فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
معرفة التابعين

817 - والتابع اللاقي لمن قد صحبا وللخطيب حده أن يصحبا      818 - وهم طباق ، قيل : خمس عشره
أولهم رواة كل العشره      819 - وقيس الفرد بهذا الوصف
وقيل : لم يسمع من ابن عوف      820 - وقول من عد سعيدا فغلط
بل قيل : لم يسمع سوى سعد فقط      821 - لكنه الأفضل عند أحمدا
وعنه قيس وسواه وردا 822      822 - وفضل الحسن أهل البصرة
والقرني أويسا اهل الكوفة      823 - وفي نساء التابعين الأبدا
حفصة مع عمرة أم الدردا      824 - وفي الكبار الفقهاء السبعه
خارجة القاسم ثم عروه      825 - ثم سليمان عبيد الله
سعيد والسابع ذو اشتباه      826 - إما أبو سلمة او سالم
أو فأبو بكر خلاف قائم      827 - المدركون جاهلية فسم
مخضرمين كسويد في أمم      828 - وقد يعد في الطباق التابع
في تابعيهم إذ يكون الشائع      829 - الحمل عنهم كأبي الزناد
والعكس جاء وهو ذو فساد      830 - وقد يعد تابعيا صاحب
كابني مقرن ومن يقارب

( معرفة التابعين ) ، وهو كالذي قبله ، أصله عظيم في معرفة المرسل والمتصل ; [ ص: 145 ] ولذا قال الحاكم : ومهما غفل الإنسان عن هذا العلم لم يفرق بين الصحابة والتابعين ، ثم لم يفرق بين التابعين وأتباعهم . ومن مظانهم المذكورون فيها على التوالي ( الطبقات ) لمسلم ، ولابن سعد ، ولخليفة بن خياط ، وأبي بكر البرقي ، وأبي الحسن بن سميع . بل أفردهم أبو حاتم الرازي وأبو القاسم بن منده بالتأليف ، وغيرها . وكان يمكن حصرهم في عدد تقريبي بالنظر لما في كتب الرجال ، وإن كان قليل الجدوى .

[ تعريف التابعي ] ( و ) فيه مسائل : الأولى : في تعريفه ، فـ ( التابع ) ويقال له : التابعي أيضا ، وكذا التبع ، ويجمع عليه أيضا ، وكذا على أتباع ، هو ( اللاقي لمن قد صحبا ) النبي - صلى الله عليه وسلم - واحدا فأكثر ، سواء كانت الرؤية من الصحابي نفسه ، حيث كان التابعي أعمى أو بالعكس ، أو كانا جميعا كذلك ; لصدق أنهما تلاقيا ، وسواء كان مميزا أم لا ، سمع منه أم لا ; لعد مسلم ثم ابن حبان ثم عبد الغني بن سعيد فيهم الأعمش ، مع قول الترمذي : إنه لم يسمع من أحد من الصحابة . وعبد الغني جرير بن حازم ; لكونه رأى أنسا . وموسى بن أبي عائشة مع اقتصار البخاري وابن حبان فيه على رؤية عمرو بن حريث . ويحيى بن أبي كثير مع قول أبي حاتم : إنه لم يدرك أحدا من الصحابة إلا أنسا رآه رؤية . وهذا مصير [ ص: 146 ] منهم إلى الاكتفاء بالرؤية ; إذ رؤية الصالحين - بلا شك - لها أثر عظيم ، فكيف بالصحابة منهم ؟ ! كما قيل بمثله في الصحابي مما أسلفته في أول معرفة الصحابة . ولكن قيده ابن حبان بكونه حين رؤيته إياه في سن من يحفظ عنه ، كما صرح بذلك في ترجمة خلف بن خليفة الذي قال البخاري فيه : يقال : إنه مات في سنة إحدى وثمانين ومائة ، وهو ابن مائة سنة وسنة . وبذلك جزم ابن حبان . وقال فيه غيرهما : إنه آخر التابعين موتا ; حيث ذكره في أتباع التابعين ، وساق بسنده إليه قال : كنت في حجر أبي إذ مر رجل على بغل أو بغلة ، فقيل : هذا عمرو بن حريث صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - . فقال : لم ندخل خلفا في التابعين وإن كانت له رؤية من الصحابة ; لأنه رأى عمرو بن حريث وهو صبي صغير لم يحفظ عنه شيئا ، يعني فإن عمرا توفي - كما قال البخاري وغيره - في سنة خمس وثمانين . وأدخلنا الأعمش فيهم ، مع أنه إنما رأى أيضا فقط ; لكونه حين رؤيته لأنس وهو بواسط يخطب كان بالغا يعقل ، بحيث حفظ منه خطبته ، بل حفظ عنه حين رآه بمكة وهو يصلي عند المقام أحرفا معدودة حكاها ; إذ ليس حكم البالغ إذا رأى وحفظ كحكم غير البالغ إذا رأى ولم يحفظ . انتهى .

