1. الرئيسية
  2. جامع العلوم والحكم
  3. الحديث الخامس والعشرون إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة
صفحة جزء
[ ص: 56 ] الحديث الخامس والعشرون . عن أبي ذر رضي الله عنه أيضا أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور ، يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون بفضول أموالهم ، قال : أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون ؟ إن بكل تسبيحة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن منكر صدقة ، وفي بضع أحدكم صدقة قالوا : يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : أرأيتم لو وضعها في حرام ، أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر . رواه مسلم .
هذا الحديث خرجه مسلم من رواية يحيى بن يعمر ، عن أبي الأسود الديلي ، عن أبي ذر رضي الله عنه ، وقد روي معناه عن أبي ذر من وجوه كثيرة بزيادة ونقصان ، وسنذكر بعضها فيما بعد إن شاء الله تعالى . وفي هذا الحديث دليل على أن الصحابة رضي الله عنهم لشدة حرصهم على الأعمال الصالحة ، وقوة رغبتهم في الخير كانوا يحزنون على ما يتعذر عليهم فعله من الخير مما يقدر عليه غيرهم ، فكان الفقراء يحزنون على فوات الصدقة بالأموال التي يقدر عليها الأغنياء ، ويحزنون على التخلف عن الخروج [ ص: 57 ] في الجهاد ، لعدم القدرة على آلته ، وقد أخبر الله عنهم بذلك في كتابه ، فقال : ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون [ التوبة : 92 ] . وفي هذا الحديث : أن الفقراء غبطوا أهل الدثور - والدثور : هي الأموال - مما يحصل لهم من أجر الصدقة بأموالهم ، فدلهم النبي صلى الله عليه وسلم على صدقات يقدرون عليها . وفي " الصحيحين " عن أبي صالح ، عن أبي هريرة أن فقراء المهاجرين أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم ، فقال : " وما ذاك ؟ " قالوا : يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون ولا نتصدق ، ويعتقون ولا نعتق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفلا أعلمكم شيئا تدركون به من قد سبقكم ، وتسبقون به من بعدكم ، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم ؟ " قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : " تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة " ، قال أبو صالح : فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء [ المائدة : 54 ] . وقد روي نحو هذا الحديث من رواية جماعة من الصحابة منهم علي ، [ ص: 58 ] وأبو ذر ، وأبو الدرداء ، وابن عمر ، وابن عباس وغيرهم . ومعنى هذا أن الفقراء ظنوا أن لا صدقة إلا بالمال ، وهم عاجزون عن ذلك ، فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن جميع أنواع فعل المعروف والإحسان صدقة . وفي " صحيح مسلم " عن حذيفة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : كل معروف صدقة . وخرجه البخاري من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم . فالصدقة تطلق على جميع أنواع فعل المعروف والإحسان ، حتى إن فضل الله الواصل منه إلى عباده صدقة منه عليهم . وقد كان بعض السلف ينكر ذلك ، ويقول إنما الصدقة ممن يطلب جزاءها وأجرها ، والصحيح خلاف ذلك ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في قصر الصلاة في السفر : صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته خرجه مسلم ، وقال : " من كانت له صلاة بليل ، فغلب عليه نوم فنام عنها ، كتب الله له أجر صلاته ، [ ص: 59 ] وكان نومه صدقة من الله تصدق بها عليه " خرجه النسائي وغيره من حديث عائشة ، وخرجه ابن ماجه من حديث أبي الدرداء . وفي " مسندي " بقي بن مخلد والبزار من حديث أبي ذر مرفوعا : " ما من يوم ولا ليلة ولا ساعة إلا لله فيها صدقة يمن بها على من يشاء من عباده ، وما من الله على عبد مثل أن يلهمه ذكره " . وقال خالد بن معدان : إن الله يتصدق كل يوم بصدقة ، وما تصدق الله على أحد من خلقه بشيء خير من أن يتصدق عليه بذكره . والصدقة بغير المال نوعان : أحدهما : ما فيه تعدية الإحسان إلى الخلق ، فيكون صدقة عليهم ، وربما كان أفضل من الصدقة بالمال ، وهذا كالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، فإنه دعاء إلى طاعة الله ، وكف عن معاصيه ، وذلك خير من النفع بالمال ، وكذلك تعليم العلم النافع ، وإقراء القرآن ، وإزالة الأذى عن الطريق ، والسعي في جلب النفع للناس ، ودفع الأذى عنهم . وكذلك الدعاء للمسلمين والاستغفار لهم . وخرج ابن مردويه بإسناد فيه ضعف عن ابن عمر مرفوعا : " من كان له مال ، فليتصدق من ماله ، ومن كان له قوة ، فليتصدق من قوته ، ومن كان له علم ، فليتصدق من علمه " ولعله موقوف . [ ص: 60 ] وخرج الطبراني بإسناد فيه ضعف عن سمرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أفضل الصدقة صدقة اللسان " قيل : يا رسول الله ، وما صدقة اللسان ؟ قال : " الشفاعة تفك بها الأسير ، وتحقن بها الدم ، وتجر بها المعروف والإحسان إلى أخيك ، وتدفع عنه الكريهة " . وقال عمرو بن دينار : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من صدقة أحب إلى الله من قول ، ألم تسمع إلى قوله تعالى : قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى [ البقرة : 263 ] " خرجه ابن أبي حاتم . وفي مراسيل الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن من الصدقة أن تسلم على الناس وأنت طليق الوجه " خرجه ابن أبي الدنيا . وقال معاذ : تعليم العلم لمن لا يعلمه صدقة . وروي مرفوعا . ومن أنواع الصدقة كف الأذى عن الناس ، ففي " الصحيحين " عن أبي ذر قال : قلت : يا رسول الله أي الأعمال أفضل ؟ قال : الإيمان بالله والجهاد في سبيله " قلت : فأي الرقاب أفضل ؟ قال : " أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا " قلت : فإن لم أفعل ؟ قال : " تعين صانعا ، وتصنع لأخرق " . قلت : يا رسول الله ، أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل ؟ قال : " تكف شرك عن الناس ، فإنها صدقة . [ ص: 61 ] وقد روي في حديث أبي ذر زيادات أخرى ، فخرج الترمذي من حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تبسمك في وجه أخيك لك صدقة ، وأمرك بالمعروف ، ونهيك عن المنكر صدقة ، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة ، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة ، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة " . وخرج ابن حبان في " صحيحه " من حديث أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ليس من نفس ابن آدم إلا عليها صدقة في كل يوم طلعت فيه الشمس قيل : يا رسول الله ، ومن أين لنا صدقة نتصدق بها ؟ قال : إن أبواب الجنة لكثيرة : التسبيح ، والتكبير ، والتحميد ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وتميط الأذى عن الطريق ، وتسمع الأصم ، وتهدي الأعمى ، وتدل المستدل على حاجته ، وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث ، وتحمل بشدة ذراعيك مع الضعيف ، فهذا كله صدقة منك على نفسك . وخرج الإمام أحمد من حديث أبي ذر قال : قلت : يا رسول الله ذهب الأغنياء بالأجر ، يتصدقون ولا نتصدق ، قال : " وأنت فيك صدقة : رفعك العظم عن الطريق صدقة ، وهدايتك الطريق صدقة ، وعونك الضعيف بفضل قوتك صدقة ، وبيانك عن الأغتم صدقة ، ومباضعتك امرأتك صدقة " ، قلت : يا [ ص: 62 ] رسول الله ، نأتي شهوتنا ونؤجر ؟ ! قال : " أرأيت لو جعله في حرام ، أكان يأثم ؟ " قال : قلت : نعم ، قال : " أفتحتسبون بالشر ولا تحتسبون بالخير ؟ " وفي رواية أخرى ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن فيك صدقة كثيرة ، فذكر فضل سمعك وفضل بصرك " وفي رواية أخرى للإمام أحمد : قال : " إن من أبواب الصدقة التكبير وسبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، وأستغفر الله ، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وتعزل الشوكة عن الطريق والعظم والحجر ، وتهدي الأعمى ، وتسمع الأصم والأبكم حتى يفقه ، وتدل المستدل على حاجة له قد علمت مكانها ، وتسعى بشدة ساقيك إلى اللهفان المستغيث ، وترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف ، كل ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك ، ولك في جماعك زوجتك أجر " قلت : كيف يكون لي أجر في شهوتي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أرأيت لو كان لك ولد ، فأدرك ورجوت خيره ، فمات ، أكنت تحتسب به ؟ قلت : نعم ، قال : فأنت خلقته ؟ قلت : بل الله خلقه ، قال : أفأنت هديته ؟ قلت : بل الله هداه ، قال : أفأنت كنت ترزقه ؟ قلت : بل الله كان يرزقه ، قال : كذلك فضعه في حلاله وجنبه حرامه ، فإن شاء الله أحياه ، وإن شاء أماته ، ولك أجر " . وظاهر هذا السياق يقتضي أنه يؤجر على جماعه لأهله بنية طلب الولد الذي يترتب الأجر على تربيته وتأديبه في حياته ، ويحتسبه عند موته ، وأما إذا لم ينو شيئا بقضاء شهوته ، فهذا قد تنازع الناس في دخوله في هذا الحديث . [ ص: 63 ] وقد صح الحديث بأن نفقة الرجل على أهله صدقة ، ففي " الصحيحين " عن أبي مسعود الأنصاري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : نفقة الرجل على أهله صدقة وفي رواية لمسلم : " وهو يحتسبها " ، وفي لفظ للبخاري : " إذا أنفق الرجل على أهله وهو يحتسبها ، فهو له صدقة " ، فدل على أنه إنما يؤجر فيها إذا احتسبها عند الله كما في حديث سعد بن أبي وقاص ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها ، حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك خرجاه . وفي " صحيح مسلم " عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : أفضل الدنانير دينار ينفقه الرجل على عياله ، ودينار ينفقه على فرس في سبيل الله ، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله قال أبو قلابة عند رواية هذا الحديث : بدأ بالعيال ، وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال له صغار يعفهم الله به ، ويغنيهم الله به . وفيه أيضا عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن نفقتك على عيالك صدقة ، وإن ما تأكل امرأتك من مالك صدقة وهذا قد ورد مقيدا في الرواية الأخرى بابتغاء وجه الله . وفي " صحيح مسلم " عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : دينار أنفقته في سبيل الله ، ودينار أنفقته في رقبة ، ودينار تصدقت به على [ ص: 64 ] مسكين ، ودينار أنفقته على أهلك ، أفضلها الدينار الذي أنفقته على أهلك . وخرج الإمام أحمد ، وابن حبان في " صحيحه " من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تصدقوا فقال رجل : عندي دينار ، فقال : " تصدق به على نفسك " قال عندي دينار آخر ، قال : " تصدق به على زوجتك " قال : عندي دينار آخر ، قال : " تصدق به على ولدك " قال : عندي دينار آخر ، قال : " تصدق به على خادمك " قال : عندي دينار آخر ، قال : أنت أبصر . وخرج الإمام أحمد من حديث المقدام بن معدي كرب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما أطعمت نفسك ، فهو لك صدقة ، وما أطعمت ولدك ، فهو لك صدقة ، وما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة ، وما أطعمت خادمك ، فهو لك صدقة وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة يطول ذكرها . وفي " الصحيحين " عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ما من مسلم يغرس غرسا ، أو يزرع زرعا ، فيأكل منه إنسان أو طير أو دابة ، إلا كان له صدقة . وفي " صحيح مسلم " عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة ، وما سرق منه له صدقة ، وما أكل السبع منه ، فهو له صدقة ، وما أكلت الطير فهو له صدقة ، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة . وفي رواية له أيضا : " فيأكل منه إنسان ، ولا دابة ، ولا طائر إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة " . [ ص: 65 ] وفي " المسند " بإسناد ضعيف عن معاذ بن أنس الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من بنى بنيانا في غير ظلم ولا اعتداء ، أو غرس غراسا في غير ظلم ولا اعتداء ، إلا كان له أجرا جاريا ما انتفع به أحد من خلق الرحمن " . وذكر البخاري في " تاريخه " من حديث جابر مرفوعا : " من حفر ماء لم تشرب منه كبد حرى من جن ولا إنس ولا سبع ولا طائر إلا آجره الله يوم القيامة " . وظاهر هذه الأحاديث كلها يدل على أن هذه الأشياء تكون صدقة يثاب عليها الزارع والغارس ونحوهما من غير قصد ولا نية ، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أرأيت لو وضعها في الحرام ، أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر " يدل بظاهره على أنه يؤجر في إتيان أهله من غير نية ، فإن المباضع لأهله كالزارع في الأرض التي يحرث ويبذر فيها ، وقد ذهب إلى هذا طائفة من العلماء ، ومال إليه أبو محمد بن قتيبة في الأكل والشرب والجماع ، واستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم : إن المؤمن ليؤجر في كل شيء حتى في اللقمة يرفعها إلى فيه . وهذا اللفظ الذي استدل به غير معروف ، إنما المعروف قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد : " إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها ، حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك " ، وهو مقيد بإخلاص النية لله ، فتحمل الأحاديث المطلقة عليه ؛ والله أعلم . ويدل عليه أيضا قول الله عز وجل : لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما [ النساء : 114 ] ، [ ص: 66 ] فجعل ذلك خيرا ، ولم يرتب عليه الأجر إلا مع نية الإخلاص . وأما إذا فعله رياء ، فإنه يعاقب عليه ، وإنما محل التردد إذا فعله بغير نية صالحة ولا فاسدة . وقد قال أبو سليمان الداراني : من عمل عمل خير من غير نية كفاه نية اختياره للإسلام على غيره من الأديان ، وظاهر هذا أنه يثاب عليه من غير نية بالكلية ، لأنه بدخوله في الإسلام مختار لأعمال الخير في الجملة ، فيثاب على كل عمل يعمله منها بتلك النية ، والله أعلم . وقوله : " أرأيت لو وضعها في الحرام ، أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال ، كان له أجر " . هذا يسمى عند الأصوليين قياس العكس ، ومنه قول ابن مسعود ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم كلمة وقلت أنا أخرى ، قال : من مات يشرك بالله شيئا دخل النار ، وقلت : من مات لا يشرك بالله دخل الجنة . والنوع الثاني من الصدقة التي ليست مالية : ما نفعه قاصر على فاعله ، كأنواع الذكر : من التكبير ، والتسبيح ، والتحميد ، والتهليل ، والاستغفار ، وكذلك المشي إلى المساجد صدقة ، ولم يذكر في شيء من الأحاديث الصلاة والصيام والحج والجهاد أنه صدقة ، وأكثر هذه الأعمال أفضل من الصدقات المالية ، لأنه إنما ذكر جوابا لسؤال الفقراء الذين سألوه عما يقاوم تطوع الأغنياء بأموالهم ، وأما الفرائض ، فإنهم قد كانوا كلهم مشتركين فيها . وقد تكاثرت النصوص بتفضيل الذكر على الصدقة بالمال وغيرها من [ ص: 67 ] الأعمال ، كما في حديث أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم ، وأرفعها في درجاتكم ، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة ، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم ، فتضربوا أعناقهم ، ويضربوا أعناقكم ؟ " قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : " ذكر الله عز وجل " خرجه الإمام أحمد والترمذي ، وذكره مالك في " الموطأ " موقوفا على أبي الدرداء . وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة ، كانت له عدل عشر رقاب ، وكتبت له مائة حسنة ، ومحيت عنه مائة سيئة ، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك . وفيهما أيضا عن أبي أيوب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من قالها عشر مرات ، كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل . وخرج الإمام أحمد ، والترمذي من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة ؟ قال : الذاكرون الله كثيرا " قلت : [ ص: 68 ] يا رسول الله ، ومن الغازي في سبيل الله ؟ قال : " لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما ، لكان الذاكرون لله أفضل منه درجة . ويروى نحوه من حديث معاذ وجابر مرفوعا ، والصواب وقفه على معاذ من قوله . وخرج الطبراني من حديث أبي الوازع ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " لو أن رجلا في حجره دراهم يقسمها ، وآخر يذكر الله ، كان الذاكر أفضل " . قلت : الصحيح عن أبي الوازع عن أبي برزة الأسلمي من قوله . خرجه جعفر الفريابي . وخرج أيضا من حديث أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " من كبر مائة ، وسبح [ ص: 69 ] مائة ، وهلل مائة ، كانت خيرا له من عشر رقاب يعتقها ، ومن سبع بدنات ينحرها " . وخرج ابن أبي الدنيا بإسناده عن أبي الدرداء أنه قيل له : إن رجلا أعتق مائة نسمة ، فقال : إن مائة نسمة من مال رجل كثير ، وأفضل من ذلك إيمان ملزوم بالليل والنهار ، وأن لا يزال لسان أحدكم رطبا من ذكر الله عز وجل . وعن أبي الدرداء أيضا ، قال : لأن أقول : الله أكبر مائة مرة أحب إلي من أن أتصدق بمائة دينار . وكذلك قال سلمان الفارسي وغيره من الصحابة والتابعين : إن الذكر أفضل من الصدقة بعدده من المال . وخرج الإمام أحمد والنسائي من حديث أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : سبحي الله مائة تسبيحة ، فإنها تعدل مائة رقبة من ولد إسماعيل ، واحمدي الله مائة تحميدة ، فإنها تعدل لك مائة فرس ملجمة مسرجة تحملين عليهن في سبيل الله ، وكبري الله مائة تكبيرة ، فإنها تعدل مائة بدنة مقلدة متقبلة ، وهللي الله مائة تهليلة - لا أحسبه إلا قال : - تملأ ما بين السماء والأرض ، ولا يرفع يومئذ لأحد مثل عملك إلا أن يأتي بمثل ما أتيت وخرجه أحمد أيضا وابن ماجه ، وعندهما : " وقولي : لا إله إلا الله مائة مرة ، لا تذر ذنبا ، ولا يسبقها العمل " . [ ص: 70 ] وخرجه الترمذي من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه . وخرج الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعا : قال : " ما من صدقة أفضل من ذكر الله عز وجل " . وخرج الفريابي بإسناد فيه نظر عن أبي أمامة مرفوعا : " من فاته الليل أن يكابده ، ويبخل بماله أن ينفقه ، وجبن من العدو أن يقاتله ، فليكثر من سبحان الله وبحمده ، فإنها أحب إلى الله عز وجل من جبل ذهب ، أو جبل فضة ينفقه في سبيل الله عز وجل " . وخرج البزار بإسناد مقارب من حديث ابن عباس مرفوعا قال في حديثه : " فليكثر ذكر الله " ، ولم يزد على ذلك ، وفي المعنى أحاديث أخر متعددة .

التالي السابق


الخدمات العلمية