صفحة جزء
باب الفيء

الفصل الأول

4055 - عن مالك بن أوس بن الحدثان رضي الله عنه ، قال : قال عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه : إن الله قد خص رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدا غيره . ثم قرأ ( وما أفاء الله على رسوله منهم ) إلى قوله ( قدير ) فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله . متفق عليه .


باب الفيء

في المغرب : الفيء ما نيل من الكفار بعد ما تضع الحرب أوزارها ، وتصير الدار دار الإسلام وحكمه أن يكون لكافة المسلمين ولا يخمس ، وفي المفاتيح الفيء المال الذي يؤخذ من الكفار بلا قتال ، أربعة أخماسه للنبي صلى الله عليه وسلم في حياته خاصة ينفق منها على من شاء من عياله ويجهز الجيش ويطعم الأضياف ومن جاءه [ ص: 2634 ] برسالة ، أو حاجة ويقسم الخمس منه على خمسة أسهم قال ابن الهمام : ما أوجف المسلمون عليه من أموال الحرب بغير قتال يصرف في مصالح المسلمين كما يصرف الخراج ، وكذا الجزية من عمارة القناطر والجسور وسد الثغور وكرى الأنهار العظام التي لا ملك لأحد فيها كسيحون وجيحون والفرات ودجلة وإلى أرزاق القضاة والمحتسبين والمعلمين والمقاتلة وحفظ الطريق من اللصوص ، فلا يختص به ولا بشيء منه أحد قالوا : وهي مثل الأراضي التي أجلوا أهلها عنها والجزية ولا خمس في ذلك ، ومذهب الشافعي أن كل مال أخذ من الكفار بلا قتال عن خوف ، أو أخذ منهم للكف عنهم يخمس ، وما أخذ منهم من غير خوف كالجزية وعشر التجارة ومال من مات ولا وارث له ففي القديم لا يخمس وهو قول مالك ، وفي الحديث يخمس ، ولأحمد في الفيء روايتان الظاهر منها لا يخمس هذا الخمس بل عند الشافعي يصرف إلى من لا يصرف إليه خمس الغنيمة عنده على ما مر ، وذكروا أن قوله في الجزية مخالف للإجماع . قال الكرخي : ما قال به أحد قبله ولا بعده ولا في عصره ، وجه قوله القياس على الغنيمة بجامع أنه مال مأخوذ من الكفار عن قوة من المسلمين ، واستدل صاحب الهداية بعمله عليه السلام فإنه أخذ الجزية من مجوس هجر ونصارى نجران وفرض الجزية على أهل اليمن على كل حالم دينارا ولم ينقل قط من ذلك أنه خمسه ، بل كان بين جماعة المسلمين ولو كان لنقل ولو بطريق ضعيف على ما قضت به العادة ، ومخالفة ما قضت به العادة باطل فوقوعه باطل ، بل وقد ورد فيه خلافه وإن كان فيه ضعف أخرجه أبو داود ، عن ابن العدي بن العدي الكندي ، أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى من سأله عن مواضع الفيء أنه ما حكم به عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فرآه المؤمنون عدلا موافقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم جعل الله الحق على لسان عمر وقلبه ، فرض الأعطية وعقد لأهل الأديان ذمة بما فرض عليهم من الجزية لم يضرب فيها بخمس ولا مغنم .

الفصل الأول

4055 - ( عن مالك بن أوس بن الحدثان رضي الله عنه ) : بفتح الحاء والدال المهملتين وبالثاء المثلثة قاله ابن الأثير ، وكذا ذكره المؤلف وقال هو بصري ، واختلف في صحبته قال ابن عبد البر : والأكثر على إثباتها وقال ابن منده : لا تثبت ، وروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم قليلة ، وأما روايته عن الصحابة فكثيرة روى عن العشرة ، وأكثر عن عمر بن الخطاب ، روى عنه جماعة منهم : الزهري وعكرمة مات سنة اثنتين وتسعين ( قال : قال عمر رضي الله عنه إن الله قد خص رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الفيء ) قال الطيبي : إشارة إلى قوله تعالى ( فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ) ( بشيء لم يعطه أحدا غيره ) قال شارح من علمائنا : الضمير المفعول في لم يعطه يرجع إلى شيء ، وهو عبارة عما اختص به من الفيء ، وهو أحد وعشرون سهما من خمسة وعشرين سهما اهـ . وهو غريب حيث خالف مذهبه على ما سبق ، مع أنه لا دلالة في الحديث على الاختصاص المذكور ، بل خص بعموم الفيء بأنه يفعل فيه ويتصرف كيف يشاء من غير تخميس وتقسيم للغانمين ، كما علم من فعله صلى الله عليه وسلم وعمل أصحابه بعده ( ثم قرأ ) أي : عمر رضي الله عنه ( ما أفاء الله ) وفي نسخة بالواو وهو ثابت في القرآن ( على رسوله ) أي : ما جعله فيئا له خالصة وأنعم به عليه خاصة ( منهم ) أي : من أموال بني النضير من أموال الكفار إلى قوله : ( قدير ) هذا اختصار من أحد الرواة وتمامه مشروحا هذا فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب من الوجيف وهو سرعة السير أي : ما أسرعتم ، وما نافية ، والمعنى فلم يكن ذلك بإيجاف خيل ولا ركاب منكم على ذلك ، والركاب : الإبل وحاصله فما أجريتم على تحصيله وتغنيمه [ ص: 2635 ] خيلا ولا ركابا ولا تعبتم في القتال عليه ، وإنما مشيتم إليه على أرجلكم ; لأنه على ميلين من المدينة وكان عليه السلام على حمار فحسب ، ولكن الله يسلط رسله على من يشاء أي : يقذف الرعب في قلوبكم ، والمعنى أن ما خول الله رسوله من أموال بني النضير شيء لم تحصلوه بالقتال والغلبة ، ولكن الله سلطه عليهم وعلى ما في أيديهم ، كما كان يسلط رسله على أعدائهم ، فالأمر مفوض إليه يضعه حيث يشاء ولا يقسمه قسمة الغنائم التي قوتل عليها وأخذت عنوة وقهرا ، فقسمها بين المهاجرين ولم يعط الأنصار شيئا إلا ثلاثة منهم لفقرهم ذكره في المدارك وغيره والله على كل شيء قدير ، فيفعل ما يريد تارة بالوسائط الظاهرة ، وتارة بمجرد القدرة الباهرة ، ومرة يحكم عاما وأخرى خاصا على ما اقتضته الحكمة وتعلقت به المشيئة . قال الطيبي : والآية على هذا مجملة بينتها الآية الثانية وهى ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ) والصحيح أن الآية الأولى نزلت في أموال بني النضير ، وقد جعلها لرسوله صلى الله عليه وسلم خاصة ، وهذه الآية في غنائم كل قرية تؤخذ بقوة الغزاة ، وفي الآية بيان مصرف خمسها فهي مبتدأ لا بيانية ( فكانت هذه ) أي : الأموال الحاصلة من الفيء ( خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي : ليس للأئمة بعده أن يتصرفوا فيها تصرفا بل عليهم أن يضعوها في فقراء المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ، وفيما يجري مجرى ذلك من مصالح المسلمين كذا ذكره بعض علمائنا من الشراح ( ينفق ) ( سنتهم ) : قال السيوطي : لا يعارضه خبر أنه كان لا يدخر شيئا لغد ; لأن الادخار لنفسه وهذا لغيره وقال النووي : في جواز ادخار قوت سنة وهذا لا يقدح في التوكل ، وأجمع العلماء على جواز الادخار فيما يحصل من قريته وأما إذا أراد أن يشتري من السوق ويدخر لعياله ، فإن كان في وقت ضيق الطعام لم يجز بل يشتري قوت أيام ، أو أشهر اهـ .

والظاهر أنه يجوز له أن يشتري قدر كفايته إلى حصول الزرع قياسا على الادخار سنة ( من هذا المال ) قال الطيبي قوله : فكانت هذه المشار إليه الفيء باعتبار الأقسام المذكورة ، وإنما كرر قوله من هذا المال لبيان أن نفقته كانت منه فقوله : ينفق على أهله استئناف بيانا للكلام الأول تفصيلا للإجمال ، كما في الآية ( ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله ) أي : يصرفه في مصالح المسلمين من السلاح والخيل وغيرهما . قال ابن الملك أي : يقسم منه على خمسة أسهم : سهم له صلى الله عليه وسلم وسهم لأقربائه من بني هاشم وبني المطلب ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لابن السبيل . وهو مع كونه لا يستفاد من الحديث مخالف لمذهبه ، وإنما تبع النووي حيث قال في شرح مسلم مذهب الشافعي أن النبي كان له في الفيء أربعة أخماس وخمس خمس الباقي ، وكان له أحد وعشرون سهما من خمسة وعشرين والأربعة الباقية لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، وفي المعالم : اختلف أهل العلم في مصرف الفيء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قوم : هو للأئمة بعده وللشافعي فيه قولان أحدهما هو للمقاتلة والثاني لمصالح المسلمين ويبدأ بالمقاتلة ، ثم بالأهم فالأهم من المصالح ، واختلفوا في تخميس مال الفيء ، فذهب بعضهم إلى أنه يخمس فخمسه لأهل خمس الغنيمة وأربع أخماسه للمقاتلة ، أو للمصالح وذهب الأكثرون لا يخمس ، بل مصرف جميعه واحد ولجميع المسلمين فيه حق . قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ) حتى بلغ ( للفقراء والمهاجرين الذين جاءوا من بعدهم ) ، ثم قال : هذه استوعبت المسلمين عامة وقال : ما على وجه الأرض مسلم إلا له في هذا الفيء حق إلا ما ملكت أيمانكم ( متفق عليه ) .

وفي المعالم : أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل يعني : البخاري رحمه الله تعالى حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب عن الزهري ، أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان البصري ، أن عمر بن الخطاب دعاه إذ جاء حاجبه يرفأ فقال : هل لك في عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد يستأذنون ؟ قال نعم ، فأدخلهم فلبث قليلا ، ثم جاء فقال هل لك في علي وعباس يستأذنان ؟ قال : نعم فلما دخلا قال عباس : يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا وما يختصمان في الفيء مما أفاء الله على رسوله من بني النضير فقال الرهط : يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر . قال اهدءوا أنشدكم بالله . [ ص: 2636 ] الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا نورث ما تركنا صدقة " يريد بذلك نفسه . قالوا : قد قال ذلك ، فأقبل عمر على علي وابن عباس رضي الله عنهما فقال : أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك ؟ قالا : نعم قال فإني أحدثكم عن هذا الأمر إن الله قد خص رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدا غيره فقال ، ( وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ) إلى قوله : ( قدير ) فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم والله ما اختارها دونكم ، ولا استأثر بها عليكم ، فقد أعطاكموها وقسمها فيكم حتى بقي هذا المال منها فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله فعمل بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حياته ، ثم توفي النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر : فأنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضه فعمل فيه بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم حينئذ ، وأقبل على علي وعباس وقال : تذكران أن أبا بكر فيه كما تقولان ، والله يعلم إني فيه لصادق بار راشد تابع للحق ، ثم توفى الله أبا بكر رضي الله عنه فقلت : أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فقبضته سنتين من إمارتي أعمل فيه بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، والله يعلم أني صادق بار راد تابع للحق ، ثم جئتماني كلاكما وكلمتكما واحدة ، وأمركما جميع ، فقلت لكما بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا نورث ما تركنا صدقة " فما بدا لي أن أدفعه إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيه بما عمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وما عملت فيه منذ وليت وإلا فلا تكلماني . فقلتما : ادفعه إلينا بذلك ، فدفعته إليكما أفتلتمسان مني أن أقضي غير ذلك ، فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيه بقضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة ، فإن عجزتما عنه فادفعاه إلي ، وإني أكفيكما . ( متفق عليه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية