إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
104 - الحديث الأول : عن أنس بن مالك رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما : كانوا يستفتحون الصلاة ب { الحمد لله رب العالمين } } . وفي رواية " صليت مع أبي بكر وعمر وعثمان ، فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم " . ولمسلم { صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون ب الحمد لله رب العالمين ، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها } .


أما قوله { كانوا يستفتحون الصلاة ب الحمد لله رب العالمين } فقد تقدم [ ص: 272 ] الكلام في مثله وتأويل من تأول ذلك بأنه كان يبتدئ بالفاتحة قبل السورة . وأما بقية الحديث فيستدل به من يرى عدم الجهر بالبسملة في الصلاة . والعلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب :

أحدها : تركها سرا وجهرا . وهو مذهب مالك .

الثاني : قراءتها سرا لا جهرا وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد .

الثالث : الجهر بها في الجهرية . وهو مذهب الشافعي .

والمتيقن من هذا الحديث : عدم الجهر . وأما الترك أصلا : فمحتمل ، مع ظهور ذلك في بعض الألفاظ . وهو قوله " لا يذكرون " . وقد جمع جماعة من الحفاظ باب الجهر ، وهو أحد الأبواب التي يجمعها أهل الحديث ، وكثير منها - أو الأكثر - معتل ، وبعضها جيد الإسناد إلا أنه غير مصرح فيه بالقراءة في الفرض ، أو في الصلاة . وبعضها فيه ما يدل على القراءة في الصلاة إلا أنه ليس بصريح الدلالة على خصوص التسمية . ومن صحيحها : حديث نعيم بن عبد الله المجمر قال { كنت وراء أبي هريرة . فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قرأ بأم القرآن ، حتى بلغ ولا الضالين قال : آمين . وقال الناس : آمين ، ويقول كلما سجد : الله أكبر ، وإذا قام من الجلوس قال : الله أكبر ويقول إذا سلم : والذي نفسي بيده ، إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم } . وقريب من هذا في الدلالة والصحة : حديث المعتمر بن سليمان { وكان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، قبل فاتحة الكتاب وبعدها ، ويقول : ما آلو أن أقتدي بصلاة أبي . وقال أبي : ما آلو أن أقتدي بصلاة أنس . وقال أنس : ما آلو أن أقتدي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم } وذكر الحاكم أبو عبد الله : أن رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات . وإذا ثبت شيء من ذلك فطريق أصحاب الجهر : أنهم يقدمون الإثبات على النفي ويحملون حديث أنس على عدم السماع . وفي ذلك بعد ، مع طول مدة صحبته . وأيد المالكية ترك التسمية بالعمل المتصل من أهل المدينة . والمتيقن من ذلك - كما ذكرناه في الحديث الأول - ترك الجهر ، إلا أن يدل دليل صريح على الترك مطلقا .

التالي السابق


الخدمات العلمية