فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
ثم هو على قسمين :

أحدهما : ما ليس له ضابط يرجع إليه ; لكثرة كل من القسمين كأسيد وأسيد مثلا ، أو الأقسام ; كحبان وحبان وحيان مثلا ، وذلك إنما يعرف بالنقل والحفظ ، وثانيهما : ما ينضبط لقلة أحد القسمين ، ثم تارة يراد فيه التعميم [ ص: 231 ] بأن يقال : ليس لهم كذا إلا كذا . أو التخصيص بالصحيحين و ( الموطأ ) بأن يقال : ليس في الكتب الثلاثة كذا إلا كذا . وقد ذكر ابن الصلاح من أمثلة كليهما عيونا مفيدة وتراجم عديدة ، فمن الأول ربما أدرج فيه ما هو كلي بالنسبة لقريش والأنصار .

( نحو سلام كله فثقل ) ; أي : شدد اللام من كله ، ( لا ) ; أي : إلا ( ابن سلام ) الصحابي الإسرائيلي ثم الأنصاري ( الحبر ) بفتح المهملة وكسرها ، وهو أفصح ; أي : العالم ، فقد كان أولا من أحبار أهل الكتاب ; بحيث نزل فيه بعد إسلامه : ( قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ) [ الرعد : 43 ] ، وقوله : ( وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ) [ الأحقاف : 10 ] . واسمه أولا الحصين ، فغيره النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله ، فهو بالتخفيف ( و ) إلا ( المعتزلي أبا علي ) الجبائي محمد بن عبد الوهاب بن سلام ، ( فهو ) أيضا ( خف ) أي مخفف ( الجد وهو ) ; أي : التخفيف ، ( الأصح ) ، وقال ابن الصلاح : إنه الأثبت ( في ) سلام ( أبي ) ; أي : والد محمد بن سلام بن الفرج ( البيكندي ) بكسر الموحدة - كما لأبي علي الجياني - وسكون المثناة التحتانية ، ثم كاف مفتوحة ونون ساكنة بعدها دال مهملة ، البخاري الحافظ أحد شيوخ البخاري صاحب ( الصحيح ) ، فهو الذي نقله غنجار في ( تاريخ بخارى ) عن أبي عصمة سهل بن المتوكل أحد الآخذين عن محمد ، وأنه بالتخفيف لا بالتشديد وأقره غنجار ، وإليه المفزع والمرجع ، فهو أعلم بأهل بلاده ، ولم يذكر الخطيب وابن ماكولا غيره ، وقال ابن زيدان المسكي : سألت عبد الغني المقدسي عنه فقال : إنه بالتخفيف لا غير . كذلك قرأته على أبي الفضل أحمد بن صالح الجيلي ، والذي قاله أبو علي الجياني في تقييد المهمل التشديد خاصة ، [ ص: 232 ] وصنيع ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل يقتضيه ، وقال كل من صاحب ( المشارق والمطالع ) : إنه الأكثر . قال شيخنا : ولم يتابع . وقال المصنف : وكأنه اشتبه بآخر شاركه في الاسم واسم الأب والنسبة ، حدث عن الحسن بن سوار الخراساني ، وعلي بن الجعد الجوهري ، روى عنه عبيد الله بن واصل البخاري ، وهو من أقرانه ، فإن ذاك بالتشديد فيما ذكره الخطيب في ( التلخيص ) وغيره ، واسم جده السكن ، وكان يقال له : البيكندي الصغير . وإلا فشيخ البخاري قد روينا من طريق أبي عصمة الماضي قريبا أنه سمعه يقول : أنا محمد بن سلام . بالتخفيف ، وهذا قاطع للنزاع ; ولذا صنف فيه المنذري ، وقد قرأه بعضهم بالتشديد ، فقال له المسمع : سلام عليكم .

( و ) إلا ( ابن أبي الحقيق ) بمهملة وقاف ، مصغر ، أبا رافع اليهودي الذي بعث إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من قتله ، وهو في حصن له من أرض الحجاز ، فهو سلام بالتخفيف ; لقول المبرد في ( الكامل ) : إنه ليس في العرب بالتخفيف إلا هو ، ووالد عبد الله الماضي أولا ، ولكن الذي في النسخة المعتمدة من سيرة ابن هشام في هذا التشديد ; ولذا قال شيخنا في ( الفتح ) : وقال ابن إسحاق : هو سلام . بتشديد اللام ، ولم يحك غيره ، كما أن ابن الصلاح ومن تبعه لم يحك غير التخفيف ، وصرح شيخنا في المشتبه بأنه ممن اختلف فيه ، وعلى هذا فيصح في ابن أبي الحقيق الجر أيضا ، على أنه قد قيل في اسمه أيضا : إنه عبد الله ، وله أخوان ; كنانة الذي كان أولا على أم المؤمنين صفية ابنة حيي ، والربيع الذي كان بعد وقعة بعاث رئيس بني قريظة ، وقتلهما النبي - صلى الله عليه وسلم - جميعا بعد فتح خيبر .

[ ص: 233 ] ( و ) إلا ( ابن مشكم ) بتثليث الميم ثم شين معجمة ساكنة ، وفتح الكاف ثم ميم ; لقول ابن الصلاح عقب حكاية قول المبرد الماضي ، وزاد آخرون سلام بن مشكم خمارا كان في الجاهلية ، قال ( والأشهر ) المعروف ( التشديد فيه فاعلم ) ذلك ، قال شيخنا تبعا لغيره : وفيه نظر ; لأنه ورد في الشعر الذي هو ديوان العرب مخففا . فقال ابن إسحاق في ( السيرة ) : وقال سماك اليهودي :

فلا تحسبني كنت مولى ابن مشكم سلام ولا مولى حيي بن أخطبا

وقال كعب بن مالك من قصيدة :


فطاح سلام وابن سعية عنوة     وقيد ذليلا للمنايا ابن أخطبا

وقال أبو سفيان بن حرب :


سقاني فرواني كميتا مدامة     على ظمأ مني سلام بن مشكم

وكل هذا دال للتخفيف .

قلت : وهو الذي في الأصل المعتمد من سيرة ابن هشام ، قال شيخنا : وكأن قول أبي سفيان هو السبب في تعريف ابن الصلاح له بكونه كان خمارا ، لكن قد عرفه ابن إسحاق في السيرة بأنه كان سيد بني النضير . قلت : وذلك في قصة أوردها ابن هشام في غزوة السويق من سيرته ، فقال : وكان أبو سفيان بن حرب - كما حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ويزيد بن رومان ، ومن لا أتهم ، عن عبد الله بن كعب بن مالك ، وكان من أعلم الأنصار - حين رجع إلى مكة نذر أن لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدا - صلى الله عليه وسلم - ، فخرج في مائتي راكب إلى أن قال حتى أتى بني النضير تحت الليل ، فأتى حيي بن أخطب ، فضرب عليه بابه ; فأبى أن يفتح له وخافه ، فانصرف عنه إلى سلام بن مشكم ، وكان سيد بني النضير في زمانه ذلك ، [ ص: 234 ] وصاحب خبرهم ، فاستأذن عليه فأذن له ، فقراه وسقاه وبطن له من أخبار الناس إلى أن ذكر خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - في طلبهم ، وذكر القصيدة التي قالها أبو سفيان لما صنع له سلام ، وفيها :

سقاني فرواني . . . البيت وقبله وهو أول الأبيات :

إني تخيرت المدينة واحدا     لحلف فلم أندم ولم أتلوم

وكذا قال أبو الفرج الأصبهاني صاحب ( الأغاني ) : إنه كان رئيس بني النضير . قال شيخنا وأبو سفيان لا يمدح من يكون خمارا ، بلى إنما كان أضافه فمدحه ، وقال غيره : بل ذلك لا يخرجه عن أن يكون خمارا ، ثم إنه لا يقال : لعل تخفيفه في الشعر للضرورة ، فذاك خلاف الأصل ، سيما مع تكرر وقوعه .

( و ) أما ( ابن محمد بن ناهض ) بالنون والهاء والضاد المعجمة المقدسي ( فخف ) ; أي : فمخفف اللام من سلام اسمه أيضا بلا خلاف ، واقتصر في اسمه على سلام ، أو ( زده هاء فكذا فيه اختلف ) بين الآخذين عنه ، فقاله بدونها أبو طالب أحمد بن نصر الحافظ ، وبإثباتها أبو القاسم الطبراني .

( قلت ) : وعلى هؤلاء الستة - أعني الصحابي الحبر ، وجد أبي علي الجبائي ، والبيكندي ، وابن أبي الحقيق ، وابن مشكم ، وابن ناهض - اقتصر ابن الصلاح ، ( وللحبر ) أولهم ( ابن أخت ) اسمه سلام ، عده في الصحابة ابن فتحون في ذيله على الاستيعاب ، ولم نقف على اسم أبيه ، ( خفف ) ; أي : لامه أيضا ، ( كذاك جد ) سعد بن جعفر بن سلام أبي الخير البغدادي ، ( السيدي ) بفتح المهملة وياء تحتانية ثقيلة مكسورة ; لكونه كان وكيل السيد أخت المستنجد ، روى سعد عن ابن البطي ومعمر بن الفاخر ، ويحيى بن ثابت بن بندار ومات سنة أربع عشرة وستمائة [ ص: 235 ] ( 614هـ ) ، ذكره ابن نقطة في ( التكملة ) فيما وجد بخطه ( و ) جد أبي نصر محمد بن يعقوب بن إسحاق بن محمد بن موسى بن سلام ( النسفي ) بفتح النون والسين المهملة ، قيده ابن السمعاني وغيره ، نسبة لنسف بكسر النون ، وفتحت للنسب ، كالنمري ، وينسب أيضا السلامي لجده المذكور يروي عن زاهر بن أحمد وأبي سعيد عبد الله بن محمد الرازي ، مات بعد الثلاثين وأربعمائة ، ذكره الذهبي ، وكذا عم سلمة بن سلام أخو الحبر صحابي أيضا ، ذكره ابن منده ، وكذا ابن فتحون في الذيل ، لكن قال : إنه ابن أخي الحبر ، ومع ذلك فلم يسم أباه ، وكذا للحبر ولدان ; يوسف ، له رؤية ، بل وحفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومحمد ، ذكر في الصحابة أيضا .

ولأولهما ابن اسمه حمزة روى عن أبيه ، وحفيد اسمه محمد بن حمزة ، روى عنه الوليد بن مسلم وغيره ، وإبراهيم وعبد الله ابنا البيكندي الكبير الماضي ، ولكن أغنى عن ضبط الأخيرين ذكر أبيهما ، وعن الخمسة قبلهما ذكر الحبر ، نعم لهم علي بن يوسف بن سلام بن أبي دلف البغدادي شيخ للدمياطي ، وهو الذي ضبطه ، وكان اسم سلام عبد السلام ، فخفف .

ومن ذلك عمارة فـ ( عين أبي ) بالضم مصغر ، ( ابن عمارة ) الصحابي المخرج حديثه في أبي داود وابن ماجه والحاكم ، وقيل : إنه صلى للقبلتين ، ( اكسر ) خاصة على المشهور ، قال ابن الصلاح : ومنهم من ضمها ، ومن عداه فبالضم جزما ، وفاته عمارة بالفتح ثم التثقيل ، وهم رجال ونساء ، فالرجال جعفر بن أحمد بن عمارة الحربي ، عن سعيد بن البنا ، وابناه : قاسم وأحمد ، ومدرك بن عبد الله بن القمقام بن عمارة بن مالك القضاعي ، ولي لعمر بن عبد العزيز الجزيرة ، وبركة بن عبد الرحمن بن أحمد بن عمارة سمع أبا المظفر بن أبي البركات قيده الشريف عز الدين في الوفيات ، وأبو عمر محمد بن عمر بن علي بن عمارة [ ص: 236 ] الحربي ، وأبو القاسم محمد بن عمارة الحربي النجار ، روى عن عبد الله بن أبي المجد وغيره ، وبنو عمارة بطن منهم المجذر بالذال المعجمة ، واسمه عبد الله بن زياد بن عمرو بن أخزم بن عمرو بن عمارة بن مالك البلوي ، وقريبه يزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو ، وأخواه : بحاث وعبد الله صحابة ، والنساء عمارة ابنة عبد الوهاب الحمصية ، روى عنها ابنها أحمد بن نصر ، وعمارة ابنة نافع بن عمر الجمحي ، وهي أم محمد بن عبد الله بن عبد الرزاق بن عمر بن عبد الله بن جميل ، الذي كان على بيت المال ببغداد لأمير المؤمنين المامون ، وعمارة عن أبي ظلال ، وعنها أبو يوسف محمد بن أحمد الصيدلاني الرقي وهي جدته ، وعمارة الثقفية زوج محمد بن عبد الوهاب الثقفي ، يقول فيها ابن مناذر من أبيات : محمد زوج عمارة .

وعمارة امرأة يزيد بن ضبة يقول فيه عنترة بن عروس مما أنشده الآمدي : تقول عمارة لي ياعنترة .

ومن ذلك كريز كله بالضم ، مصغر ، وليس في عبد شمس بن عبد مناف ، كما نقله الجياني في تقييد المهمل عن محمد بن وضاح غيره ، ( وفي خزاعة كريز ) يعني فقط ( كبر ) ، ومنهم طلحة بن عبيد الله بن كريز تابعي ، وابنه عبيد الله عن الحسن والزهري ، قال ابن الصلاح : ولا يستدرك - يعني على الحصر في خزاعة - أيوب بن كريز الراوي عن عبد الرحمن بن غنم ; لكون عبد الغني ضبطه بالفتح ; فإنه بالضم عند الدارقطني وغيره ; أي : كابن ماكولا .

[ ص: 237 ] ( و ) من ذلك حزام فقل ( في قريش أبدا حزام ) بكسر الحاء المهملة وبالزاء المنقوطة ( وافتح ) الحاء أبدا ( في الأنصار ) بالنقل مع الإتيان ( برا ) مهملة بدل المنقوطة وبالقصر ، فقل : ( حرام ) . وليس المراد بهذا إلا ضبط ما في هاتين القبيلتين خاصة ، فلا يعترض بأنه وقع حزام بالزاء في خزاعة وبني عامر بن صعصعة وغيرهما ، وحرام بالراء في بلى وخثعم ، وجذام وتميم بن مربل ، وفي خزاعة أيضا .

وفي عذرة وبني فزارة وهذيل وغيرهم ; فضلا عن أن يقال : لهم خرام . بخاء معجمة مضمومة وراء ثقيلة ، وخزام بفتح المعجمة ثم زاء ثقيلة ، وخزام بضم المعجمة ثم زاء خفيفة ، كما بين كل ذلك في محاله ، نعم إدخال هذه الترجمة في أثناء ما هو كلي ملبس لا سيما والاشتباه فيها لغير البارع باق أيضا ، فإنه قد يمر الراوي غير منسوب ، فلا يدري الطالب من أي القبيلتين هو .

ومن ذلك عنسي ، فالذي ( في الشام ) بالهمزة الساكنة ، وتركها من لغاته كما سبق مثله في آخر الصحابة ، لا سيما داريا منها ، ( عنسي بنون ) ثم سين مهملة ، نسبة لعنس حي من مذحج في اليمن ، كعمير بن هانئ تابعي ، ومحمد بن الأسود روى عن عمر ( و ) عبسي ( ببا ) بموحدة بدل النون وبالقصر للضرورة ، ( في كوفة ) بالصرف للضرورة نسبة في الأكثر لعبس غطفان ، كربعي بن حراش وعبيد الله بن موسى ، ( و ) عيشي ( بالشين ) المعجمة ( واليا ) المثناة التحتانية وبالقصر للضرورة أيضا ، نسبة لعائشة ابنة أحد العشرة طلحة ; كعبيد الله بن محمد بن حفص ، ولبني عائشة [ ص: 238 ] ابنة تيم الله ، كمحمد بن بكار بن الريان ، ( غلبا ) الذي بالمعجمة والتحتانية ; أي : هو الأغلب ، ( في بصرة ) بتثليث الموحدة ، والكسر أصحها ، كما تقدم في معرفة الصحابة ، وبالصرف أيضا لا جميعهم ، بل المذكور في كل من الشام والكوفة هو الغالب أيضا ، كما هو مقتضى صنيع ابن الصلاح ; فإنه قال : ذكر أبو علي البرداني أنه سمع الخطيب الحافظ يقول : العيشيون - يعني بالمعجمة - بصريون ، والعبسيون - يعني بالموحدة - كوفيون ، والعنسيون - يعنى بالنون - شاميون . ثم قال : وقد قاله قبله الحاكم . قال - أعني ابن الصلاح - : وهذا يعني في الجميع على الغالب . انتهى .

ثم إنه لا ينتقد هذا الضابط بقول ابن سعد عن الكلبي : إنه ليس بالكوفة والبصرة رهاوي ولا عنسي ، وهم باليمن والشام كثير ، حيث اقتضى أنه بالنون في اليمن أيضا . ونحوه قول ابن ماكولا ، وابن السمعاني في العنسيين : وعظم عنس في الشام . وابن ماكولا في العيشيين : إنهم جماعة كثيرة ، عامتهم بالبصرة . فالضابط إنما هو لخصوص الثلاثة ، كما أنه لا ينتقد بالعيشي كالثالث ، لكن بكسر أوله ، والعيسي بالكسر أيضا ، لكن سينه مهملة ، أو الغشتي بفتح المعجمة وسكون الشين المعجمة بعدها مثناة أو الغيشي ، بكسر المعجمة ثم تحتانية ساكنة ثم معجمة ، كما بين في محاله .

نعم ينتقد بمن يكون من الكوفة ، وهو عيشي بالمثناة التحتانية والمعجمة ، أو عنسي بالنون ، كعمار بن ياسر الصحابي ; فإنه - مع كونه معدودا في الكوفيين - عنسي بالنون ، والظاهر أنها نسبة لعنس الذي انتسب إليه الشاميون ، فياسر والد عمار ، وكان صحابيا أيضا ، كان ممن قدم اليمن ، أو بمن يكون من الشام ، وهو عبسي بالموحدة ، أو عيشي بالتحتانية والمعجمة ، أو من البصرة ، وهو عنسي بالنون أو عبسي بالموحدة ، ويأتي في كون هذه الترجمة ليست كلية ، وكذا فيمن جاء غير منسوب ، ما قلنا في الترجمة قبلها .

[ ص: 239 ] ومن ذلك أبو عبيدة ، وكله بالضم والتصغير ، ( وما لهم ) ; أي : الرواة ، كما قاله الدارقطني ( من اكتنى أبا عبيدة بفتح ) في أوله ثم كسر لثانيه وبالصرف للضرورة ، وهو كذلك كما قال شيخنا في المتقدمين فمن بعدهم من المشارقة ، ووجد في المائة الخامسة من المغاربة أحمد بن عبد الصمد بن أبي عبيدة من شيوخ القاضي أبي القاسم بن بقي ، ضبطه ابن عبد الملك في التكملة بفتح العين ، وأرخه سنة ست وثمانين وخمسمائة ( 586هـ ) .

ومن ذلك السفر بالفاء ، فالأسماء كلها بالسكون ، السفر بن نسير عن أبي هريرة ، وأبو الفيض يوسف بن السفر ، ( والكنى في السفر بالفتح ) ، قال ابن الصلاح : ومن المغاربة من يسكن الفاء أي : من أبي السفر سعيد بن يحمد التابعي ، يعني والد عبد الله ، قال : وذلك خلاف ما حكاه الدارقطني عن أصحاب الحديث ، ووافقه المزي في هذا الضابط فقال : الأسماء بالسكون ، والكنى بالحركة . وأما السقر بالقاف الساكنة ، فلهم جماعة مسمون بذلك ، وهم سقر بن عبد الرحيم ، عن عمه شعبة ، وسقر بن عبد الرحمن أبو بهز الكوفي سبط مالك بن مغول ، شيخ لأبي يعلى الموصلي ، عن شريك والكوفيين ، وسقر بن حسين الحذاء عن العقدي ، وسقر بن عداس ، عن سليمان بن حرب ، وسقر بن حبيب اثنان ، روى أحدهما عن عمر بن عبد العزيز ، والآخر عن أبي رجاء العطاردي ، وسقر بن عبد الله ، عن عروة ، وكذا لهم في الكنى من ذلك أيضا أبو السقر يحيى بن يزداد ، [ ص: 240 ] عن حسين بن محمد المروزي ، لكن نقل عن شيخنا أن كل من بالقاف يعني من الأسماء والكنى الأشهر فيه الصاد بدل السين ، واقتصر في المشتبه على حكايته بدون ترجيح فقال : ويقال في هؤلاء بالصاد . وكذا ذكر ابن حبان سقر بن عبد الرحمن الماضي في كل من الحرفين ، ولهم أيضا شقر بفتح الشين المعجمة والقاف ، حي من تميم ينسب إليهم الشقريون ، قال الدارقطني : ومعاوية بن الحارث بن تميم سمي الشقر يعني بفتح الشين وكسر القاف ; لقوله :


وقد أحمل الرمح الأصم كعوبه     به من دماء القوم كالشقرات

وقال وهو أبو حي من تميم ، والشقر هو شقائق النعمان ، وفيه نظر ، فمعاوية إنما هو الشقره بهاء في آخره ، كما صرح به غير واحد ، وشقر بضم ثم سكون مدينة بالأندلس ، وحينئذ فما حصل بهذا الضابط تمييز إلا في خصوص الفاء .

ومن ذلك عسل ( وما لهم ) ; أي : الرواة ( عسل ) بفتح المهملتين ( إلا ابن ذكوان ) بذال معجمة ، الأخباري البصري أحد من لقي الأصمعي ، ذكره الدارقطني وغيره ، ( و ) أما ( عسل ) بكسر أوله وسكون ثانيه ( فجمل ) بضم الجيم وفتح الميم ، جمع جملة ; أي : فكثير ، وهم عسل بن سفيان ، عن عطاء ، وصبيغ بن شريك بن المنذر بن قطن بن قشع بن عسل بن عمرو بن يربوع التميمي ، وربما نسب لجده الأعلى فقيل : صبيغ بن عسل ، وأخوه ربيعة ، شهد الجمل ، وابن أخيهما عسل بن عبد الله [ ص: 241 ] حدث عن عمه صبيغ ، بل قال ابن الصلاح : إنه وجد ابن ذكوان - بخط الإمام منصور الأزهري في تهذيب اللغة له - كذلك ، قال : ولا أراه ضبطه . وزعم مغلطاي أنه راجع نسختين من ( المحكم ) فلم ير ذلك فيه ، فالله أعلم .

ومن ذلك عثام ( والعامري ) الكوفي ( ابن علي ) بالسكون ، ابن هجير ، بهاء ثم جيم وآخره راء ، مصغر ، اسمه ( عثام ) بمهملة مفتوحة ثم مثلثة مشددة ، يروي عن هشام بن عروة والأعمش وغيرهما ، وكذا حفيده المشارك له في اسمه واسم أبيه عثام بن علي ، ( و ) أما ( غيره ) ; أي : غير من ذكر كغنام بن أوس الصحابي ، وعبيد بن غنام الكوفي راوية أبي بكر بن أبي شيبة ، ( فالنون والإعجام ) ; أي : فهو غنام بالغين المعجمة والنون .

تنبيه : وقع في بعض النسخ من النظم هنا . ( قلت : ابن عثام صحابي وله في الذكر ثلاثة وأعجم أوله ) والصواب - فيه كما ضبطه الأمير - الإعجام والنون ، وبه جزم شيخنا ; ولذلك لم يثبت في جميع النسخ ، والله أعلم .

ومن ذلك قمير ( وزوج مسروق ) هو ابن الأجدع ، اسمها ( قمير ) بفتح القاف ثم ميم مكسورة ابنة عمرو ، تروي عن عائشة وعنها الشعبي ، و ( صغروا ) ; أي : أهل الحديث ( سواه ) ; أي : الاسم المذكور حال كونه ( ضما ) ; أي : مضموما أوله ; كزهير بن محمد بن قمير الشاشي عن عبد الرزاق ، ومكي بن قمير عن جعفر بن سليمان .

ومن ذلك مسور ، ( ولهم مسور ) بضم الميم ثم مهملة مفتوحة بعدها [ ص: 242 ] واو مشددة وآخره راء اثنان : أحدهما ( ابن يزيد ) الكاهلي الأسدي ثم المالكي ، صحابي ، حديثه عند أبي داود ، روى عنه يحيى بن كثير ، ( و ) ثانيهما ( ابن عبد الملك ) اليربوعي حدث عنه معن القزاز ، هكذا ذكرهما ابن الصلاح ثم الذهبي ، واقتصر الدارقطني ثم ابن ماكولا على أولهما ولم يستدرك ابن نقطة ولا غيره عليهما أحدا ، وصنيع البخاري في تاريخه الكبير ، حيث ذكر ابن عبد الملك في باب مسور بن مخرمة المخفف ، يشهد لهم لكنه أعاد ذكره في المشدد مع ابن يزيد ولم يذكر غيرهما ، وقول المصنف : إنه ذكر مع ابن يزيد في المشدد مسور بن مرزوق ، لم أره في النسخة التي عندي بتاريخ البخاري ، بل لم أر ابن مرزوق فيه أصلا مع قول شيخنا في المشتبه : إنه هو وابن عبد الملك اختلفت نسخ التاريخ فيهما تشديدا وتخفيفا ، بل قال في ( الإصابة ) : إنه أورد ابن يزيد مع ابن مخرمة فاقتضى تخفيفه ، ( وما سوى ذين ) ; أي : ابن يزيد وابن عبد الملك ، ( فمسور ) بكسر الميم ثم مهملة ساكنة فيما ( حكي ) عند ابن الصلاح ثم الذهبي كما تقدم .

ومن ذلك الحمال ( ووصفوا ) ; أي : أهل الحديث ( الحمال ) بالحاء المهملة ثم الميم المشددة أي : وصفوا بالحمال ، ( في الرواة ) للحديث خاصة أو فيمن ذكر منهم في الكتب المتداولة ، ( هارون ) بن عبد الله بن مروان البغدادي البزاز الحافظ والد موسى ( والغير ) ; أي : وغير هارون ( بجيم ) بدل الحاء ( ياتي ) بالإبدال ، كمحمد بن مهران أبي جعفر الرازي ، شيخ للشيخين ، وأسيد بن زيد بن نجيح الهاشمي الكوفي ، شيخ للبخاري ، وأيوب الجمال كان يعتقد بدمشق ، قال [ ص: 243 ] الذهبي : كنت أرى أبي يسلم عليه ، ونوزع ابن الصلاح في الحصر ; فإنه وإن قيد بالوصف ، ليخرج من تسمى بذلك كحمال بن مالك ، أخي مسعود اللذين شهدا القادسية مع سعد وقتلا الفيل ، وأبيض بن حمال المأربي الصحابي ، مع كون هارون مختصا عنهم صاحبة التعريف والاستغناء بذلك عن التقييد ، فلهم ممن وصف بالحمال بالمهملة والتشديد ، رافع بن نصر الحمال الفقيه صاحب أبي إسحاق ، سمع أبا عمر بن مهدي ، وأبو القاسم مكي بن علي بن بنان الحمال أحد الرواة ، وأبو العباس أحمد بن محمد بن الدبس الحمال أحد شيوخ أبي النرسي ، وزاهد مصر أبو الحسن الحمال ، واسمه بنان بن محمد بن حمدان البغدادي ، قيل : أصله من واسط ، مات بعد الثلاث مائة ، كان فاضلا وليا ، له رواية عن الحسن بن عرفة وغيره ، وأيوب الحمال الزاهد ببغداد ، وأكثرهم وارد على الحصر ; ولذا قال شيخنا في المشتبه تبعا لأصله فيمن بالمهملة بعد تسمية هارون ، وآخرون ، ويمكن أن يقال : ليس لهؤلاء ذكر في الكتب المتداولة ، كما أن في غيرها أيضا جماعة يلقبون الجمال بالجيم والميم المخففة ، وفيهم كثرة ، وأبو الجمال جد أبي علي يحيى بن علي بن يحيى بن أبي الجمال الحراني ، ذكره أبو عروبة الحراني في تاريخه ، وقال : إنه مات سنة تسع وثمانين ومائتين ( 289هـ ) ، وأبو الجمال الحسين بن القاسم بن عبيد الله وزير المقتدر ، وجمال ابنة قيس بن مخرمة ، وجمال ابنة عون بن مسلم ، وجمال ابنة النعمان بن أبي حزم بن كعب بن عتيك الأنصاري ، تزوجها عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب ، فهي أم أولاده ، غير أنه لذلك لا يكون ضابطا كليا .

ثم إنه قد اختلف في سبب وصف هارون بالحمال ، فقيل : إنه كان بزازا ، ثم تزهد وصار يحمل الشيء بالأجرة ويأكل منها ، حكاه عبد الغني بن سعيد عن القاضي أبي الطاهر الذهلي ، وقيل : بل عكسه كان حمالا ، ثم تحول إلى البز ، حكاه [ ص: 244 ] ابن الجارود في كتابه ( الكنى ) عن ولده موسى بن هارون ، وزعم الخليلي وابن الفلكي أنه لكثرة ما حمل من العلم ، قال ابن الصلاح : ولا أرى ما قالاه يصح ، وكأنه لأن القاضي أبا الطاهر كان صاحب موسى ولد هارون ، فهو أخبر وقوله أنسب بالزهد ، ولا ينافيه قول غيره : إنه حمل رجلا في طريق مكة على ظهره فانقطع فيما يقال به .

ومن ذلك الخياط ( ووصفوا ) ; أي : أهل الحديث ( حناطا ) بالمهملة ثم النون ( أو ) بالنقل ( خباطا ) بالمعجمة ثم الموحدة أي : بكل من الحناط والخباط ( عيسى ) بن أبي عيسى ميسرة ، ( ومسلما ) هو ابن أبي مسلم ، و ( كذا ) وصفوا كلا منهما ( خياطا ) بالمعجمة ثم التحتانية أي : بالخياط ، فبأي وصف من هذه الثلاثة وصف به واحد من هذين - كان صحيحا ، والغلط لذلك مأمون فيهما ، قاله الدارقطني .

ثم ابن ماكولا لقول ابن معين كما نقله الدارقطني في مسلم : إنه كان يبيع الخبط والحنطة وكان خياطا . وقوله أيضا في عيسى : إنه كان كوفيا وانتقل إلى المدينة وكان خياطا ، ثم ترك ذلك وصار حناطا ثم ترك ذلك وصار يبيع الخبط . بل قال هو عن نفسه فيما حكاه ابن سعد : أنا خياط وحناط وخباط ، كلا قد عالجت . ولكن مع هذا فاشتهاره إنما هو بالمهملة والنون ، واشتهار الآخر بالمعجمة والموحدة ; ولذا رجح الذهبي في كل واحد ما اشتهر به .

[ ص: 245 ] ومن ذلك مما أدخله ابن الصلاح في القسم بعده ، السلمي ، ( والسلمي ) بالنصب مفعول مقدم ( افتح ) ; أي : افتح السين واللام من السلمي ، ( في الانصار ) بالنقل خاصة ، كأبي قتادة فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وجابر بن عبد الله ، نسبة إلى بني سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن شاردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج ، بفتح السين وكسر اللام ، ولكنها فتحت في النسب كالنمري والصدفي وبابهما ، قال السمعاني : وهذه النسبة عند النحويين . قال : وأصحاب الحديث يكسرون اللام ، وعليه اقتصر ابن باطيش في ( مشتبه النسبة ) ، وجعل المفتوح اللام نسبة إلى سليمة من عمل حماة ، ( ومن يكسر لامه ) ; أي : لفظ السلمي ، وهم أكثر المحدثين ( كأصله ) فقد ( لحن ) ، وهذا ضابط لما في الأنصار خاصة ، وإلا فلهم في غيرها بالفتح أيضا جماعة ممن انتسب إلى أجداده ; كبني سلمة بطن من لخم وغيرهم ، ويشتبه ذلك كله بالسلمي بضم السين وفتح اللام نسبة إلى بني سليم ، وهم خلق كعباس بن مرداس .

التالي السابق


الخدمات العلمية