صفحة جزء
3814 - وعن أبي موسى رضي الله عنه ، قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : الرجل يقاتل للمغنم ، والرجل يقاتل للذكر ، والرجل يقاتل ليرى مكانه ، فمن في سبيل الله ؟ قال : " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " . متفق عليه .


3814 - ( وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال ) : أي : ذلك الرجل ( الرجل ) : أي : جنس الرجل بمعنى الشخص ( يقاتل للمغنم ، والرجل ) : أي : الآخر ( يقاتل للذكر ) : أي : للصيت والشهرة والرياء والسمعة . في النهاية : أي : ليذكر بين الناس ويوصف بالشجاعة والذكر والشرف والفخر والصيت ( والرجل ) : أي : الآخر ( يقتل ليرى ) : بصيغة المجهول ; أي : ليعلم ، أو يبصر بين الناس ( مكانه ) : بالرفع ; أي مرتبته في الشجاعة ، وفي نسخة بصيغة المعلوم من الإراءة ونصب ( مكانه ) . قال الأشرف : هو من باب الأفعال فإن قرئ معلوما ففاعله ضمير الرجل والمفعول الثاني محذوف ; أي : يقاتل ذلك الرجل ليرى هو مكانه ; أي : منزلته ومكانته من الشجاعة الناس ، فالفرق على هذا بين قوله : يقاتل للذكر ، وبين هذا أن الأول سمعة ، والثاني رياء ; أي : من الغزاة من سمع ومنهم من راءى . وإن قرئ مجهولا ، فالذي أقيم مقام الفاعل ضمير الرجل ومكانه نصب على أنه المفعول الثاني ; أي : قاتل ذلك ليبصر هو منزلته من الجنة ، وتحقيقه أنه قاتل للجنة لا لإعلاء [ ص: 2471 ] كلمة الله ونصرة دينه . وقال المظهر ; أي : ليرى منزلته من الجنة ; أي : ليحصل له الجنة ويؤيده قوله : ( فمن في سبيل الله ؟ قال : من قاتل لتكون كلمة الله ) : أي : كلمة التوحيد وهي لا إله إلا الله ( هي العليا فهو في سبيل الله ) ; أي : لا غير ، لكن الظاهر أن إرادة الجنة غير مزاحمة إرادة كون كلمة الله هي العليا ، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم - : " قوموا إلى الجنة " كما سبق ، فالمراد بهما واحد والمآل متحد . وقال الطيبي ، قوله : فالذي أقيم مقام الفاعل ضمير الرجل ومكانه نصب على المفعول الثاني غير صحيح ، بل المفعول الثاني أقيم مقام الفاعل ، وكذا في نسخة صحيحة للبخاري وجامع الأصول مضبوط بالرفع ; أي : ليرى الناس منزلته في سبيل الله . قلت : مبنى كلام الأشرف على نصب مكانه لا على رفعه . فقوله غير صحيح غير صحيح قال : وأيضا لا فرق بين السمعة والرياء . المغرب : يقال فعل ذلك سمعة ليريه الناس من غير أن يكون قصد به التحقيق ، وسمع بكذا أشهره ، تسميعا ، ومنه الحديث : " من سمع الناس بعمله سمع الله به أسامع خلقه وحقره وصغره ونوه الله لريائه وبلائه أسماع خلقه فيفتضح " قلت : كلام الأشرف مبني على التحقيق الأصلي ، والتدقيق اللغوي ، فإنه لا شك أن الرياء مأخوذ من الرؤية ، كما أن السمع هو ما أخذ السمعة ، نعم ، اتسع فيهما فتطلق إحداها على الأخرى وقد يجمع بينهما على الأصل فيقال : رياء وسمعة . قال : ولعل الأظهر أن يراد بالذكر الصيت والسمعة وبالرؤية علم الله ، ونحوه قوله تعالى ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) يعني المجاهدين منكم للغنيمة والذكر ، والمجاهد الصابر الذي يستفرغ جهده في سبيل الله .

قلت : هو غير ظاهر فضلا أن يكون أظهر . قال : ويجوز أن يراد بالرؤية المؤمنون في القيامة منزلته عند الله تعالى كما سيجيء في الفصل الثالث في حديث فضالة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الشهداء أربعة : رجل جيد الإيمان لقي العدو فصدق الله حتى قتل ، فذلك الذي يرفع الناس إليه أعينهم يوم القيامة " هكذا الحديث . فيكون قد سأل الرجل عن أحوال المجاهدين بأسرها ومقاتلتهم ، إما للغنيمة ، أو للذكر والصيت والفخر رياء ، أو ليحمده الله تعالى ، فكنى - صلى الله عليه وسلم - بقوله عن الثالث : " من قتل لتكون كلمة الله هي العليا " إحمادا عليه وشكرا لصنيعه وإلا كان يكفيه في الجواب أن يقول : من يقاتل ليرى مكانه .

قلت : ووجه العدول أن هذا مبهم غير دال على المقصود صريحا ، أو صحيحا . قال : والمكان هاهنا بمنزلته في قوله تعالى : ( اعملوا على مكانتكم ) الكشاف : المكانة تكون مصدرا يقال : مكن مكانة إذا تمكن أبلغ التمكن ، بمعنى المكان يقال مكان ومكانة ومقام ومقامة ; أي : اعملوا على تمكنكم من أمركم وأقصى استطاعتكم وإمكانكم ، أو اعملوا على جهتكم وحالكم التي أنتم عليها وكلمة الله عبارة عن دين الحق ; لأن الله تعالى دعا إليه وأمر الناس بالاعتصام به كما قيل لعيسى : ( كلمة الله ) وهي فصل والخبر العليا فأفاد الاختصاص ; أي : لم يقاتل لغرض من الأغراض إلا لإظهار الدين ، والله أعلم . ( متفق عليه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية