التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1317 [ ص: 307 ] حديث سادس لنافع عن ابن عمر .

مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المزابنة ، والمزابنة : بيع الثمر بالتمر كيلا ، وبيع الكرم بالزبيب كيلا .


( قال أبو عمر : ) هكذا روى يحيى ، وجمهور رواة الموطأ هذا الحديث عن مالك إلا ابن بكير فإنه قال فيه : عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المزابنة ، والمحاقلة . فزاد ذكر المحاقلة في هذا الحديث بهذا الإسناد ، ثم ذكر تفسير المزابنة وحدها كما ذكر يحيى ، وغيره ، إلا أنه قال : والمزابنة : بيع الرطب بالثمر كيلا ، والمعنى واحد ; لأن المعنى هو ما دام رطبا في رءوس الأشجار ، فإذا يبس وجذ فهو تمر ، وروى ( هذا الحديث ) [ ص: 308 ] أيوب عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن المزابنة ، ولم يذكر المحاقلة ، وقال : المزابنة : أن يبيع الرجل ثمرته بكيل ; إن زاد فلي ، وإن نقص فعلي ، وهذا تفسير معنى المزابنة كله ، وقد مضى تمهيده في باب داود .

وروى عبد الله بن عمر ( عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) نهى عن بيع التمر بالتمر ، وعن بيع العنب بالزبيب كيلا ، وعن بيع الزرع بالحنطة كيلا .

هكذا ذكره أبو داود عن أبي بكر بن أبي شيبة عن ابن أبي زائدة عن عبيد الله بن عمر ، ورواه يحيى القطان عن عبيد الله قال : أخبرني نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المزابنة ، والمزابنة : اشتراء التمر بالثمر كيلا ، واشتراء الحنطة بالزرع كيلا . حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا [ ص: 309 ] قاسم قال : حدثنا بكر بن حماد : حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى فذكره .

ولا خلاف بين العلماء أن المزابنة ما ذكر في هذه الأحاديث تفسيره عن ابن عمر من قوله ، أو مرفوعا ، وأقل ذلك أن يكون من قوله ، وهو راوي الحديث فيسلم له فكيف ، ولا مخالف في ذلك ، وكذلك كل ما كان في معنى ما جرى ذكره في هذه الأحاديث من الجزاف بالكيل في الجنس الواحد المطعوم أو الرطب باليابس من جنسه .

وكل ما لا يجوز فيه التفاضل لم يجز بيع بعضه ببعضه جزافا بكيل ، ولا جزافا بجزاف لعدم المماثلة المأمور بها في ذلك ، ولمواقعة القمار ، وهو الزبن على ما تقدم شرحه في باب داود بن الحصين ألا ترى أن كل ما ورد الشرع أن لا يباع إلا مثلا بمثل ، إذا بيع منه مجهول بمجهول أو معلوم بمجهول أو رطب بيابس فقد دخل في ذلك التفاضل وجهل المماثلة ، وما جهلت حقيقة المماثلة فيه لم يؤمن فيه التفاضل فدخل في ذلك الربا ; لأن الحديث ورد في مثل ذلك ، أن من زاد أو [ ص: 310 ] ازداد فقد أربى ، وفي ذلك قمار وخطر أيضا ، وهذا كله تقتضيه معنى المزابنة ( فإن وقع البيع في شيء من المزابنة فسخ إن أدرك قبل القبض وبعده ، فإن قبض وفات رجع صاحب الثمرة بمكيلة ثمره على صاحب الرطب ، ورجع صاحب الرطب بقيمة رطبه على صاحب الثمر يوم قبضه بالغا ما بلغ ، وما كان منه قبل قبضه فمصيبته من صاحبه ) .

وأما قوله : الثمر بالتمر فإن الرواية فيه الكلمة الأولى بالثاء المنقوطة بثلاث مع تحريك الميم ، وهو ما في رءوس النخل رطبا فإذا جذ ويبس قيل له تمرا بالتاء المنقوطة باثنتين مع تسكين الميم .

ويدخل في هذا المعنى بيع الرطب باليابس من جنسه ، وبيع الجزاف بالمكيل ، وبيع ما جهل بمعلوم أو مجهول ، فقف على هذه الأصول ، وسيأتي تمهيد معنى بيع الرطب بالتمر ، وما للعلماء في ذلك من المذاهب في باب عبد الله بن يزيد ، عند قوله - صلى الله عليه وسلم - أينقص الرطب إذا يبس ؟ إن شاء الله .

[ ص: 311 ] حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث ( بن سفيان ) قالا : حدثنا قاسم ( بن أصبغ ) قال : حدثنا محمد بن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا محمد بن فضل عن أبيه ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الحنطة بالحنطة ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح يد بيد كيل بكيل وزن بوزن ، فمن زاد شيئا أو استزاد فقد أربى ، إلا ما اختلفت أنواعه .

قال أبو عمر : هذا أصل هذا الباب ، وهو يقتضي المماثلة في الجنس الواحد ، ويحرم الازدياد فيه ، وأما النسيئة في بيع الطعام بالطعام جملة ، فذلك غير جائز عند جمهور العلماء ; لقوله عليه السلام : البر بالبر ربا إلا ها ، وها ، فالجنس الواحد من المأكولات يدخله الربا من وجهين : الزيادة والنسيئة ، والجنسان يدخلهما الربا من وجه واحد ، وهو النسيئة . وقد أوضحنا هذا الأصل في مواضع من كتابنا هذا ، والحمد لله .

حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث قالا : حدثنا قاسم قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا أبو ثابت قال : حدثنا عبد الله بن وهب قال : أخبرني يونس بن يزيد عن [ ص: 312 ] ابن شهاب قال : حدثني ابن المسيب ، وأبو سلمة أن أبا هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تبايعوا التمر بالتمر . قال ابن شهاب : وحدثني سالم عن ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله .

وروى ابن وهب أيضا في موطئه قال : أخبرني ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم كيلها ، بالكيل المسمى من التمر، وروى سعد بن أبي وقاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن بيع التمر بالرطب نسيئة ويدا بيد ، وهذه الأحاديث كلها تفسير للمزابنة . وفي معناها ، وهي أصل وسنة مجتمع عليها ( والحمد لله ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية