فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ رواية الأبناء عن الآباء ] ( وعكسه ) ; أي : رواية الآباء عن الأبناء ، وهو رواية الأبناء عن الآباء ، الذي هو ثاني النوعين والجادة ، ( صنف فيه ) الحافظ أبو نصر عبيد الله بن سعيد بن حاتم السجزي ( الوايلي ) بكسر المثناة التحتانية ، نسبة لبكر بن وايل - كتابا ، وزاد عليه بعض المتأخرين أشياء مهمة نفيسة ، كما قال ابن كثير ، وكذا لأبي حفص بن شاهين كتاب من روى عن أبيه من الصحابة والتابعين ، ( وهو ) ; أي : رواية الأبناء عن الآباء ; كما قال أبو القاسم منصور بن محمد العلوي ، ( معال ) يعني مفاخر ، ( للحفيد ) وهو ولد الابن ( الناقل ) رواية ، وكذا دراية من باب أولى ، عن أبيه ، عن جده ، ولفظه كما رواه ابن الصلاح عن أبي المظفر بن السمعاني لفظا ، عن أبي نصر عبد الرحمن بن عبد الجبار الفامي ، سمعت أبا القاسم المذكور يقول : الإسناد بعضه عوال وبعضه معال : وقول الرجل : حدثني أبي عن جده من المعالي . بل قال مالك مما رويناه فيما انتقاه السلفي من الطيوريات من [ ص: 187 ] حديثه في قول الله عز وجل : ( وإنه لذكر لك ولقومك ) . قال : هو قول الرجل : حدثني أبي عن جدي .

( ومن أهمه ) ; أي : رواية الأبناء عن الآباء ، ( إذا ما أبهما الأب ) فلم يسم ( أو ) سمي الأب وأبهم ( جد وذاك ) بحسب هذا ( قسما قسمين ) : أحدهما : ما تكون الرواية فيه ( عن أب فقط ) وذلك باب واسع ، وهو ( نحو ) رواية ( أبي العشرا ) بضم العين المهملة وفتح الشين المعجمة بعدها راء مع القصر للضرورة ، الدارمي ( عن أبه ) بحذف الياء على لغة النقص ، كما مر أول الكتاب ، ( عن النبي ) - صلى الله عليه وسلم - ، فوالد أبي العشراء لم يسم في طرق الحديث ، بل ولم يأت هو إلا مكنيا ، ( واسمهما ) كما قال ابن الصلاح ( على الشهير ) من الأقوال : ( فاعلم أسامة بن مالك بن قهطم ) ، فكذلك نسبه ابن سعد ، بل ونقله الميموني عن أحمد وجده ، بكسر القاف فيما نقله ابن الصلاح من خط البيهقي وغيره ، وكذا الطاء المهملة بينهما هاء ، وقيل : حاء مهملة بدلها ، وآخره ميم ، بل حكى فيه أربع لغات : كسر القاف والطاء ، وفتحهما وفتح الأول وكسر الثاني ، وعكسه كاللغات في قرطم ، وقيل : في اسمهما عطارد بن برز بتقديم الراء على الزاء مع الاختلاف أهي مفتوحة أو ساكنة ؟ بل قيل : إنها لام . وقيل : يسار أو سنان . كما هو لأبي أحمد الحاكم بن بلز بن مسعود بن خولي بن حرمة بن قتادة ، وقيل كما للطبراني : بلاز بن يسار . وقال ابن حبان : اسمه عبد الله . وقيل : عامر . ( و ) القسم ( الثان ) بحذف الياء من القسمين ( أن [ ص: 188 ] يزيد فيه ) يعني في السند ( بعده ) ; أي : بعد ذكر الأب ، ( كبهز ) بموحدة مفتوحة ثم هاء وزاء ، هو ابن حكيم ( او ) بالنقل ( عمرو ) هو ابن شعيب ( أبا ) يعني لحكيم أبي بهز ( أو ) يزيد ، ( جده ) ; أي : جد عمرو ، مع كون التعبير في الموضعين بقوله : عن جده . غير أن مرجع الضمير فيهما مختلف ، ففي الأول لبهز وجده ، وهو معاوية بن حيدة بن معاوية القشيري ، صحابي شهير ، ولا يصح أن يكون الضمير فيه لحكيم ; فإن جده حيدة لم ينقل له حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مع كونه صحابيا ، ورواية حفيده عنه كما في ( دلائل النبوة ) للبيهقي ، وغيرها من طريق داود بن أبي هند ، عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده حيدة بن معاوية ، أنه خرج معتمرا في الجاهلية فإذا هو بشيخ يطوف بالبيت فذكر قصة ، وفي الثاني لشعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ، فجده هو عبد الله الصحابي الشهير ، ويروى بكل من السندين نسخة كبيرة حسنة ، والثانية أكثرها فقهيات جياد وكل من النسختين مختلف في الاحتجاج به لما قيل من أن سماعهما من ذلك إنما هو اليسير ، والباقي من صحيفة وجداها ، ( و ) لكن ( الأكثر ) من المحدثين ( احتجوا بـ ) حديث ( عمرو حملا له ) أي : لجده في الإطلاق ، ( على الجد الكبير الأعلى ) وهو الصحابي دون ابنه محمد والد شعيب لما ظهر لهم من إطلاقه ذلك ، فقال البخاري : رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق بن راهويه وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، ما تركه أحد من المسلمين ، قال البخاري : فمن الناس بعدهم ؟ زاد في رواية والحميدي ، وقال مرة : اجتمع علي وابن معين وأحمد وأبو خيثمة وشيوخ من أهل العلم يتذاكرون حديث عمرو بن شعيب ، فثبتوه وذكروا أنه حجة ، وقال أبو جعفر : أحمد بن سعيد الدارمي ، هو ثقة روى عنه الذين نظروا في الرجال مثل أيوب والزهري والحكم ، واحتج أصحابنا بحديثه ، وسمع أبوه [ ص: 189 ] من عبد الله بن عمرو ، وقال أبو بكر النيسابوري : صح سماع عمرو بن شعيب ، وسماع شعيب من جده . وقال يعقوب بن شيبة : ما رأيت أحدا من أصحابنا ممن ينظر في الحديث وينتقي الرجال يقول فيه شيئا ، وحديثه عندهم صحيح ، وهو ثقة ثبت ، والأحاديث التي أنكروا من حديثه إنما هي لقوم ضعفاء رووها عنه ، وما روى عنه الثقات صحيح ، قال : وسمعت ابن المديني يقول : قد سمع أبوه شعيب من جده عبد الله ، وقال ابن المديني : هو عندنا ثقة ، وكتابه صحيح . وقال الحسن بن سفيان عن إسحاق بن راهويه : عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده كأيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر . قال النووي في ( شرح المهذب ) : وهذا التشبيه في نهاية الجلالة من مثل إسحاق ، وقد أخرج له ابن خزيمة في صحيحه والبخاري في جزء القراءة خلف الإمام له على سبيل الاحتجاج وآخرون ، وخالف آخرون فضعفه بعضهم مطلقا ، وبعضهم في خصوص روايته ، عن أبيه ، عن جده ، والإطلاق محمول عليه ، فقال ابن المديني عن يحيى بن سعيد : حديثه عندنا واه . وقال الميموني : سمعت أحمد يقول : له أشياء منها مناكير ، وإنما يكتب حديثه للاعتبار ، فأما أن يكون حجة فلا . وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين : ليس بذلك .

وفي رواية عنه هو عن أبيه ، عن جده كتاب أي : وجادة ، وليس المراد مكاتبة ، قال : ومن هنا جاء ضعفه . وقال الآجري : قلت لأبي داود هو عندك حجة . قال : لا ، ولا نصف حجة ، وحكى في ( شرح المهذب ) أن الشيخ أبا إسحاق نص في كتابه : ( اللمع ) وغيره من أصحابنا على أنه لا يجوز الاحتجاج به هكذا . قال : وأكثر الشيخ من الاحتجاج به في ( المهذب ) كأنه لما ترجح عنده حال تصنيفه ، وفصل الدارقطني بأنه إن أفصح بتسمية جده عبد الله كان صحيحا ; لأن شعيبا سمع منه ولم يترك حديثه أحد من الأئمة ، وكذا إن قال عن جده : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ; لأن محمدا والد شعيب لم يدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلا فلا ، وكذا فصل غيره بأنه إن استوعب ذكر آبائه كما وقع في رواية عند ابن حبان ، فيها عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن محمد بن عبد الله بن عمرو ، عن أبيه ، فهو حجة أو يقتصر على قوله عن أبيه عن جده فلا ، لكن قد قال العلائي : إن ما يجيء فيه التصريح برواية محمد شاذ نادر ، لا سيما وقد قيل : إنه مات في حياة والده وإن الذي كفل شعيبا هو جده .

[ ص: 190 ] وبالجملة فالمعتمد من هذا كله الأول ، كما تقدم ، ولكن الظاهر كما قال شيخنا : إن شعيبا إنما سمع من جده بعض تلك الأحاديث ، والباقي صحيفة ، ويشهد له قول أبي زرعة : روى عنه الثقات . وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبيه عن جده ، وقالوا : إنما سمع أحاديث يسيرة وأخذ صحيفة كانت عنده فرواها وهو ثقة في نفسه ، إنما يتكلم فيه بسبب كتاب عنده ، وما أقل ما تصيب عنده مما روى عن أبيه عن جده من المنكر . ونحوه قول ابن معين : هو ثقة في نفسه ، وما روى عن أبيه عن جده لا حجة فيه ، فليس بمتصل ، وهو ضعيف من قبيل أنه مرسل ، وجد شعيب كتب جده عبد الله بن عمرو فكان يرويها عنه إرسالا ، وهي صحاح عن عبد الله غير أنه لم يسمعها ، قال شيخنا : فإذا شهد له ابن معين أن أحاديثه صحاح غير أنه لم يسمعها وصح سماعه لبعضها ، فغاية الباقي أن يكون وجادة صحيحة ، وهي أحد وجوه التحمل .

وقد صنف البلقيني ( بذل الناقد بعض جهده في الاحتجاج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ) وجمع مسلم جزءا فيما استنكره أهل العلم من حديث عمرو بن شعيب ، والحافظ عبد الغني بن سعيد فيمن روى عنه من التابعين ، ثم إن هذا القسم الثاني يتنوع أنواعا بالنظر لكثرة الآباء وقلتها ، ( و ) قد ( سلسل الآبا ) بالقصر ، أبو الفرج عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة بن [ ص: 191 ] عبد الله ( التميمي ) الفقيه الحنبلي ، وهو ـ كما قال ابن الصلاح ـ ممن كانت له ببغداد في جامع المنصور حلقة للوعظ والفتوى ، ( فعد ) فيما رواه روايته ( عن تسعة ) ، كل واحد منهم روى عن أبيه ، وذلك فيما رواه الخطيب ، قال : حدثنا عبد الوهاب المذكور من لفظه سمعت أبي أبا الحسن عبد العزيز يقول : سمعت أبي أبا بكر الحارث يقول : سمعت أبي أسدا يقول : سمعت أبي الليث يقول : سمعت أبي سليمان يقول : سمعت أبي الأسود يقول : سمعت أبي سفيان يقول : سمعت أبي يزيد يقول : سمعت أبي أكينة يقول : سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقد سئل عن الحنان المنان ، فقال الحنان : هو الذي يقبل على من أعرض عنه ، والمنان الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال .

( قلت ) : هكذا اقتصر ابن الصلاح على هذا العدد ، وقال : إنه من أظرف ذلك ، ( و ) لكن ( فوق ذا ورد ) فباثني عشر فيما أخبرني أبو المعالي بن الذهبي ، أنا أبو هريرة بن الحافظ ، أنا البهاء أبو محمد بن عساكر ، عن كريمة ابنة عبد الوهاب حضورا وإجازة قالت : أنا مسعود بن الحسن الثقفي ، والقاسم بن الفضل الصيدلاني ، وعبد الحاكم بن ظفر ، ومحمد بن علي بن محمد قالوا : أنا رزق الله بن عبد الوهاب التميمي ، سمعت أبي أبا الفرج عبد الوهاب بهذا السند إلى أكينة قال : سمعت أبي الهيثم يقول : سمعت أبي عبد الله يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( ما اجتمع قوم على ذكر إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ) وسنده كما قال العلائي : غريب جدا . قال : ورزق الله كان إمام الحنابلة في زمانه من الكبار المشهورين ، متقدما في عدة علوم ، مات سنة ثمان وثمانين وأربعمائة ( 488 ) ، وأبوه إمام مشهور أيضا ولكن جده عبد العزيز متكلم فيه كثيرا على إمامته ، واشتهر بوضع الحديث ، وبقية آبائه مجهولون لا ذكر لهم في شيء من الكتب أصلا ، وقد خبط فيهم عبد العزيز أيضا بالتغيير ; أي : فزاد في الثاني أبا لأكينة ، وهو الهيثم ، وجعله من رواية أبيه عبد الله وجعله صحابيا .

وبأربعة عشر في عدة أحاديث ، منها ما رواه أبو سعد بن السمعاني في الذيل [ ص: 192 ] قال : أنا أبو شجاع عمر بن أبي الحسن البسطامي الإمام بقراءتي وأبو بكر محمد بن علي بن ياسر الجياني من لفظه قالا : حدثنا السيد أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب من لفظه ببلخ ، حدثني سيدي والدي أبو الحسن علي بن أبي طالب سنة ست وستين وأربعمائة ، حدثني أبي أبو طالب الحسن بن عبيد الله سنة أربع وثلاثين وأربعمائة ، حدثني والدي أبو علي عبيد الله بن محمد ، حدثني أبي محمد بن عبيد الله ، حدثني أبي عبيد الله بن علي ، حدثني أبي علي بن الحسن ، حدثني أبي الحسن بن الحسين ، حدثني أبي الحسين بن جعفر ، وهو أول من دخل بلخا من هذه الطائفة ، حدثني أبي جعفر الملقب بالحجة ، حدثني أبي عبيد الله ، حدثني أبي الحسين الأصغر ، حدثني أبي زين العابدين علي بن الحسين بن علي ، عن أبيه ، عن جده علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ليس الخبر كالمعاينة ) . وحديث : ( المجالس بالأمانة ) . و : ( الحرب خدعة ) . و : ( المستشار مؤتمن ) . و : ( المسلم مرآة المسلم ) .

قال شيخنا : ولفظه : حدثني سيدي والدي . وهو اصطلاح لا يعرف في المتقدمين ، والمتون منكرة بهذا الإسناد ; يعني لكونها جاءت من غير هذه الطريق ، وقد أخرج أولها أحمد وابن منيع والطبراني عن ابن عباس ، وغيرهم عن أنس ، ونحوه قول ابن دحية في المولد : أخبرتني خالة أبي أمة العزيز قالت : حدثني [ ص: 193 ] جدي الحسن ، حدثني أبي موسى ، حدثني أبي علي ، حدثني أبي الحسين ، حدثني أبي جعفر ، حدثني أبي علي ، حدثني أبي محمد ، حدثني أبي علي ، حدثني أبي موسى ، حدثني أبي جعفر ، حدثني أبي محمد الباقر ، حدثني أبي علي ، حدثني أبي الحسين ، حدثني أبي علي بن أبي طالب قال : ( كان لي شارف من نصيبي ببدر ) . نقلته من خط مغلطاي .

وقد صنف ابن أبي خيثمة جزءا فيمن روى عن أبيه ، عن جده ، وهو فيما أعلم أول مصنف فيه ، وكذا المزي ، وأرسل به إلى الدمياطي شيخه ; لكونه كان أرسل إليه من مصر يسأله عن جمل من ذلك ، والعلائي وهو أجمع مصنف في ذلك سماه : ( الوشي المعلم فيمن روى عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ) وقد لخصه شيخنا ، وذكر أبو الفضل بن طاهر في آخر كتابه في ( المبهمات ) منه فصلا كبيرا ، والقطب القسطلاني منه جملة .

التالي السابق


الخدمات العلمية