الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
رواية الأقران


833 - والقرنا من استووا في السند والسن غالبا وقسمين اعدد      834 - مدبجا وهو إذا كل أخذ
عن آخر وغيره انفراد فذ

وهو نوع مهم ، وفائدة ضبطه الأمن من ظن الزيادة في الإسناد ، أو إبدال الواو بـ ( عن ) إن كان بالعنعنة . ( والقرنا ) بالقصر للضرورة ( من استووا ) ; أي : تماثلوا أي : تقاربوا ، ( في السند ) ; يعني : الأخذ عن الشيوخ . ( و ) كذا في ( السن ) ، لكن ( غالبا ) ; لأنهم ربما يكتفون - كالحاكم - بالتقارب في الإسناد وإن تفاوتت الأسنان ، مع أن ظاهر كلام شيخنا أنه لو حصلت المقارنة في السن دون الإسناد كفى ; فإنه [ ص: 169 ] قال : فإن تشارك الراوي ومن روى عنه في أمر من الأمور المتعلقة بالرواية ; مثل السن واللقي ، وهو الأخذ عن المشايخ ، فهو النوع الذي يقال له : رواية الأقران ; لأنه حينئذ يكون راويا عن قرينه . ( وقسمين اعدد ) ; أي : واعدد رواية الأقران قسمين : ( مدبجا ) بضم الميم وفتح الدال المهملة وتشديد الباء الموحدة وآخره جيم ، ( وهو إذا كل ) من القرينين ( أخذ عن آخر ) بالتنوين للضرورة ، وبذلك سماه الدارقطني أخذا من ديباجتي الوجه ، وهما الخدان ; لتساويهما وتقابلهما . ولكن لم يتقيد الدارقطني في مصنفه الآتي ذكره بالقرينين ، بل أدرج فيه ما يكون من أمثلة القسم الآتي ، وهذا هو القسم الأول . ( وغيره ) بالنصب عطفا على ( مدبجا ) فأبدلا من قسمين ; أي : وغير مدبج ، وهو القسم الثاني ، وهو ( انفراد فذ ) بالفاء والذال المعجمة ; أي : انفراد أحد القرينين بالرواية عن الآخر ، وعدم الوقوف على رواية الآخر عنه .

وحينئذ فالأول أخص منه ، فكل مدبج أقران ، ولا عكس . وفي الأول صنف الدارقطني كتابا حافلا في مجلد ، وفي الثاني صنف أبو الشيخ بن حيان الأصبهاني وأبو عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف بن الأخرم الشيباني . وفيهما شيخنا ملخصا لذلك منهما ، فسمى الأول : ( التعريج على التدبيج ) ، والثاني : ( الأفنان في رواية الأقران ) ، ويسمى أيضا ( المخرج من المدبج ) .

مثال الأول في الصحابة : أبو هريرة وعائشة ، روى كل منهما عن الآخر . وفي [ ص: 170 ] التابعين : الزهري وأبو الزبير كذلك . وفي أتباعهم : مالك والأوزاعي كذلك . وفي أتباع الأتباع : أحمد وابن المديني كذلك مع نزاع في كونهما قرينين . وفي المتأخرين : المزي والبرزالي كذلك ، وشيخنا والتقي الفاسي كذلك .

ومثال الثاني : رواية سليمان التيمي عن مسعر ; فقد قال الحاكم : لا أحفظ لمسعر عن التيمي رواية ، على أن غيره توقف في كون التيمي من أقران مسعر ، بل هو أكبر منه ، كما صرح به المزي وغيره . نعم ، روى كل من الثوري ومالك بن مغول عن مسعر ، وهم أقران ، والأعمش عن التيمي ، وهما قرينان ، والزين رضوان عن الرشيدي ، وهما قرينان من شيوخنا . وقد يجتمع جماعة من الأقران في سلسلة ; كرواية أحمد عن أبي خيثمة زهير بن حرب ، عن ابن معين ، عن علي بن المديني ، عن عبيد الله بن معاذ لحديث أبي بكر بن حفص عن أبي سلمة ، عن عائشة : ( كن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذن من شعورهن حتى تكون كالوفرة ) . فالخمسة - كما قال الخطيب - أقران . ورواية ابن المسيب عن ابن عمرو ، عن عمر ، عن عثمان ، عن أبي بكر لحديث : ( ما نجاة هذا الأمر ) . ففيه أربعة من الصحابة في نسق . وكذا اجتمع أربعة من الصحابة في عدة أحاديث بعضها في الصحيحين وغيرهما . وأفرد فيه كل من عبد الغني بن سعيد المصري وأبي الحجاج يوسف بن خليل الدمشقي فيما سمعناه جزءا . بل اجتمع منهم خمسة في حديث : ( الموت كفارة لكل مسلم ) ، وذلك من رواية عمرو بن العاص عن عثمان بن عفان ، عن عمر بن الخطاب ، عن أبي بكر الصديق ، عن [ ص: 171 ] بلال . وهو غريب ; لاجتماع الخلفاء الثلاثة فيه . ويدخل في النوع قبله ودون هذين العددين مما أمثلته أكثر مما اجتمع فيه ثلاثة من الصحابة ; كمعاوية بن أبي سفيان عن مالك بن يخامر - على القول بصحبته - عن معاذ ، وكمعاوية بن خديج عن معاوية بن أبي سفيان عن أخته أم حبيبة . ثم مما أمثلته أكثر مما يدخل في هذا النوع وما لا يدخل ; كابن عمر عن كل من أبيه وأخته وحفصة .

وأما رواية الليث عن يحيى بن سعيد ، عن سعد بن إبراهيم ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن عروة بن المغيرة بن شعبة ، عن أبيه لحديث : ( اتبعت النبي - صلى الله عليه وسلم - بإداوة ) . ورواية محمد بن عجلان عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن عبد الله بن محيريز ، عن الصنابحي ، عن عبادة بن الصامت ، ففيهما أربعة من التابعين في نسق . ودون هذا العدد مما أمثلته أكثر ما اجتمع فيه ثلاثة منهم ; كالزهري عن عبد الملك بن أبي بكر بن الحارث بن هشام ، عن خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري ، عن أبيه رضي الله عنه . وكذا الزهري عن عمر بن عبد العزيز ، عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ ، عن أبي هريرة رضي الله عنه . ثم ما اشتمل على اثنين ، وأكثر ما وجد منهم حسبما أشرت إليه في المرسل في نسق ; إما ستة أو سبعة . وفي أشباه ما ذكرته طول . وللخطيب رواية التابعين بعضهم عن بعض ، وهو مع رواية الصحابة بعضهم عن بعض ، الذي علمت إفراد نوع منه بالتأليف أيضا مما لم يذكره ابن الصلاح وأتباعه ، ولكن قد استدركهما بعض المتأخرين عليه . ومن فوائدهما سوى ما تقدم الحرص على [ ص: 172 ] إضافة الشيء لراويه ، والرغبة في التواضع في العلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية