التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1511 [ ص: 75 ] هلال بن أسامة .

وهو هلال بن أبي ميمونة
، قال مصعب : هو مولى عامر بن لؤي .

قال أبو عمر : روى عنه مالك فقال : هلال بن أسامة ، وروى عنه يحيى بن أبي كثير وزياد بن سعد فقالا : هلال بن أبي ميمونة ، وروى عنه فليح بن سليمان فقال : هلال بن علي ، وقيل : إنه هلال بن علي بن أسامة ، وأبوه يكنى أبا ميمونة ، وبه يعرف بالكنية ، وهو بها أشهر . لمالك عنه حديث واحد اختصره من حديثه الطويل .

مالك عن هلال بن أسامة ، عن عطاء بن يسار ، عن عمر بن الحكم أنه قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، إن لي جارية كانت ترعى غنما لي ، فجئتها وقد فقدت شاة ، فسألتها عنها فقالت : أكلها الذئب . فأسفت عليها وكنت من بني آدم فلطمت حر وجهها وعلي رقبة ، أفأعتقها ؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أين الله ؟ فقالت : في السماء ، فقال : من أنا ؟ فقالت : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أعتقها .


[ ص: 76 ] هكذا قال مالك في هذا الحديث عن هلال عن عطاء عن عمر بن الحكم لم يختلف الرواة عنه في ذلك ، وهو وهم عند جميع أهل العلم بالحديث ، وليس في الصحابة رجل يقال له عمر بن الحكم ، وإنما هو معاوية بن الحكم ، كذلك قال فيه كل من روى هذا الحديث عن هلال وغيره ، ومعاوية بن الحكم معروف في الصحابة ، وحديثه هذا معروف له ، وقد ذكرناه في الصحابة ونسبناه فأغنانا عن ذكر ذلك هاهنا .

وأما عمر بن الحكم فهو من التابعين ، وهو عمر بن الحكم بن أبي الحكم ، وهو من بني عمرو بن عامر من الأوس ، وقيل : بل هو حليف لهم ، وكان من ساكني المدينة ، توفي بها سنة سبع عشرة ومائة ، وهو عم والد عبد الحميد بن جعفر الأنصاري وعمر بن الحكم بن سنان ، لأبيه صحبة ، وعمر بن الحكم بن ثوبان ، هؤلاء ثلاثة من التابعين كلهم يسمى عمر بن الحكم ، وهم مدنيون وليس فيهم من له صحبة ، ولا من يروي عنه عطاء بن يسار ، وليس في الصحابة أحد يسمى عمر بن الحكم ، وإنما هذا معاوية بن الحكم لا شك فيه .

حدثنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن أحمد قال : حدثنا محمد بن أيوب قال سمعت أحمد بن عمر والبزار يقول : روى مالك عن هلال بن أبي ميمونة ، عن عطاء بن يسار ، عن عمر بن الحكم السلمي ، أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فوهم فيه ، وإنما الحديث لعطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي . قال أبو بكر : وليس أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقال له عمر بن الحكم .

وقال أحمد بن خالد : ليس أحد يقول فيه : عمر بن الحكم غير مالك وهم فيه .

[ ص: 77 ] وكذلك رواه أصحابه جميعا عنه قال : وإنما يقول ذلك مالك في حديثه عن هلال بن أسامة ، وقد رواه عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة عن معاوية بن الحكم السلمي كما رواه الناس .

قال أبو عمر : حديثه هذا من رواية يحيى عن مالك مختصر من حديث فيه طول ، وقد ذكره بأكمل من هذا عن مالك قوم منهم عبد الله بن يوسف وابن بكير ، وكذلك رواه قتيبة أيضا والشافعي عن مالك بتمامه فيه ذكر الكهان والطيرة ، وقد روى مالك بعض ذلك الحديث عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن معاوية بن الحكم السلمي ، فذكر أمر الكهان ( ولم يذكر أمر الجارية ، وقال فيه في روايته عن ابن شهاب معاوية بن الحكم ) والطيرة كما قال الناس ، وإنما قال مالك : عمر بن الحكم في حديثه عن هلال بن أسامة ، ولم يتابعه أحد على ذلك ، وكل من رواه عن هلال قال فيه معاوية بن الحكم ، وهو الصواب ، وبالله التوفيق .

