التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
243 [ ص: 36 ] حديث أول ليزيد بن الهادي مالك ، عن يزيد بن عبد الله بن الهادي ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة أنه قال : خرجت إلى الطور ، فلقيت كعب الأحبار ، فجلست معه ، فحدثني ، عن التوراة ، وحدثته ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكان ، فيما حدثته أن قلت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة ، وفيه خلق آدم ، وفيه أهبط ، وفيه تيب عليه ، وفيه مات ، وفيه تقوم الساعة ، وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين يصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن ، والإنس ، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم ، وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه .

قال كعب ذلك في كل سنة مرة . فقلت : بل في كل جمعة ، فقرأ كعب التوراة ، فقال : صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال أبو هريرة : فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري ، فقال : من أين أقبلت ؟ فقلت : من الطور ، فقال : لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد إلى المسجد الحرام أو [ ص: 37 ] إلى مسجدي هذا أو إلى مسجد إيليا أو بيت المقدس يشك قال أبو هريرة : ثم لقيت عبد الله بن سلام ، فحدثته بمجلسي مع كعب ، وما حدثته في يوم الجمعة ، فقلت : قال كعب ذلك في كل سنة مرة قال : قال : عبد الله بن سلام كذب كعب ، فقلت : ثم قرأ كعب التوراة ، فقال : بل هي في كل جمعة قال عبد الله بن سلام صدق كعب ثم قال عبد الله بن سلام قد علمت أية ساعة هي ؟ فقال أبو هريرة : أخبرني بها ، ولا تضن علي ، فقال : عبد الله بن سلام هي آخر ساعة في يوم الجمعة ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يصادفها عبد مسلم ، وهو يصلي ، وتلك الساعة لا يصلى فيها ، فقال : عبد الله بن سلام ألم يقل رسول الله من جلس مجلسا ينتظر الصلاة ، فهو في صلاة حتى يصلي ؟ قال أبو هريرة ؟ فقلت : بلى قال : فهو ذلك .


قال أبو عمر : لا أعلم أحدا ساق هذا الحديث أحسن سياقة من مالك ، عن يزيد بن الهادي ، ولا أتم معنى منه فيه إلا أنه قال فيه بصرة بن أبي بصرة ، ولم يتابعه أحد عليه ، وإنما الحديث معروف لأبي هريرة ، فلقيت أبا [ ص: 38 ] بصرة الغفاري كذلك رواه يحيى بن أبي كثير ، عن أبي أسامة ، عن أبي هريرة كذلك رواه سعيد بن المسيب ، وسعيد المقبري ، عن أبي هريرة كلهم يقول فيه ، فلقيت أبا بصرة الغفاري ، ولم يقل واحد منهم ، فلقيت بصرة بن أبي بصرة كما في حديث مالك ، عن يزيد بن الهادي ، وأظن الوهم فيه جاء من قبل مالك أو من قبل يزيد بن الهادي ، - والله أعلم - .

وفيه من الفقه ، والعلم ضروب ، فأما قوله : خرجت إلى الطور ، فقد بان في الحديث أنه لم يخرج ألبتة إلا تبركا به ليصلي فيه ، ولهذا المعنى لا يجب الخروج إلا إلى الثلاثة المساجد المذكورة في هذا الحديث ، وعلى هذا جماعة العلماء ، فيمن نذر الصلاة في هذه الثلاثة المساجد أو في أحدها أنه يلزمه قصدها لذلك ، ومن نذر صلاة في مسجد سواها صلى في موضعه ، ومسجده ، ولا شيء عليه ، ولا يعرف العلماء الثلاثة المساجد المذكورة في هذا الحديث المسجد الحرام ، ومسجد الرسول ، ومسجد بيت المقدس لا يجري عندهم مجراها شيء من المساجد سواها .

وقد روى محمد بن خالد الجندي ، عن المثنى ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : قال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعمل الرحال إلى أربعة مساجد إلى المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى ، وإلى مسجد الجند [ ص: 39 ] قال أبو عمر : هذا حديث منكر لا أصل له ، ومحمد بن خالد الجندي ، والمثنى متروكان ، ولا يثبت من جهة النقل ، والجند باليمن بلد طاوس .

قال أبو عمر : من كانت له حاجة من حوائج دنياه إلى ناحية الطور ، فليس خروجه إلى ذلك من هذا في شيء .

وأما قوله : لقيت كعب الأحبار ، فكعب الأحبار هو كعب بن ماتع ، يكنى أبا إسحاق من آل ذي رعين من حمير ، ذكر الغلابي ، عن ابن معين قال هو كعب بن ماتع من ذي هجر الحميري .

قال أبو عمر : قيل أسلم كعب الأحبار في زمن عمر بن الخطاب ، وقيل : كان إسلامه قبل ذلك ، وهو من كبار التابعين ، وعلمائهم ، وثقاتهم ، وكان من أعلم الناس بأخبار التوراة ، وكان حبرا من أحبار اليهود ثم أسلم ، فحسن إسلامه ، وكان له ، فهم ، ودين ، وكان عمر يرضى عنه ، وربما سأله ، وتوفي في خلافة عثمان سنة أربع وثلاثين قبل أن يقتل عثمان بعام .

وفيه الإباحة في الحديث ، عن التوراة لأهل العلم بها ، وسماع ذلك مباح ممن لا يتهم بالكذب إلا أن الحكم في الحديث ، عن أهل الكتاب ما [ ص: 40 ] قد ذكرناه في آخر كتاب العلم ، فمن تأمل هذا المعنى هناك اكتفى إن شاء الله .

وفيه أن خير الأيام يوم الجمعة ، وهذا على الإطلاق ، والعموم ، وفي ذلك دليل على أن الأيام بعضها أفضل من بعض ، ولكن الفضائل في ذلك لا تعلم إلا بتوقيف ، ولا تدرك بقياس .

وذكر موسى بن معاوية ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن ضمرة ، عن كعب الأحبار قال : الصدقة يوم الجمعة تضاعف .

قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن حصين ، عن هلال بن يساف ، عن كعب الأحبار أنه قال في يوم الجمعة : إنه لتفزع فيه الخلائق كلها إلا الجن ، والإنس ، وإنه لتضعف فيه الحسنة ، وإنه يوم القيامة . وفيه الخبر عن خلق آدم وهبوطه إلى الأرض ، وإنه قد تيب عليه من خطيئته ، وذلك والحمد لله ثابت بنص التنزيل الذي لا يجوز عليه التحريف ، والتبديل ، ولكن ليس في القرآن أن ذلك كان يوم الجمعة .

وفيه دليل على إباحة الحديث عما يأتي ، ويكون ، وهذا من علم الغيب ، فما كان منه ، عن الأنبياء الذين يجوز عليهم إدراك بعضه من جهة الرسالة أو عمن أضاف إلى الله ذلك بخبر كتبه أو رسله ، فذلك جائز ، وقيام الساعة من الغيب الذي لم يطلع عليه أحد على حقيقة ، ونحن ، وإن علمنا أنها تقوم يوم جمعة بهذا الحديث ، فلسنا ندري [ ص: 41 ] أي جمعة هي ؟ وقد سئل رسول الله عن الساعة ، وقيامها ، فقال : ما المسئول عنها بأعلم من السائل ، وقد سأل عنها جبريل ، فقال : نحو ذلك ، وقال الله - عز وجل - ( قل إنما علمها عند ربي ) .

وقد أخبر رسول الله عن شروط ، وعلامات تكون قبلها ، وقد ظهر أكثرها أو كثير منها ، وقال الله - عز وجل - ( لا تأتيكم إلا بغتة ) .

وأما قوله : وما من دابة إلا وهي مصيخة ، فالإصاخة الاستماع ، وهو هاهنا استماع حذر ، وإشفاق ، وخشية الفجأة ، والبغتة ، وأما أصل الكلمة في اللغة ، فالاستماع .

قال أعرابي :


وحديثها كالقطر يسمعه راعي سنين تتابعت جدبا     فأصاخ يرجو أن يكون حيا
ويقول من فرح أيا ربا



وقال آخر :


لم أرم حتى إذا أصاخا     صرخت لو يسمع الصراخا



وقال أمية بن أبي الصلت :


فهم عند رب ينظرون قضاءه     يصيخون بالأسماع للوحي ركد



[ ص: 42 ] وقال غيره يصف ثورا بريا يستمع صوت قانص :


ويصيخ أحيانا كما استمع الـ     مضل لصوت ناشد



والمضل : الذي قد ضل بعيره أو دابته أو شيئه يقال منه : أضل الرجل دابته ، فهو مضل ، وضلت البهيمة ، فهي ضالة ، والناشد : الطالب يقال منه : قد نشدت ضالتي إذا ناديت فيها ، وطلبتها ، ومنه نشدتك الله أي سألتك بالله ، وأما المنشد ، فهو المعرف بالضالة . وقيل : هو الدال عليها ، والمعنى واحد متقارب ، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في لقطة مكة : لا تحل إلا لمنشد .

فمن هنا يقال : أنشدت كما يقال في الشعر أنشدت الشعر ، ومن الأول يقال : نشدت هذا قول جماعة من أهل اللغة .

وفي هذا الحديث دليل على أن الإنس ، والجن لا يعلمون من معنى الساعة ما يعرف غيرهم من الدواب ، وهذا أمر تقصر عنه أفهامنا ، ومن هذا الجنس من العلم لم يؤت الناس منه إلا قليلا .

وأما قوله : وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم ، وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا آتاه الله إياه ، فقد اختلف في تلك الساعة على حسب ما قدمنا ذكره في باب أبي الزناد من هذا الكتاب ، وقول عبد الله بن سلام فيها أثبت شيء إن شاء الله ألا ترى إلى رجوع أبي هريرة إلى قوله ، وسكوته عندما ألزمه من الإدخال ، والمعارضة بأن منتظر الصلاة في صلاة ، وهو قول أبي هريرة ، وكعب ، وقد روي بنحو قول عبد الله بن سلام أحاديث مرفوعة قد ذكرنا بعضها هناك ، ومنها ما [ ص: 43 ] حدثناه خلف بن القاسم قال : حدثنا الحسن بن رشيق قال : حدثنا الصباحي قال : حدثنا يحيى بن أبي طالب حدثنا بكر بن بكار حدثنا محمد بن أبي حميد حدثنا موسى بن وردان ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : التمسوا الساعة التي في يوم الجمعة بعد العصر إلى غروب الشمس .

حدثنا يونس بن عبد الله قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا جعفر بن محمد الفريابي قال : حدثنا أبو كريب قال : حدثنا خالد بن مخلد قال : حدثنا عبد السلام بن حفص ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الساعة التي يتحرى فيها الدعاء يوم الجمعة هي آخر ساعة من الجمعة .

أخبرنا أحمد بن محمد قراءة مني عليه أن أحمد بن الفضل بن العباس حدثهم قال : حدثنا محمد بن جرير قال : حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس ، وأسد بن عمرو ، والمحاربي ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن في يوم الجمعة لساعة يقللها لا يوافقها عبد مسلم ، فيسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه .

فقال عبد الله بن سلام : قد علمت أي ساعة هي آخر ساعات النهار من يوم الجمعة .

قال الله - عز وجل - : ( خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون ) [ ص: 44 ] حدثنا أحمد بن محمد حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا محمد بن جرير قال : حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثنا ابن أبي فديك قال : حدثني ابن أبي ذئب ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مؤمن يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه ، قال : فقدم علينا كعب الأحبار ، فقال له أبو هريرة : ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساعة في يوم الجمعة لا يوافقها مؤمن يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه ، قال كعب صدق ، والذي أكرمه إنها الساعة التي خلق الله فيها آدم والتي تقوم فيها الساعة .

وحدثنا أحمد بن محمد حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا محمد بن جرير حدثني عمرو بن محمد العثماني حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني أخي ، عن سليمان بن بلال ، عن الثقة ، عن صفوان بن سليم ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة بعد العصر إلى غروب الشمس .

قال : وحدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث ، عن الجلاح مولى عمر بن عبد العزيز أن أبا سلمة [ ص: 45 ] حدثه عن جابر ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : في الجمعة اثنتا عشر ساعة منها ساعة لا يوجد فيها عبد مسلم يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه التمسوها آخر ساعة بعد العصر .

قال أبو عمر : الصحيح في هذا ما جاء عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، وأما عن أبي سلمة ، عن أبي سعيد أو جابر - فلا - والله أعلم .

