فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
رواية الأقران


833 - والقرنا من استووا في السند والسن غالبا وقسمين اعدد      834 - مدبجا وهو إذا كل أخذ
عن آخر وغيره انفراد فذ

وهو نوع مهم ، وفائدة ضبطه الأمن من ظن الزيادة في الإسناد ، أو إبدال الواو بـ ( عن ) إن كان بالعنعنة . ( والقرنا ) بالقصر للضرورة ( من استووا ) ; أي : تماثلوا أي : تقاربوا ، ( في السند ) ; يعني : الأخذ عن الشيوخ . ( و ) كذا في ( السن ) ، لكن ( غالبا ) ; لأنهم ربما يكتفون - كالحاكم - بالتقارب في الإسناد وإن تفاوتت الأسنان ، مع أن ظاهر كلام شيخنا أنه لو حصلت المقارنة في السن دون الإسناد كفى ; فإنه [ ص: 169 ] قال : فإن تشارك الراوي ومن روى عنه في أمر من الأمور المتعلقة بالرواية ; مثل السن واللقي ، وهو الأخذ عن المشايخ ، فهو النوع الذي يقال له : رواية الأقران ; لأنه حينئذ يكون راويا عن قرينه . ( وقسمين اعدد ) ; أي : واعدد رواية الأقران قسمين : ( مدبجا ) بضم الميم وفتح الدال المهملة وتشديد الباء الموحدة وآخره جيم ، ( وهو إذا كل ) من القرينين ( أخذ عن آخر ) بالتنوين للضرورة ، وبذلك سماه الدارقطني أخذا من ديباجتي الوجه ، وهما الخدان ; لتساويهما وتقابلهما . ولكن لم يتقيد الدارقطني في مصنفه الآتي ذكره بالقرينين ، بل أدرج فيه ما يكون من أمثلة القسم الآتي ، وهذا هو القسم الأول . ( وغيره ) بالنصب عطفا على ( مدبجا ) فأبدلا من قسمين ; أي : وغير مدبج ، وهو القسم الثاني ، وهو ( انفراد فذ ) بالفاء والذال المعجمة ; أي : انفراد أحد القرينين بالرواية عن الآخر ، وعدم الوقوف على رواية الآخر عنه .

وحينئذ فالأول أخص منه ، فكل مدبج أقران ، ولا عكس . وفي الأول صنف الدارقطني كتابا حافلا في مجلد ، وفي الثاني صنف أبو الشيخ بن حيان الأصبهاني وأبو عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف بن الأخرم الشيباني . وفيهما شيخنا ملخصا لذلك منهما ، فسمى الأول : ( التعريج على التدبيج ) ، والثاني : ( الأفنان في رواية الأقران ) ، ويسمى أيضا ( المخرج من المدبج ) .

مثال الأول في الصحابة : أبو هريرة وعائشة ، روى كل منهما عن الآخر . وفي [ ص: 170 ] التابعين : الزهري وأبو الزبير كذلك . وفي أتباعهم : مالك والأوزاعي كذلك . وفي أتباع الأتباع : أحمد وابن المديني كذلك مع نزاع في كونهما قرينين . وفي المتأخرين : المزي والبرزالي كذلك ، وشيخنا والتقي الفاسي كذلك .

ومثال الثاني : رواية سليمان التيمي عن مسعر ; فقد قال الحاكم : لا أحفظ لمسعر عن التيمي رواية ، على أن غيره توقف في كون التيمي من أقران مسعر ، بل هو أكبر منه ، كما صرح به المزي وغيره . نعم ، روى كل من الثوري ومالك بن مغول عن مسعر ، وهم أقران ، والأعمش عن التيمي ، وهما قرينان ، والزين رضوان عن الرشيدي ، وهما قرينان من شيوخنا . وقد يجتمع جماعة من الأقران في سلسلة ; كرواية أحمد عن أبي خيثمة زهير بن حرب ، عن ابن معين ، عن علي بن المديني ، عن عبيد الله بن معاذ لحديث أبي بكر بن حفص عن أبي سلمة ، عن عائشة : ( كن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذن من شعورهن حتى تكون كالوفرة ) . فالخمسة - كما قال الخطيب - أقران . ورواية ابن المسيب عن ابن عمرو ، عن عمر ، عن عثمان ، عن أبي بكر لحديث : ( ما نجاة هذا الأمر ) . ففيه أربعة من الصحابة في نسق . وكذا اجتمع أربعة من الصحابة في عدة أحاديث بعضها في الصحيحين وغيرهما . وأفرد فيه كل من عبد الغني بن سعيد المصري وأبي الحجاج يوسف بن خليل الدمشقي فيما سمعناه جزءا . بل اجتمع منهم خمسة في حديث : ( الموت كفارة لكل مسلم ) ، وذلك من رواية عمرو بن العاص عن عثمان بن عفان ، عن عمر بن الخطاب ، عن أبي بكر الصديق ، عن [ ص: 171 ] بلال . وهو غريب ; لاجتماع الخلفاء الثلاثة فيه . ويدخل في النوع قبله ودون هذين العددين مما أمثلته أكثر مما اجتمع فيه ثلاثة من الصحابة ; كمعاوية بن أبي سفيان عن مالك بن يخامر - على القول بصحبته - عن معاذ ، وكمعاوية بن خديج عن معاوية بن أبي سفيان عن أخته أم حبيبة . ثم مما أمثلته أكثر مما يدخل في هذا النوع وما لا يدخل ; كابن عمر عن كل من أبيه وأخته وحفصة .

وأما رواية الليث عن يحيى بن سعيد ، عن سعد بن إبراهيم ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن عروة بن المغيرة بن شعبة ، عن أبيه لحديث : ( اتبعت النبي - صلى الله عليه وسلم - بإداوة ) . ورواية محمد بن عجلان عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن عبد الله بن محيريز ، عن الصنابحي ، عن عبادة بن الصامت ، ففيهما أربعة من التابعين في نسق . ودون هذا العدد مما أمثلته أكثر ما اجتمع فيه ثلاثة منهم ; كالزهري عن عبد الملك بن أبي بكر بن الحارث بن هشام ، عن خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري ، عن أبيه رضي الله عنه . وكذا الزهري عن عمر بن عبد العزيز ، عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ ، عن أبي هريرة رضي الله عنه . ثم ما اشتمل على اثنين ، وأكثر ما وجد منهم حسبما أشرت إليه في المرسل في نسق ; إما ستة أو سبعة . وفي أشباه ما ذكرته طول . وللخطيب رواية التابعين بعضهم عن بعض ، وهو مع رواية الصحابة بعضهم عن بعض ، الذي علمت إفراد نوع منه بالتأليف أيضا مما لم يذكره ابن الصلاح وأتباعه ، ولكن قد استدركهما بعض المتأخرين عليه . ومن فوائدهما سوى ما تقدم الحرص على [ ص: 172 ] إضافة الشيء لراويه ، والرغبة في التواضع في العلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية