فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
ولما تم أصحاب الكتب ; أصول الإسلام ، أردف بأئمة انتفع بتصانيفهم مع ما أضيف إليهم من نمطهم ( ثم لـ ) مضي ( خمس وثمانين ) عاما من القرن الرابع ( تفي ) بدون نقص ، وذلك في يوم الأربعاء لثمان خلون من ذي القعدة مات ( الدارقطني ) بفتح الراء وإسكان آخره ، نسبة لدار القطن ، وكانت محلة كبيرة ببغداد ، البغدادي الشافعي ، وهو الحافظ الفقيه أبو الحسن علي بن عمر صاحب السنن والعلل وغيرهما ، أرخه عبد العزيز الأزجي ودفن قريبا من قبر معروف الكرخي ، ومولده كما قاله عبد الملك بن بشران : في سنة ست وثلاثمائة زاد غيره : في ذي القعدة أيضا ، فعاش تسعا وسبعين سنة .

( ثمت ) أي : ثم ، لغة فيها ، الحافظ ( الحاكم ) أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري المعروف بابن البيع صاحب ( المستدرك ) و ( التاريخ ) و ( علوم الحديث ) وغيرها ( في خامس قرن عام خمسة ) تمضي منه أي : سنة خمس وأربعمائة ، ( فني ) أي : مات بنيسابور ، فيما قاله الأزهري وعبد الغافر في السياق ، ومحمد بن يحيى المزكي ، وزاد في صفر ، ومولده أيضا ، بنيسابور في شهر ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة .

[ ص: 345 ] ( وبعده ) أي : بعد الحاكم ( بأربع ) من السنين مات الحافظ أبو محمد ( عبد الغني ) بن سعيد بن علي الأزدي المصري صاحب المؤتلف وغيره ، وذلك لسبع خلون من صفر سنة تسع وأربعمائة فيما قاله أبو الحسن أحمد بن محمد العتيقي بمصر عن سبع وسبعين سنة .

( فـ ) بعده ( في الثلاثين ) من السنين بعد الأربعمائة أيضا ، وذلك في بكرة يوم الاثنين ، العشرين من المحرم مات الحافظ ( أبو نعيم ) أحمد بن عبد الله الأصبهاني مؤلف معرفة الصحابة وتاريخ أصبهان وعلوم الحديث وغيرها فيما أرخه يحيى بن عبد الوهاب بن منده بها ، وسئل عن مولده فقال : في شهر رجب سنة ست وثلاثين وثلاثمائة .

( ولـ ) مضي ( ثمان ) من السنين مات من طبقة أخرى تلي هذه في الزمن الحافظ الفقيه أبو بكر أحمد بن الحسين الشافعي ، ( بيهقي القوم ) أي : الحفاظ وأئمة الشافعية لاحتياجهم لتصانيفه الشهيرة وانتفاعهم بها ، ونسب لبيهق بفتح الموحدة وسكون المثناة التحتانية بعدها هاء مفتوحة ثم قاف ، وهي قرية مجتمعة بنواحي نيسابور على عشرين فرسخا منها ، وكانت قصبتها خسروجرد ، ( من بعد ) مضي ( خمسين ) وأربعمائة ، وذلك في عاشر جمادى الأولى من سنة ثمان وخمسين بنيسابور ، وحمل تابوته إلى بيهق ، قاله السمعاني ، قال : وكان مولده سنة أربع وثمانين وثلاثمائة .

( وبعد ) مضي ( خمسة ) من وفاة الذي قبله مات ( خطيبهم ) أي : الحفاظ والمسلمين ، الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي الشافعي ، ( و ) كذا [ ص: 346 ] ( النمري ) بفتح النون والميم ، نسبة إلى النمر بكسر الميم ، وهي من شواذ النسب التي تحفظ ، ولا يقاس عليها ، كالنسبة إلى أمية بضم الهمزة أموي بفتحها ، وأبي سلمة بكسر اللام سلمي بفتحها كما تقدم ، الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي المالكي مؤلف ( الاستيعاب ) وجملة ، كلاهما ( في سنة ) واحدة ، وهي كما علمته سنة ثلاث وستين وأربعمائة ،فالخطيب في ذي الحجة منها ببغداد ، أرخه ابن شافع ، وزاد غيره في سابعه ، وأن مولده في جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة ، وقيل : سنة اثنتين . وهو المحكي عن الخطيب نفسه ، والآخر في سلخ شهر ربيع الآخر منها بشاطبة من الأندلس عن خمسة وتسعين سنة وخمسة أيام ، فإن مولده فيما حكاه عنه طاهر بن مفوز يوم الجمعة والإمام يخطب لخمس بقين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة .

قال ابن كثير : وقد كان ينبغي لابن الصلاح أن يذكر مع هؤلاء جماعة من الحفاظ اشتهرت أيضا تصانيفهم بين الناس ، ولا سيما عند أهل الحديث ; كأبي بكر البزار وأبي يعلى الموصلي وإمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة صاحب الصحيح ، وتلميذه أبي حاتم محمد بن حبان البستي صاحب الصحيح أيضا ، والطبراني صاحب المعاجم الثلاثة وغيرها ، وأبي أحمد بن عدي صاحب ( الكامل ) .

قلت : والظاهر أن ابن الصلاح لم يقصد المكثرين خاصة وإنما أراد مع انضمام تصانيف في بعض أنواع علوم الحديث ، اشتهرت وعم الانتفاع بها ، [ ص: 347 ] وبنحو ذلك يعتذر عن عدم ذكره لابن ماجه ، وهو كونه ساذجا عما حرص عليه أصحاب الكتب الخمسة من المقاصد التي بتدبرها يتمرن المحدث خصوصا ، وفيه أحاديث ضعيفة جدا ، بل منكرة ، بل قال الحافظ المزي فيما نقل عنه : إن الغالب فيما انفرد به الضعف . ولذا لم يضفه غير واحد كرزين السرقسطي وابن الأثير وغيرهما إلى الخمسة .

تتمة : يقع في كلامهم : فلان المتوفى ، وأنت في فتح الفاء وكسرها بالخيار ، والكسر موجه بالمتوفي لمدة حياته ، ويشهد له قوله تعالى : ( والذين يتوفون منكم ) على قراءة علي في فتح الياء ، أي : يستوفون آجالهم ، وإن حكي أن أبا الأسود الدؤلي كان مع جنازة فقال له رجل : من المتوفي ؟ بكسر الفاء ، فقال : الله . وإنها كانت أحد الأسباب الباعثة لأمر علي له بالنحو ، فقد قيل يعني على تقدير صحة الحكاية : إنه اقتصر على ما يحتمله فهمه ويتعقله خصوصا ، وهو القائل : حدثوا الناس بما يعرفون .

التالي السابق


الخدمات العلمية