حدثنا أحمد بن محمد حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا محمد بن جبير حدثنا ابن المثنى حدثنا وهب بن جرير حدثنا شعبة ، عن إبراهيم بن ميسرة قال : أخبرني من أرسله عمرو بن أوس إلى أبي هريرة يسأله عن الساعة التي في الجمعة ، فقال : هي بعد العصر ، وشعبة ، عن الحكم ، عن ابن عباس : قوله مثله ، وشعبة ، عن يونس بن حباب ، عن عطاء ، عن أبي هريرة مثله .

وحدثنا أحمد حدثنا محمد حدثنا ابن حميد حدثنا هارون ، عن عبسة ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير ، عن عباس قال : الساعة التي تذكر يوم الجمعة ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس .

وكان سعيد بن جبير إذا صلى العصر يوم الجمعة لم يتكلم إلى غروب الشمس [ ص: 46 ] وذكر موسى بن معاوية ، عن جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، وطاوس ، عن أبي هريرة أنه قال : الساعة التي في الجمعة بعد العصر حتى تغيب الشمس أو بعد الصبح حتى تطلع الشمس قال : فكان طاوس إذا صلى العصر يوم الجمعة لم يكلم أحدا ، ولم يلتفت مشغولا بالدعاء ، والذكر حتى تغيب الشمس .

وذكر سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني إسماعيل بن كثير أن طاوسا أخبره أن الساعة من يوم الجمعة التي تقوم فيها الساعة ، والتي أنزل فيها آدم والتي لا يدعو فيها المسلم بدعوة صالحة إلا استجاب الله له من حين تصفر الشمس إلى حين تغيب .

فهذا ما بلغنا من الأخبار في معنى قول عبد الله بن سلام في ساعة يوم الجمعة ، وذلك أثبت ما قيل في ذلك إن شاء الله .

أما الآثار المخالفة لذلك ، والأقوال ، فقد مضى ذكرها في باب أبي الزناد ، والحمد لله .

وأما قوله : فقال : كعب هي كل سنة مرة ، فقلت : بل في كل جمعة ، ثم قرأ كعب التوراة ، فقال : صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففيه دليل على أن العالم قد يخطئ ، وأنه ربما قال على أكبر ظنه ، فأخطأ ظنه .

وفيه إن سمع الخطأ وجب عليه إنكاره ، ورده على كل من سمعه منه إذا كان عنده في رده أصل صحيح كأصل أبي هريرة في إنكاره على كعب [ ص: 47 ] وفيه أن على العالم إذا رد عليه قوله طلب التثبت فيه ، والوقوف على صحته حيث رجاه من مواضعه حتى تصح له أو يصح قول منكره ، فينصرف إليه .

وفيه دليل على أن الواجب على كل من عرف الحق أن يذعن إليه ، فأما قول أبي هريرة ، فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري إلى آخر قصته معه ، فهكذا في الحديث من رواية مالك بصرة بن أبي بصرة لم يختلف عنه في ذلك ، ولا ، عن يزيد بن الهادي ، وإنما جاء ذلك من يزيد لا من مالك ، فيما أظن ، - والله أعلم - .

وغير يزيد يقول في هذا الحديث : فلقيت أبا بصرة الغفاري ، وأبو بصرة اسمه حميل بن بصرة ، وقد سماه زيد بن أسلم في حديثه هذا .

حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا زكرياء بن يحيى الناقد قال : حدثنا سعيد بن سليمان ، عن محمد بن عبد الرحمن بن مجير قال : حدثنا زيد بن أسلم ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة أنه خرج إلى الطور ليصلي فيه ، ثم أقبل ، فلقي حميلا الغفاري ، فقال : له حميل من أين جئت قال : من الطور قال : أما إني لو لقيتك لم تأته ، قال : لم ؟ قال ; لأني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا تضرب أكباد الإبل إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، ومسجد بيت المقدس .

[ ص: 48 ] وروى القعنبي قال : حدثنا الدراوردي ، عن زيد بن أسلم ، عن المقبري ، عن أبي هريرة أنه خرج إلى الطور يصلي فيه ، ثم أقبل ، فلقيني حميل بن بصرة الغفاري ثم ذكر مثله حرفا بحرف إلى آخره .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال : حدثنا إسماعيل بن علي اللخمي ببغداد قال : حدثنا جعفر بن محمد قال : حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا عثمان بن عمر قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن عبد الله بن سلام قال : بدأ الله خلق الأرض ، فخلق سبع أرضين في يومين : يوم الأحد ، ويوم الاثنين ، وقدر فيها أقواتها في يومين : يوم الثلاثاء ، ويوم الأربعاء ، ثم استوى إلى السماء فخلقهن في يومين : يوم الخميس ، وقضاهن في آخر يوم الجمعة ، وهي الساعة التي خلق الله فيها آدم على عجل ، والساعة التي تقوم فيه الساعة ما خلق الله - عز وجل - من دابة إلا هي تفزع من يوم الجمعة إلا الإنسان ، والشيطان .

وحدثنا عبد الله حدثنا إسماعيل حدثنا محمد بن عثمان قال : حدثنا أبو بلال الأشعري قال : حدثنا الفضيل بن سليمان قال أخبرنا محمد بن زيد قال : حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن قال اجتمع أبو هريرة ، وعبد الله بن سلام ، فذكروا ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الساعات التي ، في [ ص: 49 ] يوم الجمعة ، وذكر أنه قالها ، فقال : عبد الله بن سلام أنا أعلم أية ساعة هي ، بدأ الله - عز وجل - في خلق السماوات ، والأرض يوم الأحد ، وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة ، فهي آخر ساعة من يوم الجمعة ، وفي قول عبد الله بن سلام كذب كعب ( ثم قوله صدق كعب دليل على ما كان القوم عليه من إنكار ما يجب إنكاره ، والإذعان إلى الحق ، والرجوع إليه إذا بان لهم .

ومعنى قوله كذب كعب ) يريد غلط كعب ، وقد تضع العرب أحيانا هذه اللفظة بمعنى الغلط ، وقد فسرنا ذلك بالشاهد عليه في باب ابن شهاب ، عن سالم ، وحمزة ابني عبد الله بن عمرو .

وفي قول عبد الله بن سلام قد علمت أية ساعة هي دليل على أن للعالم أن يقول : أنا أعلم كذا ، وقد علمت كذا ، وأنا أعلم بكذا إذا لم يكن ذلك على سبيل الفخر ، والسمعة ، وفي قول أبي هريرة أخبرني بها ، ولا تضن علي أي لا تبخل علي - دليل على ما كان القوم عليه من الحرص على العلم ، والبحث عنه ، وفي مراجعة أبي هريرة لعبد الله بن سلام حين قال هي آخر ساعة من يوم الجمعة ، واعتراضه عليه بأنها ساعة لا يصلى فيها ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قال : لا يوافقها عبد مسلم ، وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه أدل دليل على إثبات المناظرة ، والمعارضة ، وطلب الحجة ، ومواضع الصواب ، وفي إدخال عبد الله بن سلام عليه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من انتظر صلاة ، فهو في صلاة ، وإذعان أبي هريرة إلى ذلك دليل بين على ما كان القوم [ ص: 50 ] عليه من البصر بالاحتجاج ، والاعتراضات ، والإدخال ، والإلزامات في المناظرة ، وهذا سبيل أهل الفقه أجمع إلا طائفة لا تعد من العلماء أعرقوا في التقليد ، وأزاحوا أنفسهم من المناظرة ، والتفهم ، وسموا المذاكرة مناظرة جهلا منهم بالأصول التي منها ينزع أهل النظر ، وإليها يفزع أولو البصر ، والله المستعان .

حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا محمد بن عبيد قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن عبد الله بن سلام قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : من انتظر الصلاة ، فهو في الصلاة حتى يصلي قال : أنت سمعته ؟ قلت : نعم ، قال : فهو كذلك .

وأخبرنا أحمد بن عبد الله حدثنا الحسن بن إسماعيل حدثنا عبد الملك بن يحيى حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا سنيد حدثنا الحجاج ، عن ابن جريج قال : قال : عطاء ، عن بعض أهل العلم لا أعلمه إلا ابن عباس أنه قال في الساعة المستجاب فيها يوم الجمعة هي بعد العصر ، فقيل له لا صلاة بعد العصر قال : بلى ، ولكن ما كان في مصلاه لم يقم منه فهو في الصلاة

التالي السابق


الخدمات العلمية