[ ص: 147 ] وبه ظهر أن ما نقل عن شيخنا من احتمال أن يكون ابن حبان إنما عد خلفا في أتباع التابعين لما قيل : إنه إنما رأى جعفر بن عمرو بن حريث ، لا عمرا نفسه ، وأن هذا القول ترجح عنده ليس بجيد .

ثم إن إطلاق اللقي يشمل أيضا من لم يكن حينئذ مسلما ثم أسلم بعد ذلك ، وجنح إليه شيخنا فيما نقل عنه . ولا ينافيه قول ابن كثير : إن في كلام الحاكم ما يقتضي عدم الاكتفاء باللقاء ، وأنه لا بد من الرواية وإن لم يصحبه ; إذ الرواية لا يشترط لتحملها الإسلام . على أن ما نسبه للحاكم فيه نظر ; فقد قال الحاكم : وطبقة تعد في التابعين ولم يصح سماع أحد منهم من الصحابة ; يعني اكتفاء فيهم بالرؤية . ثم إن ظاهر كلام ابن كثير عدم انفراد الحاكم بما فهمه عنه ; فإنه قال : فلم يكتفوا بمجرد رؤيته الصحابي ، كما اكتفوا في إطلاق اسم الصحابي على من رآه عليه السلام لشرف رؤيته وعظمها . وهذا محتمل لاشتراطه مع الرؤية كونه في سن من يحفظ ، كما لابن حبان ، أو الرواية صريحا . وعلى كل حال فهو قول آخر .

( و ) كذا ( للخطيب ) أيضا : التابعي ( حده أن يصحبا ) الصحابي . ولكن الأول أصح ، وعليه - كما قال المصنف - عمل الأكثرين . وقال شيخنا : إنه المختار . وقال النووي : إنه الأظهر . وسبقه لترجيحه ابن الصلاح فقال : والاكتفاء في هذا بمجرد اللقاء والرؤية أقرب منه في الصحابي ; نظرا إلى مطلق اللفظ فيهما ; أي : في الصحابي والتابعي ، وإذا اكتفي به في الصحابي فهنا أولى . وفيه نظر ، فاللغة والاصطلاح في الصحابي كما تقدم متفقان ، وكأنه نظر إلى أنه لا يطلق عرفا على الرؤية المجردة بخلافه في التابع ، فالعرف واللغة فيه متقاربان ، هذا مع أن الخطيب عد منصور بن المعتمر في التابعين مع كونه لم يسمع من أحد من الصحابة . وقول الخطيب له : من الصحابة ابن أبي أوفى ، يريد في الرؤية ، لا في السماع والصحبة . واحتمال [ ص: 148 ] كون الخطيب يرى سماعه منه بعيد ، لا سيما وقد قال المصنف : لم أر من ذكره في التابعين .

وقال النووي في ( شرح مسلم ) : إنه ليس بتابعي ، ولكنه من أتباع التابعين . ثم إنه قد يستأنس للأول بقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( طوبى لمن رآني وآمن بي ، وطوبى لمن رأى من رآني ) ; حيث اكتفى فيهما بمجرد الرؤية ، وإذ قد بان تعريفه فمطلقه ينصرف إليه ، وإن قال ابن الصلاح : إنه مقيد بالتابع بإحسان .

التالي السابق


الخدمات العلمية