صفحة جزء
10805 - وعن الضحاك بن مزاحم الهلالي قال : خرج نافع بن الأزرق ، ونجدة بن عويمر في نفر من رؤوس الخوارج ينقرون عن العلم ويطلبونه حتى قدموا مكة ، فإذا هم بعبد الله بن عباس قاعدا قريبا من زمزم ، وعليه رداء له أحمر وقميص .

فإذا أناس قيام يسألونه عن التفسير ، يقولون : يا أبا عباس ، ما تقول في كذا وكذا ، فيقول : هو كذا وكذا . فقال له نافع بن الأزرق : [ ص: 304 ] ما أجرأك يا ابن عباس على ما تخبر به منذ اليوم ! . فقال له ابن عباس : ثكلتك أمك يا نافع وعدمتك ، ألا أخبرك من هو أجرأ مني ؟ قال : من هو يا ابن عباس ؟ قال : رجل تكلم بما ليس له به علم ، أو كتم علما عنده .

قال : صدقت يا ابن عباس ، أتيتك لأسألك ، قال : هات يا ابن الأزرق فسل . قال : فأخبرني عن قول الله عز وجل : يرسل عليكما شواظ من نار ، ما الشواظ ؟ قال : اللهب الذي لا دخان فيه .

قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت :

ألا من مبلغ حسان عني مغلغلة تدب إلى عكاظ     أليس أبوك قينا كان فينا
إلى الفتيات فسلا في الحفاظ     يمانيا يظل يشب كيرا
وينفخ دائبا لهب الشواظ

.

قال : صدقت ، فأخبرني عن قوله : ونحاس فلا تنتصران ، ما النحاس ؟ قال : الدخان الذي لا لهب فيه ، قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، قال : أما سمعت نابغة بني ذبيان يقول :

يضيء كضوء سراج السليـ ـط     لم يجعل الله فيه نحاسا

. يعني : دخانا .

قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله : أمشاج نبتليه ، قال : ماء الرجل ، وماء المرأة إذا اجتمعا في الرحم كانا مشجا . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم أما سمعت قول أبي ذؤيب الهذلي وهو يقول :

كأن النصل والفوقين فيه     خلاف الريش سيط به مشيج

.

قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : والتفت الساق بالساق ، ما الساق بالساق ؟ قال : الحرب . قال : هل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول أبي ذؤيب .


أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها     وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا

.

قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : بنين وحفدة ، وما البنون والحفدة ؟ [ ص: 305 ] قال : أما بنوك فإنهم يغاطونك ، وأما حفدتك فإنهم خدمك ، قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت :

حفد الولائد حولهن وألقيت     بأكفهن أزمة الأحمال

.

قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : إنما أنت من المسحرين ، قال : من المخلوقين . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت الثقفي وهو يقول :

فإن تسألينا مم نحن فإننا     عصافير من هذا الأنام المسحر

.

قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : فنبذناه في اليم وهو مليم ، ما المليم ؟ قال : المذنب . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت وهو يقول :

من الآفات لست لها بأهل     ولكن المسيء هو المليم

.

قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : قل أعوذ برب الفلق ، ما الفلق ؟ قال : ضوء الصبح . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول لبيد بن ربيعة وهو يقول :

الفارج الهم مبذول عساكره     كما يفرج ضوء الظلمة الفلق

.

قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ، ما الأساة ؟ قال : لا تحزنوا . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول لبيد بن ربيعة :

قليل الأسى فيما أتى الدهر دونه     كريم الثنا حلو الشمائل معجب

.

قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : إنه ظن أن لن يحور ، ما يحور ؟ قال : يرجع . قال : هل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول لبيد بن ربيعة :

وما المرء إلا كالشهاب وضوئه     يحور رمادا بعد إذ هو ساطع

.

[ ص: 306 ] قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : يطوفون بينها وبين حميم آن ، ما الآن ؟ قال : الذي قد انتهى حره . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول نابغة بني ذبيان :

فإن يقبض عليك أبو قبيس     تحط بك المنية في هوان
وتخضب لحية غدرت وخانت     بأحمر من نجيع الجوف آن

.

قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : فأصبحت كالصريم ، ما الصريم ؟ قال : الليل المظلم . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول نابغة بني ذبيان :

لا تزجروا مكفهرا لا كفاء له     كالليل يخلط أصراما بأصرام

.

قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : إلى غسق الليل ، ما غسق الليل ؟ قال : إذا أظلم . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، أما سمعت النابغة وهو يقول :

كأنما جد ما قالوا وما وعدوا     آل تضمنه من دامس غسق

قال أبو خليفة : الآل : السراب [ والصواب ، كأنما جل ما قالوا وما وعدوا ] .

قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : وكان الله على كل شيء مقيتا ، ما المقيت ؟ قال : قادر . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول امرئ القيس :

وذي ضغن كففت الضغن عنه     وإني في مساءته مقيت

.

قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : والليل إذا عسعس ، فقال : إقبال سواده . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول امرئ القيس :

عسعس حتى لو يشا كا     ن له من ضوئه قبس

.

[ ص: 307 ] قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : وأنا به زعيم ، قال : الزعيم : الكفيل . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول امرئ القيس :

وإني زعيم إن رجعت مملكا     بسير ترى منه الفرانق أزورا

.

قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : وفومها ، ما الفوم ؟ قال : الحنطة . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول أبي ذؤيب الهذلي :

قد كنت أحسبني كأغنى وافد     قدم المدينة عن زراعة فوم

.

قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : والأزلام ، ما الأزلام ؟ قال : القداح . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول الحطيئة :

لا يزجر الطير إن مرت به سنحا     ولا يقام له قدح بأزلام

.

قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة ، قال : أصحاب الشمال . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول زهير بن أبي سلمى حيث يقول :

نزل الشيب بالشمال قريبا     والمرورات دانيا وحقيرا

.

قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : وإذا البحار سجرت . قال : اختلط ماؤها بماء الأرض . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول زهير بن أبي سلمى :

لقد عرفت ربيعة في جذام     وكعب خالها وابنا ضرار
لقد نازعتهم حسبا قديما     وقد سجرت بحارهم بحاري

.

قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : والسماء ذات الحبك ، ما الحبك ؟ قال : الطرائق . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد [ ص: 308 ] صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول زهير بن أبي سلمى :

مكلل بأصول النجم تنسجه     ريح الشمال لضاحي ما به حبك

.

قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : وأنه تعالى جد ربنا . قال : ارتفعت عظمة ربنا ، قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول طرفة بن العبد للنعمان بن المنذر :

إلى ملك يضرب الدارعين     لم ينقص الشيب منه قبالا
أترفع جدك إني امرؤ     سقتني الأعادي سجالا سجالا

.

قال : صدقت فأخبرني عن قول الله عز وجل : حتى تكون حرضا . قال : الحرض : البالي . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول طرفة بن العبد :

أمن ذكر ليلى إن نأت غربة بها     أعد حريضا للكراء محرم

.

قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : وأنتم سامدون . قال : لاهون . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول هزيلة بنت بكر تبكي عادا :

بعثت عاد لقيما     وأتى سعد شريدا
قيل قم فانظر إليهم     ثم دع عنك السمودا

.

قال : صدقت فأخبرني عن قول الله عز وجل : إذا اتسق ، ما اتساقه ؟ قال : إذا اجتمع . قال : فهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول أبي صرمة الأنصاري :

إن لنا قلائصا نقائقا     مستوسقات لو تجدن سائقا

.

قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : الصمد ، أما الأحد فقد عرفناه ، فما الصمد ؟ قال : الذي يصمد إليه في الأمور كلها ، قال : فهل كانت العرب تعرف ذلك قبل [ ص: 309 ] أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، أما سمعت بقول الأسدية :

ألا بكر الناعي بخير بني أسد     بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد

.

قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : يلق أثاما ، ما الأثام ؟ قال : جزاء . قال : فهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول بشر بن أبي خازم الأسدي :

وإن مقامنا يدعو عليهم     بأبطح ذي المجاز له أثام

.

قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : وهو كظيم . قال : الساكت . قال : فهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول زهير بن خزيمة العبسي :

فإن يك كاظما بمصاب شاس     فإني اليوم منطلق اللسان

.

قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : أو تسمع لهم ركزا ، ما الركز ؟ قال : صوتا . قال : فهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول خراش بن زهير :

فإن سمعتم بخيل هابط شرفا     أو بطن قو فأخفوا الركز واكتتموا

.

قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : إذ تحسونهم بإذنه . قال : إذ تقتلونهم بإذنه . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول عتبة الليثي :

نحسهم بالبيض حتى كأننا     نفلق منهم بالجماجم حنظلا

.

قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : ياأيها النبي إذا طلقتم النساء ، هل كان الطلاق يعرف في الجاهلية ؟ قال : نعم ، طلاقا بائنا ثلاثا ، أما سمعت قول أعشى بني قيس بن ثعلبة ، حين أخذه أختانه غيرة ، فقالوا : إنك قد أضررت بصاحبتنا ، وإنا نقسم بالله أن لا نضع العصا عنك أو تطلقها ، فلما رأى الجد منهم ، وأنهم فاعلون به شرا ، قال :

أجارتنا بيني فإنك طالقه     كذاك أمور الناس غاد وطارقه

[ ص: 310 ] [ فقالوا : والله لتبين لها الطلاق أو لا نضع العصا عنك ، فقال : فبيني حصان الفرج غير ذميمة وما موقة منا كما أنت وامقه ]

فقالوا : والله لتبينن لها الطلاق أو لا نضع العصا عنك ، فقال :

فبيني فإن البين خير من العصا     وأن لا تزالي فوق رأسك طارقه

. فأبانها بثلاث تطليقات .

رواه الطبراني ، وفيه جويبر ، وهو متروك .

التالي السابق


الخدمات العلمية