجوه شتى صحاح ثابتة .

ورواه الضحاك بن عثمان ، عن أبي النضر ، عن بسر بن سعيد ، عن عبد الله بن أنيس ، ولكن جاء بلفظ حديث أبي سعيد الخدري ، وذلك عندي منكر في هذا الإسناد .

حدثنا أحمد بن قاسم ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا محمد بن عمر الواقدي ، قال : حدثنا الضحاك بن عثمان ، عن أبي النضر ، عن بسر بن سعيد ، عن عبد الله بن أنيس ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أريت ليلة القدر ، ثم أنسيتها ، ثم أراني صبيحتها أسجد في ماء وطين . فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين ، فصلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانصرف ، وإن أثر الماء والطين لفي أنفه وجبهته ، وكان عبد الله بن أنيس ينزل ليلة ثلاث وعشرين . [ ص: 211 ] قال أبو عمر :

محمد بن عمر المذكور في هذا الإسناد ، هو الواقدي ، وهو ضعيف الحديث ، والضحاك بن عثمان كثير الخطأ ، ليس بحجة فيما روى ، حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا أبو بكر بن الأسود ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن ابن عبد الله بن أنيس الجهني ، قال : حدثني أبي ، قال : قلت : يا رسول الله ، إني أكون في باديتي ، وأنا بحمد الله أصلي فيها ، فمرني بليلة من هذا الشهر أنزلها بهذا المسجد أصليها فيه ، قال : انزل ليلة ثلاث وعشرين ، فصلها فيه .

ورواه الزهري ، عن ضمرة بن عبد الله بن أنيس ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

ورواه الأسلمي ، عن داود بن الحصين ، عن عطية بن عبد الله بن أنيس ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله بمعناه .

ورواه العمري ، عن عيسى بن عبد الله بن أنيس ، عن أبيه مرفوعا مثله .

وحدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، حدثنا إبراهيم بن حمزة ، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن يزيد بن الهادي ، عن أبي بكر بن محمد ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب ، عن عبد الله بن أنيس ، قال : كنا نبتدئ في رمضان ، فقال قومنا : إنه ليشق علينا أن ننزل بعيالنا وثقلنا ، وإنا نخشى عليهم الضيعة ، إن نزلنا وتركناهم ، وإنا لنكره أن تفوتنا هذه الليلة ، فهل لكم أن نرسل إلى رسول [ ص: 212 ] الله - صلى الله عليه وسلم - نذكر له هذا ، ونسأله أن يأمرنا بليلة ننزلها ، قالوا : نعم ، قال عبد الله بن أنيس : فأرسلوني وكنت أحدث القوم ، فجئت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألته أن يأمرنا بليلة ننزلها ، فقال : انزلوا ليلة ثلاث وعشرين فكان عبد الله بن أنيس ينزل تلك الليلة ، فإذا أصبح رجع .

ورواه يحيى بن أيوب ، عن يزيد بن الهادي ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن عبد الله بن أنيس نحوه بمعناه ، كذا قال عبد الرحمن بن كعب بن مالك .

ورواه عبد الملك بن قدامة الجمحي ، عن عبد الله بن عبد الرحمن ، فأخطأ فيه ، وأظنه لم يسمعه منه .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا عبيد بن عبد الواحد ومحمد بن إسماعيل الترمذي ، قالا : حدثنا سعيد بن الحكم بن أبي مريم ، حدثنا يحيى بن أيوب ، حدثنا يزيد بن الهادي ، أن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أخبره ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن عبد الله بن أنيس ، قال : كنا بالبادية ، فقلنا : إن قدمنا بأهلنا شق علينا ، وإن خلفناهم أصابتهم ضيعة ، قال : فبعثوني ، وكنت أصغرهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له قولهم ، فأمرنا بليلة ثلاث وعشرين . قال ابن الهادي : وكان محمد بن إبراهيم يجتهد تلك الليلة .

وقد روى عبد الله بن عباس في هذا الباب بإسناد صحيح أيضا حديثا يشبه أن يكون حديث عبد الله بن أنيس هذا .

حدثنا خلف بن القاسم ، قال : حدثنا أحمد بن صالح المقرئ ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد البغوي ، حدثنا أحمد بن حنبل ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثنا [ ص: 213 ] أبي ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله إني شيخ كبير عليل يشق علي القيام ، فمرني بليلة ، لعل الله يوفقني فيها لليلة القدر ، فقال : عليك بالسابعة .

قال أبو عمر :

يريد سابعة تبقى - والله أعلم - وذلك محفوظ في حديث ابن عباس ، إذ ذكر ما خص الله على سبع من خلقه ، ثم قال : وما أراها إلا ليلة ثلاث وعشرين لسبع بقين ، وقد ذكرنا هذا الخبر في باب حميد الطويل ، وقد مضى القول في ذلك ، وفي سائر معاني هذا الباب مستوعبا ممهدا مبسوطا هناك ، فلا وجه لتكرير ذلك هاهنا .

أخبرنا محمد بن عبد المالك ، وعبيد بن محمد ، قالا : حدثنا عبد الله بن مسرور ، قال : حدثنا عيسى بن مسكين ، قال : حدثنا محمد بن سنجر ، قال : حدثنا أحمد بن خالد الوهبي ، حدثني محمد بن إسحاق ، عن معاذ بن عبد الله بن حبيب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عبد الله بن حبيب ، قال : وكان رجلا في زمن عمر بن الخطاب ، قال : جلس إلينا عبد الله بن أنيس في مجلس حسبته ، قال في آخر رمضان ، فقلنا له : يا أبا يحيى ، هل سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الليلة المباركة من شيء ، قال : جلسنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آخر هذا الشهر ، فقلنا له : يا نبي الله متى نلتمس هذه الليلة المباركة لمساء ؟ قال التمسوها لمساء ثلاث وعشرين ، فقال : له رجل من القوم ، فهي إذن أولى ثمان ؟ فقال : إنها ليست بأولى ثمان ، ولكنها أولى سبع ، إن الشهر لا يتم .

[ ص: 214 ] قال ابن سنجر ، وحدثنا أبو صالح ، حدثني الليث ، حدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن محمد بن إسحاق ، عن معاذ بن عبد الله بن حبيب ، عن عبد الله بن حبيب ، عن عبد الله بن أنيس ، أنه سئل عن ليلة القدر ، فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : التمسوها الليلة ، وتلك الليلة ليلة ثلاث وعشرين ، فقال رجل : يا رسول الله هي إذن أولى ثمان ، فقال : بل أولى سبع إن الشهر لا يتم .

وحدثنا سعيد بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : بينا أنا نائم في رمضان ، فقيل لي : إن الليلة ليلة القدر ، فقمت وأنا ناعس ، فتعلقت ببعض أطراف فسطاط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي فنظرت في الليلة ، فإذا ليلة ثلاث وعشرين ، قال : وقال ابن عباس : إن الشيطان مع الشمس كل يوم إلا ليلة القدر ، وذلك أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها .

قال أبو عمر :

يقال إن ليلة الجهني معروفة بالمدينة ليلة ثلاث وعشرين ، وحديثه هذا مشهور عند خاصتهم وعامتهم .

وروى ابن جريج هذا الخبر لعبد الله بن أنيس ، وقال في آخره فكان الجهني يمسي تلك الليلة - يعني ليلة ثلاث وعشرين - في المسجد ، فلا يخرج منه حتى يصبح ، ولا يشهد شيئا من رمضان قبلها ، ولا بعدها ، ولا يوم الفطر .

وذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، قال : كان ابن عباس ينضح على أهله الماء ليلة ثلاث وعشرين .

[ ص: 215 ] وعن ابن جريج ، قال : أخبرني يونس بن يوسف أنه سمع سعيد بن المسيب ، يقول : استقام ملأ القوم على أنها لثلاث وعشرين ، يعني في ذلك العام ، والله أعلم .

وفي سياقة هذا الخبر ما يدل على ذلك ، وقد ذكرناه بتمامه في باب حميد الطويل من هذا الكتاب ، وذكر عبد الرزاق أيضا ، عن الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، قال : كانت عائشة توقظ أهلها ليلة ثلاث وعشرين .

وعن محمد بن راشد ، عن مكحول ، أنه كان يراها ليلة ثلاث وعشرين ، فحدثه الحسن بن الحر ، عن عبدة بن أبي لبابة ، أنه قال هي ليلة سبع وعشرين ، وأنه قد جرب ذلك بأشياء وبالنجوم ، فلم يلتفت مكحول إلى ذلك .

وعن معمر ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إني رأيت في النوم ليلة القدر ، كأنها ليلة سابعة ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أرى رؤياكم قد تواطأت ، إنها في ليلة سابعة ، فمن كان متحريها منكم فليتحرها في ليلة سابعة . قال معمر : فكان أيوب يغتسل في ليلة ثلاث وعشرين ويمس طيبا .

أخبرنا سعيد بن سيد ، وأحمد بن عمر قالا : حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا أحمد بن خالد ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا أحمد بن عمرو قال [ ص: 216 ] حدثنا رشدين بن سعد ، عن زهرة بن معبد قال : أصابني احتلام في أرض العدو ، وأنا في البحر ليلة ثلاث وعشرين في رمضان ، قال : فذهبت لأغتسل ، قال : فزلقت فسقطت في الماء ، فإذا الماء عذب ، فآذنت أصحابي ، وأعلمتهم أني في ماء عذب .

قال أبو عمر :

أفردنا في هذا الباب أقوال القائلين بأنها ليلة ثلاث وعشرين على ما في حديث عبد الله بن أنيس المذكور في هذا الباب ، وقد مضى في باب حميد الطويل من هذا الكتاب شفاء في هذا المعنى ، وما في ذلك من مذاهب العلماء ممهدا ، والحمد لله كثيرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية