التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
21 [ ص: 115 ] حديث حاد وعشرون لنافع عن ابن عمر

مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله .


هذا حديث صحيح بإسناده هذا لم يختلف فيه على مالك . وكذلك رواه أيوب وعبيد الله ( بن عمر ) ، عن نافع ، عن ابن عمر حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا بكر بن حماد ، قال حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن عبيد الله ، قال حدثني نافع ، عن عبد الله بن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله . [ ص: 116 ] وحدثنا عبد الوارث ، ويعيش بن سعيد ، قالا حدثنا قاسم ، وحدثنا أحمد بن محمد البرتي ، حدثنا أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، وأحمد بن قاسم ، قالا حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، حدثنا داود بن نوح ، حدثنا حماد ، قالا جميعا حدثنا أيوب ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إن الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله .

وهو عند ابن شهاب ، عن سالم ، عن ابن عمر ، رواه عن ابن شهاب جماعة من أصحابه منهم : ابن عيينة ، ومحمد بن ( أبي ) عتيق ، وإبراهيم بن سعد ، حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا جعفر بن محمد الصائغ ، حدثنا سليمان بن داود الهاشمي ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله . [ ص: 117 ] ورواه سعيد بن إبراهيم ، عن الزهري ، عن ابن عمر مرفوعا ، بغير اللفظ : حدثنا سعيد بن عثمان ، حدثنا أحمد بن دحيم ، حدثنا محمد بن الحسين بن زيد أبو جعفر ، حدثنا محمد بن عمرو ، حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا ابن المبارك ، حدثنا شعبة ، عن سعيد بن إبراهيم ، عن الزهري ، عن ابن عمر ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الرجل ليدرك الصلاة وما فاته منها خير من أهله وماله . وسنذكر هذا المعنى في باب يحيى بن سعيد - إن شاء الله .

وعند ابن شهاب أيضا في هذا الحديث إسناد آخر ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن نوفل بن معاوية الدئلي ; رواه عنه مالك وغيره ، إلا أنه محفوظ من ابن أبي ذئب ، عن الزهري ; وغير محفوظ ، عن مالك إلا من حيث خلف بن سالم ، عن معن ، عن مالك ; قال أبو عبد الرحمن النسائي : أخاف أن لا يكون محفوظا من حديث مالك ، ولعله أن يكون معن ، عن ابن أبي ذئب . [ ص: 118 ] فأما حديث مالك ، عن ابن شهاب في ذلك فقرأته على أحمد بن فتح بن عبد الله ، أن حمزة بن محمد حدثهم ، قال : حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار ، قال حدثنا خلف بن سالم المخزومي ، قال حدثنا معن بن عيسى ، عن مالك ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، عن نوفل بن معاوية الدئلي ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله . وخالفه ابن أبي ذئب في هذا الإسناد فجعله ، عن الزهري ، عن أبي سلمة فيما روينا من حديث أسد ، حدثناه خلف بن القاسم - قراءة مني عليه ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن المسور ، قال حدثنا مقدام بن داود ، قال حدثنا أسد بن موسى ، قال حدثنا ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن نوفل بن معاوية قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من فاتته صلاة فكأنما وتر أهله وماله .

هكذا قال صلاة فيما كتبنا عنه وقرأنا عليه ، وذكر أبي سلمة بن عبد الرحمن في هذا الحديث خطأ من قائله ، وإنما هو أبو بكر بن عبد الرحمن ، وليس ذلك من ابن أبي ذئب ، وإنما الخطأ فيه من أسد ، أو ممن دون أسدا ; وأما من ابن أبي ذئب فلا ، حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، قال حدثنا [ ص: 119 ] يحيى بن أبي بكير ، قال حدثنا ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن نوفل بن معاوية الدئلي ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من فاتته الصلاة فكأنما وتر أهله وماله . قلت ما هذه الصلاة قال صلاة العصر قال : وسمعت ابن عمر يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إن الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله . هكذا في هذا الحديث بهذا الإسناد ، وسمعت ابن عمر فإن صح هذا فالحديث لابن شهاب ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن نوفل بن معاوية ، وابن عمر جميعا ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن سالم أيضا ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومما يصحح ذلك أن محمد بن إسحاق روى هذا الحديث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عراك بن مالك الغفاري قال : سمعت نوفل بن معاوية الدئلي ، وهو جالس مع عبد الله بن عمر بسوق المدينة يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : صلاة من فاتته فكأنما وتر أهله وماله . فقال عبد الله بن عمر : قال رسول الله : هي العصر ذكره الطحاوي في فوائده ، عن علي بن معبد ، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن ابن إسحاق . [ ص: 120 ] وحدثنا عبد الوارث ، قال حدثنا قاسم ، قال حدثنا أحمد بن زهير ، قال حدثنا أبي ، قال حدثنا أبو عامر ، ويحيى بن أبي بكير قالا ، حدثنا ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن نوفل بن معاوية ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله . وهذا يدلك على أن قوله في حديث نوفل الدئلي : من فاتته الصلاة أراد صلاة العصر فيكون معناه ، ومعنى حديث ابن عمر سواء وتكون صلاة العصر مخصوصة بالذكر في ذلك . غيرها بالمعنى ; وقد ذهب قوم من أهل العلم - إلى أن حديثنوفل بن معاوية أعم وأولى بصحيح المعنى من حديث ابن عمر ; وقالوا فيه : قوله من فاتته الصلاة - وقد فاتته صلاة - يريد كل صلاة ، لأن حرمة الصلوات كلها سواء ; قال : وتخصيص ابن عمر لصلاة العصر ، هو كلام خرج على جواب السائل ; كأنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أجاب من سأله عن صلاة العصر ، بأن قال له : الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله ; ولو سئل عن الصبح وغيرها كان كذلك جوابه أيضا - والله أعلم - بدليل حديث نوفل بن معاوية الذي تفوته الصلاة أو تفوته صلاة ، فكأنما وتر أهله وماله .

حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير [ ص: 121 ] ، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال حدثنا ابن أبي فديك ، قال حدثنا ابن أبي ذئب ، عن ابن شهاب ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، عن نوفل بن معاوية الدئلي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فاتته الصلاة فكأنما وتر أهله وماله

وفي هذا الحديث تعظيم لعمل الصلاة في وقتها وهي خير أعمالنا كما قال - صلى الله عليه وسلم : واعملوا إن خير أعمالكم الصلاة وقد سئل - صلى الله عليه وسلم - ، عن أي الأعمال أحب إلى الله فقال : الصلاة في وقتها ، وروي في أول وقتها وفيه تحقير للدنيا ، وإن قليل عمل البر خير من كثير من الدنيا ; فالعاقل العالم بمقدار هذا الخطاب ، يحزن على فوات صلاة العصر إن لم يدرك منها ركعة قبل غروب الشمس ، أو قبل اصفرارها ، فوق حزنه على ذهاب أهله وماله . وما توفيقي إلا بالله .

وقد ذكرنا ما للعلماء في آخر وقت العصر من الأقوال والاعتلال في باب زيد بن أسلم من كتابنا هذا ، فلا وجه لإعادته هاهنا ; وحكم صلاة الصبح وسائر الصلوات في فواتها كذلك - إن شاء الله ، وقد يحتمل أن يكون هذا الحديث خرج [ ص: 122 ] على جواب السائل عمن تفوته صلاة العصر ، فلا يكون غيرها بخلاف حكمها في ذلك ويحتمل أن يكون خصت بالذكر ، لأن الإثم في تضييعها أعظم والتأويل الأول أولى - والله أعلم .

وقد احتج بهذا الحديث من ذهب إلى أن الصلاة الوسطى صلاة العصر ، فقال خصها رسولالله بالذكر من أجل أن الله خصها بقوله : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) فجمعها في قوله الصلوات ثم خصها بالذكر تعظيما لها ، كما قال عز وجل : ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ) فعم النبيين ثم قال : ( ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ) فخص هؤلاء تعظيما لهم وهم أولو العزم من الرسل ، وقد اختلف العلماء من الصحابة والتابعين ، وسائر علماء المسلمين في الصلاة الوسطى على حسب ما قد بيناه في باب زيد بن أسلم من كتابنا هذا ، فلا وجه لإعادته هاهنا ; وأما قوله في هذا الحديث فكأنما وتر أهله وماله ، فمعناه عند أهل العلم فكأنما أذيب بأهله وماله ، وكأنما ذهب أهله وماله ; والمعنى في ذلك ذهاب الأجر والثواب ، لأن الأهل والمال [ ص: 123 ] باقيان ، لكن ذهاب الأجر على ذي العقل والدين ، كذهاب الأهل والمال .

وأما أصل الكلمة من اللغة ، فإنها مأخوذة من الوتر والترة ; وهو أن يجني الرجل على الآخر جناية في دم أو مال ، فيطلبه به حتى يأخذ منه ذلك المال أو مثله ; ومثل ذلك الدم وقلما يكون ذلك إلا أكثر من الجناية الأولى ، فيذهب المال ويجحف به وبالأهل ; وقد يسمى كل واحد منهما موتورا لذهاب ماله وأهله قال الأعشى :

علقم ما أنت إلى عامر الناقض الأوتار والواتر

، وقال أعرابي :

كأنما الذئب إذ يعدو على غنمي     في الصبح طالب وتر كان فاتأرا

، وقال منقذ الهلالي

وكذاك يفعل في تصرفه     والدهر ليس يناله وتر

[ ص: 124 ] وإنما قال - والله أعلم - في هذا الحديث فكأنما وتر أهله ، ولم يقل مات أهله ; لأن الموتور يجتمع عليه همان : هم ذهاب أهله ، وهم الطلب بثأره ووتره ; فالذي تفوته صلاة العصر فمصيبته لو حصل وفهم ، كمصيبة هذا - والله أعلم - وقد جاء ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذي تفوته صلاة العصر ، حديث أشد من هذا في ظاهره ; وليس على ظاهره والمعنى فيه عند أهل السنة ، كالمعنى في هذا سواء ، حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال حدثنا محمد بن وضاح ، قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال حدثنا يزيد بن هارون ، وحدثنا عبد الوارث ، قال حدثنا قاسم ، قال حدثنا بكر بن حماد ، قال حدثنا مسدد ، قال حدثنا يحيى ، قالا جميعا أخبرنا هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، قال حدثني يحيى بن أبي كثير ، عن أبي قلابة ، وقال حدثني أبو المليح ، قال كنا مع يزيد في سفر في يوم غيم فقال : بكروا بالعصر ، وقال يحيى : بالصلاة فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله . وقال يزيد : من فاتته صلاة العصر حبط عمله [ ص: 125 ] ورواه الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهاجر ، عن بريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكره ابن أبي شيبة ، عن وكيع وعيسى بن يونس جميعا ، عن الأوزاعي .

قال أبو عمر : معنى قوله في هذا الحديث ، حبط عمله أي ; حبط عمله فيها ، فلم يحصل على أجر من صلاها في وقتها - يعني أنه إذا عملها بعد خروج وقتها ، فقد أجر عملها في وقتها وفضله - والله أعلم ; لا أنه حبط عمله جملة في سائر الصلوات ، وسائر أعمال البر ، أعوذ بالله من مثل هذا التأويل فإنه مذهب الخوارج ، وإنما يحبط الأعمال الكفر بالله وحده ; قال الله عز وجل : ( ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله ) وفي هذا النص دليل واضح أن من لم يكفر بالإيمان لم يحبط عمله .

وقد اختلف في تأويل قوله فقد حبط عمله بما قد ذكرناه في كتاب المرتد ، ورواية من روى في هذا الحديث ترك صلاة العصر ، أولى من رواية من روى فاتته ، وقد يكون المعنى فاتته تركه لها فحبط عمله فيها ، فلا يكون في ذلك تناقض ، ولا [ ص: 126 ] يسمى الناسي لها ، والنائم عنها ، والمحبوس عن القيام إليها تاركا ، لها لأن الفاعل من فعل الترك ، واختاره بقصد منه إليه واردة له ; وليس كذلك من وصفنا حاله من الناسي ، والنائم ، والمغلوب ، وقد ذكرنا أحكام تارك الصلاة عامدا ، وما للعلماء في ذلك من المذاهب ، في باب زيد بن أسلم والحمد لله . ومن ترك صلاة العصر أو غيرها جحودا بها ، فهو كافر قد حبط عمله عند الجميع وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية