الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
704 [ ص: 210 ] حديث حادي عشر لأبي النضر

مالك ، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أن عبد الله بن أنيس الجهني ، قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا رسول الله : إني شاسع الدار ، فمرني ليلة أنزل لها ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انزل ليلة ثلاثة وعشرين .

التالي السابق


هذا حديث منقطع ، ولم يلق أبو النضر عبد الله بن أنيس ، ولا رآه ، ولكنه يتصل من وجوه شتى صحاح ثابتة .

ورواه الضحاك بن عثمان ، عن أبي النضر ، عن بسر بن سعيد ، عن عبد الله بن أنيس ، ولكن جاء بلفظ حديث أبي سعيد الخدري ، وذلك عندي منكر في هذا الإسناد .

حدثنا أحمد بن قاسم ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا محمد بن عمر الواقدي ، قال : حدثنا الضحاك بن عثمان ، عن أبي النضر ، عن بسر بن سعيد ، عن عبد الله بن أنيس ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أريت ليلة القدر ، ثم أنسيتها ، ثم أراني صبيحتها أسجد في ماء وطين . فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين ، فصلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانصرف ، وإن أثر الماء والطين لفي أنفه وجبهته ، وكان عبد الله بن أنيس ينزل ليلة ثلاث وعشرين . [ ص: 211 ] قال أبو عمر :

محمد بن عمر المذكور في هذا الإسناد ، هو الواقدي ، وهو ضعيف الحديث ، والضحاك بن عثمان كثير الخطأ ، ليس بحجة فيما روى ، حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا أبو بكر بن الأسود ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن ابن عبد الله بن أنيس الجهني ، قال : حدثني أبي ، قال : قلت : يا رسول الله ، إني أكون في باديتي ، وأنا بحمد الله أصلي فيها ، فمرني بليلة من هذا الشهر أنزلها بهذا المسجد أصليها فيه ، قال : انزل ليلة ثلاث وعشرين ، فصلها فيه .

ورواه الزهري ، عن ضمرة بن عبد الله بن أنيس ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

ورواه الأسلمي ، عن داود بن الحصين ، عن عطية بن عبد الله بن أنيس ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله بمعناه .

ورواه العمري ، عن عيسى بن عبد الله بن أنيس ، عن أبيه مرفوعا مثله .

وحدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، حدثنا إبراهيم بن حمزة ، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن يزيد بن الهادي ، عن أبي بكر بن محمد ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب ، عن عبد الله بن أنيس ، قال : كنا نبتدئ في رمضان ، فقال قومنا : إنه ليشق علينا أن ننزل بعيالنا وثقلنا ، وإنا نخشى عليهم الضيعة ، إن نزلنا وتركناهم ، وإنا لنكره أن تفوتنا هذه الليلة ، فهل لكم أن نرسل إلى رسول [ ص: 212 ] الله - صلى الله عليه وسلم - نذكر له هذا ، ونسأله أن يأمرنا بليلة ننزلها ، قالوا : نعم ، قال عبد الله بن أنيس : فأرسلوني وكنت أحدث القوم ، فجئت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألته أن يأمرنا بليلة ننزلها ، فقال : انزلوا ليلة ثلاث وعشرين فكان عبد الله بن أنيس ينزل تلك الليلة ، فإذا أصبح رجع .

ورواه يحيى بن أيوب ، عن يزيد بن الهادي ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن عبد الله بن أنيس نحوه بمعناه ، كذا قال عبد الرحمن بن كعب بن مالك .

ورواه عبد الملك بن قدامة الجمحي ، عن عبد الله بن عبد الرحمن ، فأخطأ فيه ، وأظنه لم يسمعه منه .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا عبيد بن عبد الواحد ومحمد بن إسماعيل الترمذي ، قالا : حدثنا سعيد بن الحكم بن أبي مريم ، حدثنا يحيى بن أيوب ، حدثنا يزيد بن الهادي ، أن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أخبره ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن عبد الله بن أنيس ، قال : كنا بالبادية ، فقلنا : إن قدمنا بأهلنا شق علينا ، وإن خلفناهم أصابتهم ضيعة ، قال : فبعثوني ، وكنت أصغرهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له قولهم ، فأمرنا بليلة ثلاث وعشرين . قال ابن الهادي : وكان محمد بن إبراهيم يجتهد تلك الليلة .

وقد روى عبد الله بن عباس في هذا الباب بإسناد صحيح أيضا حديثا يشبه أن يكون حديث عبد الله بن أنيس هذا .

حدثنا خلف بن القاسم ، قال : حدثنا أحمد بن صالح المقرئ ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد البغوي ، حدثنا أحمد بن حنبل ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثنا [ ص: 213 ] أبي ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله إني شيخ كبير عليل يشق علي القيام ، فمرني بليلة ، لعل الله يوفقني فيها لليلة القدر ، فقال : عليك بالسابعة .

قال أبو عمر :

يريد سابعة تبقى - والله أعلم - وذلك محفوظ في حديث ابن عباس ، إذ ذكر ما خص الله على سبع من خلقه ، ثم قال : وما أراها إلا ليلة ثلاث وعشرين لسبع بقين ، وقد ذكرنا هذا الخبر في باب حميد الطويل ، وقد مضى القول في ذلك ، وفي سائر معاني هذا الباب مستوعبا ممهدا مبسوطا هناك ، فلا وجه لتكرير ذلك هاهنا .

أخبرنا محمد بن عبد المالك ، وعبيد بن محمد ، قالا : حدثنا عبد الله بن مسرور ، قال : حدثنا عيسى بن مسكين ، قال : حدثنا محمد بن سنجر ، قال : حدثنا أحمد بن خالد الوهبي ، حدثني محمد بن إسحاق ، عن معاذ بن عبد الله بن حبيب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عبد الله بن حبيب ، قال : وكان رجلا في زمن عمر بن الخطاب ، قال : جلس إلينا عبد الله بن أنيس في مجلس حسبته ، قال في آخر رمضان ، فقلنا له : يا أبا يحيى ، هل سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الليلة المباركة من شيء ، قال : جلسنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آخر هذا الشهر ، فقلنا له : يا نبي الله متى نلتمس هذه الليلة المباركة لمساء ؟ قال التمسوها لمساء ثلاث وعشرين ، فقال : له رجل من القوم ، فهي إذن أولى ثمان ؟ فقال : إنها ليست بأولى ثمان ، ولكنها أولى سبع ، إن الشهر لا يتم .

[ ص: 214 ] قال ابن سنجر ، وحدثنا أبو صالح ، حدثني الليث ، حدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن محمد بن إسحاق ، عن معاذ بن عبد الله بن حبيب ، عن عبد الله بن حبيب ، عن عبد الله بن أنيس ، أنه سئل عن ليلة القدر ، فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : التمسوها الليلة ، وتلك الليلة ليلة ثلاث وعشرين ، فقال رجل : يا رسول الله هي إذن أولى ثمان ، فقال : بل أولى سبع إن الشهر لا يتم .

وحدثنا سعيد بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : بينا أنا نائم في رمضان ، فقيل لي : إن الليلة ليلة القدر ، فقمت وأنا ناعس ، فتعلقت ببعض أطراف فسطاط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي فنظرت في الليلة ، فإذا ليلة ثلاث وعشرين ، قال : وقال ابن عباس : إن الشيطان مع الشمس كل يوم إلا ليلة القدر ، وذلك أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها .

قال أبو عمر :

يقال إن ليلة الجهني معروفة بالمدينة ليلة ثلاث وعشرين ، وحديثه هذا مشهور عند خاصتهم وعامتهم .

وروى ابن جريج هذا الخبر لعبد الله بن أنيس ، وقال في آخره فكان الجهني يمسي تلك الليلة - يعني ليلة ثلاث وعشرين - في المسجد ، فلا يخرج منه حتى يصبح ، ولا يشهد شيئا من رمضان قبلها ، ولا بعدها ، ولا يوم الفطر .

وذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، قال : كان ابن عباس ينضح على أهله الماء ليلة ثلاث وعشرين .

[ ص: 215 ] وعن ابن جريج ، قال : أخبرني يونس بن يوسف أنه سمع سعيد بن المسيب ، يقول : استقام ملأ القوم على أنها لثلاث وعشرين ، يعني في ذلك العام ، والله أعلم .

وفي سياقة هذا الخبر ما يدل على ذلك ، وقد ذكرناه بتمامه في باب حميد الطويل من هذا الكتاب ، وذكر عبد الرزاق أيضا ، عن الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، قال : كانت عائشة توقظ أهلها ليلة ثلاث وعشرين .

وعن محمد بن راشد ، عن مكحول ، أنه كان يراها ليلة ثلاث وعشرين ، فحدثه الحسن بن الحر ، عن عبدة بن أبي لبابة ، أنه قال هي ليلة سبع وعشرين ، وأنه قد جرب ذلك بأشياء وبالنجوم ، فلم يلتفت مكحول إلى ذلك .

وعن معمر ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إني رأيت في النوم ليلة القدر ، كأنها ليلة سابعة ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أرى رؤياكم قد تواطأت ، إنها في ليلة سابعة ، فمن كان متحريها منكم فليتحرها في ليلة سابعة . قال معمر : فكان أيوب يغتسل في ليلة ثلاث وعشرين ويمس طيبا .

أخبرنا سعيد بن سيد ، وأحمد بن عمر قالا : حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا أحمد بن خالد ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا أحمد بن عمرو قال [ ص: 216 ] حدثنا رشدين بن سعد ، عن زهرة بن معبد قال : أصابني احتلام في أرض العدو ، وأنا في البحر ليلة ثلاث وعشرين في رمضان ، قال : فذهبت لأغتسل ، قال : فزلقت فسقطت في الماء ، فإذا الماء عذب ، فآذنت أصحابي ، وأعلمتهم أني في ماء عذب .

قال أبو عمر :

أفردنا في هذا الباب أقوال القائلين بأنها ليلة ثلاث وعشرين على ما في حديث عبد الله بن أنيس المذكور في هذا الباب ، وقد مضى في باب حميد الطويل من هذا الكتاب شفاء في هذا المعنى ، وما في ذلك من مذاهب العلماء ممهدا ، والحمد لله كثيرا .




الخدمات العلمية