صفحة جزء
7263 - حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني ، ثنا أبي ، ثنا ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، قال : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثني عشر ألفا من : المهاجرين ، والأنصار ، وغفار ، وأسلم ، ومزينة ، وجهينة ، وبني سليم ، وقادوا الخيول حتى نزلوا بمر الظهران ، ولم تعلم بهم قريش ، فبعثوا بأبي سفيان ، وحكيم بن حزام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : خذوا لنا منه جوارا ، أو آذنوه بالحرب ، فخرج أبو سفيان بن حرب ، وحكيم بن حزام ، فلقيا بديل بن ورقاء ، فاستصحباه حتى إذا كانوا بالأراك من مكة ، وذلك عشاء رأوا الفساطيط والعسكر ، وسمعوا صهيل الخيل ، فراعهم ذلك ، وفزعوا منه ، وقالوا : هؤلاء بنو كعب جاشتها الحرب ، قال بديل : هؤلاء أكثر من بني [ ص: 7 ] كعب ، ما بلغ تأليبها هذا ، أفتنتجع هوازن أرضنا ؟ والله ما نعرف هذا أيضا ، إن هذا لمثل حاج الناس ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بعث بين يديه خيلا يقبض العيون ، وخزاعة على الطريق لا يتركون أحدا يمضي ، فلما دخل أبو سفيان وأصحابه عسكر المسلمين أخذتهم الخيل تحت الليل ، وأتوا بهم خائفين للقتل فقام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى أبي سفيان ، فوجأ عنقه ، والتزمه القوم ، وخرجوا به ليدخلوا به على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحبسه الحرس أن يخلص إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخاف القتل ، وكان العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - خالصه له في الجاهلية ، فنادى بأعلى صوته : ألا تأموا بي إلى عباس ، فأتاه ودفع عنه ، وسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقبضه إليه ، ومشى في القوم مكانه ، فركب به عباس تحت الليل ، فسار به في عسكر القوم حتى أبصروه أجمع ، وكان عمر - رضي الله عنه - قد قال لأبي سفيان حين وجأ عنقه : والله لا تدنو من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تموت ، فاستغاث بعباس ، فقال : إني مقتول فمنعه من الناس أن ينتهبوه ، فلما رأى كثرة الجيش وطاعتهم قال : لم أر كالليلة جمعا لقوم ، فخلصه عباس من أيديهم ، وقال : إنك مقتول إن لم تسلم وتشهد أن محمدا رسول الله ، فجعل يريد أن يقول الذي يأمره عباس به ، ولا ينطلق لسانه ، فبات مع عباس ، وأما حكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء ، فدخلا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلما وجعل يستخبرهما على أهل مكة ، فلما نودي بالصلاة الصبح تخشخش القوم ، ففزع أبو سفيان فقال : يا عباس ، ماذا تريدون ؟ قال : هم المسلمون تيسروا لحضور النبي - صلى الله عليه وسلم - فخرج به عباس ، فلما أبصرهم أبو سفيان يمرون إلى الصلاة في صلاتهم يركعون ويسجدون إذا سجد ، قال : يا عباس ، أما يأمرهم بشيء إلا فعلوه ؟ فقال عباس : لو نهاهم عن الطعام والشراب لأطاعوه . فقال : يا عباس ، فكلمه في قومك هل عنده من عفو عنهم ؟ فانطلق عباس بأبي سفيان ، حتى أدخله على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال عباس : يا رسول الله ، هذا أبو سفيان فقال أبو [ ص: 8 ] سفيان : يا محمد ، إني قد استنصرت إلهي ، واستنصرت إلهك فوالله ، ما لقيتك من مرة إلا ظهرت علي ، فلو كان إلهي محقا ، وإلهك مبطلا لظهرت عليك ، فشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله . فقال عباس : يا رسول الله ، إني أحب أن تأذن لي إلى قومك ، فأنذرهم ما نزل ، وأدعوهم إلى الله وإلى رسوله ، فأذن له . فقال عباس : كيف أقول لهم يا رسول الله بين لي من ذلك أمانا يطمئنون إليه ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تقول لهم : " من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وشهد أن محمدا رسول الله ، وكف يده فهو آمن ، ومن جلس عند الكعبة فوضع سلاحه فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن " .

قال عباس : يا رسول الله ، أبو سفيان ابن عمنا ، وأحب أن يرجع معي ، ولو أخصصته بمعروف ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن " فجعل أبو سفيان يستفقهه ، ودار أبي سفيان بأعلى مكة ، وقال : " من دخل دار حكيم بن حزام ، وكف يده فهو آمن " ودار حكيم بن حزام بأسفل مكة .

وحمل النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا على بغلته البيضاء التي كان أهداها له دحية الكلبي ، فانطلق عباس بأبي سفيان قد أردفه ، فلما سار عباس بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - في أثره فقال : " أدركوا عباسا ، فردوه علي " وحدثهم بالذي خاف عليه فأدركه الرسول ، فكره عباس الرجوع ، وقال : أيرهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرجع أبا سفيان راغبا في قلة الناس فيكفر بعد إسلامه ؟ فقال : " احبسه " ، فحبسه فقال أبو سفيان : أغدرا يا بني هاشم فقال عباس : إنا لسنا نغدر ، ولكن لي إليك بعض الحاجة . قال : وما هي ، فأقضيها لك ؟ فقال : يعادها حين يقدم عليك خالد بن الوليد والزبير بن العوام ، فوقف عباس بالمضيق دون الأراك من منى ، وقد وعى أبو سفيان عنه حديثه ، ثم بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبور الخيل بعضها على أثر بعض ، وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيل شطرين ، فبعث الزبير وردفه خالدا بالجيش من أسلم وغفار وقضاعة ، فقال أبو سفيان : رسول الله ، هذا يا عباس ؟ قال : لا ولكن خالد بن الوليد ، وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعد بن عبادة بين يديه في كتيبة من [ ص: 9 ] الأنصار ، فقال : اليوم يوم الملحمة ، اليوم تستحل الحرمة ، ثم دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتيبة الإيمان من المهاجرين والأنصار ، فلما رأى أبو سفيان وجوها كثيرة لا يعرفها قال : يا رسول الله أكثرت إذا ، أو اخترت هذه الوجوه على قومك ؟ . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أنت فعلت ذلك وقومك ، إن هؤلاء صدقوني إذ كذبتموني ، ونصروني إذ أخرجتوني " . ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ الأقرع بن حابس وعباس بن مرداس وعيينة بن بدر الفزاري ، فلما أبصرهم حول النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من هؤلاء يا عباس ؟ قال : هذه كتيبة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومع هذه الموت الأحمر ، هؤلاء المهاجرون والأنصار ، قال : امض يا عباس ، فلم أر كاليوم جنودا قط ، ولا جماعة ، فسار الزبير بالناس حتى وقف بالحجون ، واندفع خالد حتى دخل من أسفل مكة ، فلقيته أوباش بني بكر ، فقاتلوهم ، فهزمهم الله ، وقتلوا بالحزورة حتى دخلوا الدور ، وارتفع طائفة منهم على الخيل على الخندمة ، واتبعهم المسلمون ، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - في أخريات الناس ، ونادى مناد : من أغلق عليه داره وكف يده فإنه آمن ، ونادى أبو سفيان بمكة : أسلموا تسلموا ، وكفهم الله عز وجل عن عباس ، وأقبلت هند بنت عتبة ، فأخذت بلحية أبي سفيان ، ثم نادت : يا غالب ، اقتلوا هذا الشيخ الأحمق ، قال : فأرسلي لحيتي فأقسم لك لئن أنت لم تسلمي ليضربن عنقك ، ويلك جاءنا بالحق فادخلي أريكتك أحسبه قال : واسكتي .

التالي السابق


الخدمات العلمية