قرأت على أحمد بن عبد الله بن محمد أن الميمون بن حمزة الحسيني حدثهم قال : حدثنا أبو جعفر الطحاوي قال : حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني قال : حدثنا الشافعي قال : أخبرنا مالك ، عن هلال بن أسامة ، عن عطاء بن يسار ، عن عمر بن الحكم أنه قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، إن جارية لي كانت ترعى غنما لي فجئتها وقد فقدت شاة من الغنم فسألتها عنها ، فقالت : أكلها الذئب . فأسفت عليها وكنت امرأ من بني آدم فلطمت وجهها وعلي رقبة ، أفأعتقها ؟ قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أين الله ؟ قالت : في السماء . قال : فمن أنا ؟ قالت : أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر : [ ص: 78 ] يا رسول الله ، أشياء كنا نصنعها في الجاهلية : كنا نأتي الكهان ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : فلا تأتوا الكهان ، قال عمر : وكنا نتطير ، قال : إنما ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم .

قال الطحاوي : سمعت المزني يقول : قال الشافعي : مالك بن أنس يسمي هذا الرجل عمر بن الحكم ، وإنما هو معاوية بن الحكم . قال الطحاوي وهو كما قال الشافعي ، وقال الطحاوي : وقال مالك : هلال بن أسامة ، وإنما هو هلال بن علي ، غير أن قائلا قال : هو هلال بن علي بن أسامة ، فإن كان كذلك فإنما نسبه مالك إلى جده .

حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد ، حدثنا يوسف بن يزيد ، حدثنا عبد الله بن عبد الحكم ، أخبرنا مالك عن هلال بن أسامة ، عن عطاء بن يسار ، عن عمر بن الحكم أنه قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، إن لي جارية كانت ترعى غنما فجئتها ففقدت شاة من الغنم ، فسألتها عنها فقالت : أكلها الذئب ، فأسفت عليها وكنت من بني آدم فلطمت وجهها وعلي رقبة ، أفأعتقها ؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أين الله ؟ قالت : في السماء ، قال : من أنا ؟ قالت : أنت رسول الله ، قال : أعتقها ، فقال عمر : يا رسول الله ، أشياء كنا نصنعها في الجاهلية ، كنا نأتي الكهان ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تأتوا الكهان ، قال : وكنا نتطير ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنما ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يضركم .

حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال : حدثني أبي قال : حدثنا الحسن بن عبد الله الزبيدي قال : حدثنا أبو محمد بن عبد الله بن الجارود قال : أخبرنا عبد الله بن عبد الحكم أن ابن وهب أخبره قال : أخبرنا مالك عن هلال بن أسامة ، عن عطاء بن يسار ، عن عمر بن الحكم ، أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث .

[ ص: 79 ] قال أبو محمد بن الجارود : وكذلك حدثناه محمد بن يحيى ، عن مطرف ، عن مالك ، عن هلال ، عن عطاء ، عن عمر بن الحكم : قال أبو محمد : وليس هو عمر بن الحكم ، إنما هو معاوية بن الحكم ، وهو خطأ من مالك وقرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال : حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال : حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب قال : أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، عن معاوية بن الحكم أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الطيرة ، فقال : شيء يجده أحدكم فلا يصدنكم .

وأخبرنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو الطاهر عن ابن وهب قال : أخبرني مالك بن أنس وابن أبي ذئب ويونس بن يزيد وابن سمعان عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن معاوية بن الحكم السلمي قال : قلت يا رسول الله ، أمور كنا نصنعها في الجاهلية ، كنا نأتي الكهان قال : فلا تأتوا الكهان . قال : قلت كنا نتطير ، قال : ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم ، فهذا مالك يقول في هذا الحديث : عن ابن شهاب عن معاوية بن الحكم كما سمعه منه وحفظه عنه ، ولو سمعه كذلك من هلال لأداه كذلك ، والله أعلم ، وربما كان هذا من هلال إلا أن جماعة رووه عن هلال فقالوا فيه : معاوية بن الحكم ، والله أعلم .

حدثنا محمد بن عبد الملك وعبيد بن محمد قالا : حدثنا عبد الله بن مسرور قال : حدثنا عيسى بن مسكين ، وأخبرنا قاسم بن محمد قال : حدثنا خالد بن سعد قال : حدثنا أحمد بن عمرو بن منصور قالا : حدثنا محمد بن عبد الله بن سنجر الجرجاني قال : حدثنا أبو المغيرة قال : حدثنا الأوزاعي قال : حدثني [ ص: 80 ] يحيى بن أبي كثير ، عن هلال بن أبي ميمونة ، عن عطاء بن يسار ، عن معاوية بن الحكم قال : قلت يا رسول الله ، إنا كنا حديث عهد بجاهلية فجاء الله بالإسلام ، وإن رجالا منا يتطيرون ، قال : ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يضرهم ، قال : يا رسول الله ، ورجالا منا يأتون الكهان ، قال : فلا تأتوهم ، قال : يا رسول الله ، ورجالا منا يخطون ، قال : كان نبي الله يخط ، فمن وافق خطه فذاك .

قال : وبينا أنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة عطس رجل من القوم ، فقلت : يرحمك الله ، فحذفني القوم بأبصارهم ، فقلت : أمياه ، إنكم تنظرون إلي ؟ قال : فضربوا على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يسكتوني لكني سكت ، قال : فلما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه ، والله ما ضربني ، ولا كهرني ، ولا سبني ، ولكن قال : إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هي التسبيح والتكبير وتلاوة القرآن . قال : ثم اطلعت غنيمة لي ترعاها جارية لي في ناحية أحد فوجدت الذئب قد أصاب منها شاة وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون ، فصككتها صكة ، ثم انصرفت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته فعظم علي ، قال فقلت : يا رسول الله ، فهلا أعتقها ؟ قال : ائتيني بها ، قال : فجئت بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال لها : أين الله ؟ فقالت : في السماء ، فقال : من أنا ؟ فقالت : أنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : إنها مؤمنة فأعتقها
.

قال أبو عمر : معاني هذا الحديث واضحة يستغنى عن الكلام فيها ، وأما قوله : " أين الله ؟ فقالت : في السماء " فعلى هذا أهل الحق لقول الله - عز وجل - [ ص: 81 ] ( أأمنتم من في السماء ) ، ولقوله : ( إليه يصعد الكلم الطيب ) ، ولقوله : ( تعرج الملائكة والروح إليه ) ، ومثل هذا في القرآن كثير قد أتينا عليه في باب ابن شهاب في حديث النزول ، وفيه رد على المعتزلة وبيان لتأويل قول الله - عز وجل - : ( الرحمن على العرش استوى ) ، ولم يزل المسلمون في كل زمان إذا دهمهم أمر وكربهم غم يرفعون وجوههم وأيديهم إلى السماء رغبة إلى الله - عز وجل - في الكف عنهم .

حدثنا أحمد بن عمر ، حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا أبو عبيد قال : سمعت ابن علية يحدث عن سعيد الجريري قال : حدثت أن أبا الدرداء ترك الغزو عاما فأعطى رجلا صرة فيها دراهم ، فقال : انطلق ، فإذا رأيت رجلا يسير من القوم ناحية في هيئته بذاذة فادفعها إليه ، قال : ففعل فرفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم لم تنس حديدا ، فاجعل حديدا لا ينساك ، قال : فرجع الرجل إلى أبي الدرداء فأخبره ، فقال : ولي النعمة ربها . وقد مضى في هذا المعنى ما فيه كفاية وبيان في باب ابن شهاب ، عن أبي عبد الله الأغر وأبي سلمة من هذا الكتاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية