التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
843 [ ص: 231 ] حديث خامس عشر لأبي النضر ، مرسل

مالك ، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله ، عن سليمان بن يسار ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام أيام منى .


لم يختلف ، عن مالك في إسناده هذا الحديث وإرساله ، وعند مالك في هذا المعنى حديثه عن يزيد بن الهادي ، عن أبي مرة ، عن عمرو بن العاصي ، متصل مسند ، وفي هذا الباب آثار كثيرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طرق شتى .

فأما حديث سليمان بن يسار هذا فرواه الثوري ، عن أبي النضر وعبد الله بن أبي بكر ، عن سليمان بن يسار ، عن عبد الله بن حذافة ، حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن عبد السلام ، قال : حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن سالم أبي النضر ، وعبد الله بن أبي بكر ، عن سليمان بن يسار ، عن عبد الله بن حذافة ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن ينادي في أيام التشريق : أنها أيام أكل وشرب .

قال عبد الرحمن : وقرأته على مالك ، عن أبي النضر ، عن سليمان بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام أيام منى ، قال ابن مهدي : وما أراه إلا أثبت من حديث سفيان .

وحدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا أحمد بن زهير قال سئل يحيى بن معين ، عن حديث عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن عبد الله بن أبي بكر ، وسالم أبي النضر ، عن سليمان بن يسار ، عن عبد الله بن حذافة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن ينادي أيام التشريق : أنها أيام أكل وشرب . فقال : مرسل .

[ ص: 232 ] قال أبو عمر :

هذا - وإن كان مرسلا - فإنه حديث يتصل من غير ما وجه ، ويتصل حديث عبد الله بن حذافة من رواية ابن شهاب ، عن سعيد ، عن أبي هريرة :

حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا محمد بن الجهم ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا صالح ، قال : حدثنا ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث عبد الله بن حذافة يطوف في منى : لا تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وذكر لله .

أخبرنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، ومحمد بن سليمان ، قالا : حدثنا وكيع بن الجراح ، حدثنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن نافع بن جبير ، عن بشر بن سحيم الغفاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب في أيام التشريق ، فقال : لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة مسلمة ، وإن هذه أيام أكل وشرب .

ورواه أبو إسحاق السبيعي ، عن حبيب بن أبي ثابت ، بإسناده مثله .

وأخبرنا قاسم بن محمد ، حدثنا خالد بن سعد ، حدثنا أحمد بن عمرو بن منصور ، حدثنا ابن سنجر ، حدثنا إسماعيل بن عبد المالك الربعي ، حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن أبي الزبير ، عن ابن كعب بن مالك ، عن أبيه كعب بن مالك ، أنه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وأوس بن الحدثان في أيام التشريق ، فنادى : لا يدخل الجنة إلا مؤمن ، وأيام منى أيام أكل وشرب .

وروى محمد بن يحيى بن حبان ، عن أم الحارث بنت عياش بن أبي ربيعة ، أنها رأت بديل بن ورقاء يطوف على جمل على أهل المنازل بمنى يقول : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهاكم أن تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب .

[ ص: 233 ] وروى سفيان بن عيينة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بديل بن ورقاء الخزاعي ، فذكر مثله ، وزاد فيه ، وقال : . . .

قال أبو عمر :

لا خلاف بين العلماء أن أيام منى هي الأيام المعدودات التي ذكر الله عز وجل في قوله ( واذكروا الله في أيام معدودات ) ، وهي أيام التشريق ، وأن هذه الثلاثة الأسماء واقعة عليها .

وقد ذكرنا اختلاف العلماء في أيام الذبح ، وهي الأيام المعلومات في باب يحيى بن سعيد ، وذكرنا معنى أيام التشريق في باب يزيد بن الهادي ، وأيام منى هي أيام رمي الجمار بمنى ، وهي واقعة بإجماع على الثلاثة الأيام التي يتعجل الحاج منها في يومين بعد يوم النحر فأيام منى ثلاثة بإجماع ، وهي أيام التشريق ، وهي الأيام المعدودات ، فقف على ذلك ، ومما يدلك على أنها ثلاثة : قول العرجي :


ما نلتقي إلا ثلاث منى حتى يفرق بيننا النفر

وقال عروة بن أذينة :


نزلوا ثلاث منى بمنزل غبطة     وهم على سفر لعمرك ما همو

وقال كثير بن عبد الرحمن :


تفرق أهواء الحجيج على منى     وفرقهم صرف النوى مثنى أربع

[ ص: 234 ] قال أبو عمر :

من تعجل من الحاج في يومين من أيام منى ، صار مقامه بمنى ثلاثة أيام بيوم النحر ، ومن لم ينفر منها إلا في آخر اليوم الثالث ، حصل له بمنى مقام أربعة أيام من أجل يوم النحر ، والتعجيل لا يكون أبدا إلا في آخر النهار ، وكذلك اليوم الثالث ; لأن الرمي في تلك الأيام إنما وقته بعد الزوال ، ومنى اسم لذلك الموضع يذكر عند أهل اللغة ويؤنث .

قال ابن الأنباري : هو مشتق من منيت الدم إذا أصبته ، قال : وقال أبو هفان يقال : هو منى ، وهي منى ، فمن ذكره ذهب إلى المكان ، ومن أنثه ذهب إلى البقعة ، وتكتب في الوجهين جميعا بالياء ، وأنشد في تذكيره لبعض بني جمح :


سقى منى ، ثم رواه وساكنه     ومن نوى فيه واهي الودق منبعق

وأنشد في تأنيثها للعرجي :


ليومنا بمنى إذ نحن ننزلها     أشد من يومنا بالعرج أو ملل

وروى ابن جريج ، عن عطاء ، قال : حد منى رأس العقبة مما يلي منى إلى المنحر ، قال ابن جريج : حد منى إذا هبطت من وادي محسر فأصعدت في بطن المسيل ، فأنت في منى إلى العقبة عند جمرة العقبة .

وأجمع العلماء على أن صيام أيام منى ، لا يجوز تطوعا ، وأنها أيام لا يتطوع أحد بصيامهن .

وقد روي عن بعض الصحابة وبعض التابعين جواز صيامها تطوعا على ما ذكرنا عنهم في مراسيل ابن شهاب ، وذلك لا يصح ، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - النهي عن صيامها ، ولم يختلفوا أنها لا يتطوع أحد بصيامها ، واختلفوا في [ ص: 235 ] صيامها للمتمتع إذا لم يجد هديا ، لقول الله عز وجل ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج ) وهي من أيام الحج ، فمنهم من أجاز له صيامها إذا لم يصم قبل يوم النحر ، ومنهم من لم يجز له ذلك ; لنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيامها وحمل النهي في ذلك على العموم ، وجعلها كيوم الفطر ويوم النحر في تحريم الصيام ، وقد أوضحنا اختلافهم في صيام أيام منى في باب يزيد بن الهادي ، وباب مرسل ابن شهاب ، والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية