فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
( خفي الإرسال والمزيد في متصل الإسناد )

782 - وعدم السماع واللقاء يبدو به الإرسال ذو الخفاء      783 - كذا زيادة اسم راو في السند
إن كان حذفه بعن فيه ورد [ ص: 71 ]      784 - وإن بتحديث أتى فالحكم له
مع احتمال كونه قد حمله      785 - عن كل إلا حيث ما زيد وقع
وهما وفي ذين الخطيب قد جمع

( خفي الإرسال والمزيد في متصل الإسناد ) : هذان نوعان مهمان عظيما الفائدة ، عميقا المسلك ، لم يتكلم فيهما قديما وحديثا إلا نقاد الحديث وجهابذته ، وهما متجاذبان ; فلذلك قرن بينهما ، وفصل أولهما عن المرسل الظاهر ، مع أن ذلك لم يكن بمانع من الإشارة إليه هناك . ثم لأجل ما أبديته من المؤاخاة بينهما لو قرن بين المختلف والناسخ الماضي شرحهما أيضا لكان حسنا .

[ المرسل الخفي والفرق بينه وبين المرسل الظاهر وغيره ] فأما أولهما ، فليس المراد به قول التابعي : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما هو المشهور في المرسل الظاهر ، ولا الانقطاع بين الراويين لم يدرك أحدهما الآخر ; كرواية القاسم عن ابن مسعود ، وإبراهيم بن أبي عبلة عن عبادة بن الصامت ، ومالك عن سعيد بن المسيب . بل هو على المعتمد في تعريفه حسبما أشار إليه شيخنا : الانقطاع في أي موضع كان من السند بين راويين متعاصرين لم يلتقيا ، وكذا لو التقيا ولم يقع بينهما سماع فهو انقطاع مخصوص ، يندرج في تعريفه من لم يتقيد في المرسل بسقط خاص .

وإلى ذلك الإشارة بقول البلقيني : إن تسميته بالإرسال هو على طريقة سبقت في نوع المرسل . وبهذا التعريف يباين التدليس ; إذ هو كما حقق أيضا على ما تقدم في بابه : رواية الراوي عمن سمع منه ما لم يسمع منه . فأما من عرف ما نحن فيه : برواية الراوي عمن سمع منه ما لم يسمعه منه ، أو عمن لقيه ولم يسمع منه ، أو عمن عاصره ، فيكون بينهما عموم مطلق . والمعتمد ما حققناه أولا .

( و ) حينئذ فـ ( عدم السماع ) مطلقا للراوي من المروي عنه ولو تلاقيا ، ( و ) كذا [ ص: 72 ] عدم ( اللقاء ) بينهما ; حيث علم أحدهما بأحد أمرين ; من إخبار الراوي عن نفسه بذلك ; كقول أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، وقد سئل : هل تذكر من أبيك شيئا : ( لا ) . ونحوه قول عمر بن عبد الله مولى غفرة ، وقد سأله عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الراوي عنه : أسمعت من ابن عباس : قد أدركت زمنه . أو جزم إمام مطلع بكونه لم يثبت عنده من وجه يحتج به أنهما تلاقيا ; مثل أبي زرعة الرازي وغيره في قولهم : إن الحسن البصري لم يلق عليا . ومثل المزي في المتأخرين ، وكان في هذا عجبا من العجب ، في قوله : إن عمر بن عبد العزيز لم يلق عقبة بن عامر .

( يبدو به ) ; أي : يظهر بكل من عدم السماع واللقاء ( الإرسال ذو الخفاء ) ; بحيث يكون في الأكثر سببا للحكم بذلك ; كحديث أبي هريرة : ( إذا استيقظ أحدكم من الليل فليوقظ امرأته ) . رواه أبو عامر العقدي ، عن الثوري ، عن ابن المنكدر عنه . وابن المنكدر فيما قاله ابن معين والبزار : لم يسمع من أبي هريرة . بل قال أبو زرعة : إنه لم يلقه . وهو مقتضى ما نقله ابن المديني عن ابن عيينة من كون ابن المنكدر بلغ من العمر نيفا وسبعين سنة . وبيان ذلك أن وفاته كانت في سنة ثلاثين ومائة أو التي بعدها ، فيكون مولده على هذا قبل ستين بيسير ، ووفاة أبي هريرة كانت أيضا قبل الستين بيسير . وقد رواه ابن مهدي ووكيع والعدني وغيرهم عن الثوري بإثبات الواسطة التي لم تسم عند واحد منهم بين ابن المنكدر وأبي هريرة ، [ ص: 73 ] وهو ممن لم يوصف بالتدليس ، فظهر أن الرواية الأولى من المرسل الخفي ، هذا مع تخريج أبي داود في سننه لحديث من طريقه عن أبي هريرة بلا واسطة ، بل وخرج غيره أحاديث كذلك .

و ( كذا زيادة اسم راو ) يتوسط ( في السند ) بين الراويين اللذين كان يظن الاتصال بينهما مظهرة للإرسال الخفي في الرواية التي لم يذكر فيها ( إن كان حذفه ) ; أي : ذاك الاسم الزائد وقع ( بـ ) صيغة ( عن ) . وقال : ونحوهما مما ليس صريحا في الاتصال ( فيه ) ; أي : في السند الذي بدونه ( ورد ) ; فإنه حينئذ تكون الرواية الناقصة معلة بالإسناد الآتي بالزيادة مع التصريح بالتحديث أو نحوه ; إذ الزيادة من الثقة مقبولة . وعبر شيخنا بقوله : ترجحت الزيادة . مثاله حديث أبي ذر : ( ثلاثة يحبهم الله ، وثلاثة يبغضهم الله ) . رواه الفريابي وعبد الملك بن عمرو ، وكلاهما عن الثوري ، عن منصور ، عن ربعي بن خراش عنه بالعنعنة . ورواه شعبة عن منصور : سمعت ربعيا يحدث عن زيد بن ظبيان رفعه إلى أبي ذر . بل وتوبع شعبة عليه كذلك . وكذا رواه شيبان عن منصور ، لكنه قال : عن زيد بن ظبيان أو غيره ، عن أبي ذر . بل رواه الأشجعي وأبو عامر ، كلاهما عن الثوري بإثبات زيد . وكذا رواه مؤمل عن الثوري ، لكنه لم يسمه ، قال : عن رجل عن أبي ذر . فالرواية الأولى مرسلة وإن كان ربعي من كبار التابعين ; فقد جزم الدارقطني ثم ابن عساكر بأنه لم يسمع من أبي ذر . وحكاه المزي بصيغة التمريض ، هذا مع أن أبا داود قد أثبت سماعه من عمر المتوفى قبل أبي ذر بتسع سنين ، وحينئذ فقد أدرك أبا ذر جزما ; ولذا توقف شيخنا في الجزم بعدم سماعه منه . ولكن اقتصار ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والضياء في ( المختارة ) على إيراده في صحاحهم بإثبات الواسطة قد يشهد للأولين .

التالي السابق


الخدمات العلمية