صفحة جزء
[ ص: 256 ] النوع الثاني عشر : التدليس وهو قسمان ، الأول : تدليس الإسناد بأن يروي عمن عاصره ما لم يسمعه منه موهما سماعه ، قائلا : قال فلان ، أو عن فلان ونحوه ، وربما لم يسقط شيخه وأسقط غيره ضعيفا أو صغيرا تحسينا للحديث ، الثاني : تدليس الشيوخ بأن يسمي شيخه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف .


( النوع الثاني عشر : التدليس ، وهو قسمان ) بل ثلاثة أو أكثر كما سيأتي .

( الأول : تدليس الإسناد بأن يروي عمن عاصره ) ، زاد ابن الصلاح : أو لقيه ( ما لم يسمعه منه ) ، بل سمعه ، عن رجل عنه ( موهما سماعه ) حيث أورده بلفظ يوهم الاتصال ، ولا يقتضيه ( قائلا : قال فلان ، أو عن فلان ، ونحوه ) وكأن فلانا ، فإن لم يكن عاصره فليس الرواية عنه بذلك تدليسا على المشهور .

وقال قوم إنه تدليس ، فحدوه بأن يحدث الرجل ، عن الرجل بما لم يسمعه منه بلفظ لا يقتضي تصريحا بالسماع .

قال ابن عبد البر : وعلى هذا فما سلم أحد من التدليس ، لا مالك ، ولا غيره .

وقال الحافظ أبو بكر البزار ، وأبو الحسن بن القطان : هو أن يروي عمن سمع منه ما لم يسمع منه من غير أن يذكر أنه سمعه منه .

وقال : والفرق بينه وبين الإرسال أن الإرسال روايته عمن لم يسمع منه .

[ ص: 257 ] قال العراقي : والقول الأول هو المشهور .

وقيده شيخ الإسلام بقسم اللقاء ، وجعل قسم المعاصرة إرسالا خفيا ، ومثل قال وعن وأن ما لو أسقط أداة الرواية ، وسمى الشيخ فقط ، فيقول فلان .

قال علي بن خشرم : كنا عند ابن عيينة فقال : الزهري ، فقيل له : حدثكم الزهري ؟ فسكت ، ثم قال : الزهري ( ق 77 \ أ ) فقيل له : سمعته من الزهري فقال : لا ، ولا ممن سمعه من الزهري ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، لكن سمى شيخ الإسلام هذا تدليس القطع .

( وربما لم يسقط شيخه ، وأسقط غيره ) أي شيخ شيخه ، أو أعلى منه ; لكونه ( ضعيفا ) ، وشيخه ثقة ، ( أو صغيرا ) ، وأتى فيه بلفظ محتمل ، عن الثقة الثاني ، ( تحسينا للحديث ) ، وهذا من زوائد المصنف على ابن الصلاح ، وهو قسم آخر من التدليس يسمى تدليس التسوية .

سماه بذلك ابن القطان ، وهو شر أقسامه ; لأن الثقة الأول قد لا يكون معروفا بالتدليس ، ويجده الواقف على السند كذلك بعد التسوية ، قد رواه ، عن ثقة آخر فيحكم له بالصحة ، وفيه غرور شديد ، وممن اشتهر بفعل ذلك بقية بن الوليد .

قال ابن أبي حاتم في العلل : سمعت أبي ، وذكر الحديث الذي رواه إسحاق ابن راهويه ، عن بقية : حدثني أبو وهب الأسدي ، عن نافع ، عن ابن عمر حديث : [ ص: 258 ] لا تحمدوا إسلام المرء حتى تعرفوا عقدة رأيه ، فقال أبي : هذا الحديث له علة قل من يفهمها ، روى هذا الحديث عبيد الله بن عمرو ، عن إسحاق بن أبي فروة ، عن نافع ، عن ابن عمر ، وعبيد الله كنيته أبو وهب ، وهو أسدي ، فكناه بقية ، ونسبه إلى بني أسد كي لا يفطن له ، حتى إذا ترك إسحاق لا يهتدى له ، قال : وكان بقية من أفعل الناس لهذا .

وممن عرف به أيضا الوليد بن مسلم .

قال أبو مسهر : كان يحدث بأحاديث الأوزاعي من الكذابين ، ثم يدلسها عنهم .

وقال صالح جزرة : سمعت الهيثم بن خارجة يقول : قلت للوليد : قد أفسدت حديث الأوزاعي ، قال : كيف ؟ قلت : تروي عن الأوزاعي ، عن نافع وعن الأوزاعي ، عن الزهري وعن الأوزاعي ، عن يحيى بن سعيد ، وغيرك يدخل بين الأوزاعي وبين نافع عبد الله بن عامر الأسلمي ، وبينه وبين الزهري أبا الهيثم قرة ( ق 77 \ ب )

[ فما يحملك على هذا ؟ ] قال : أجل الأوزاعي أن يروي عن مثل هؤلاء ، قلت فإذا روى

[ الأوزاعي ، عن ] هؤلاء ، وهم ضعفاء أحاديث مناكير ، فأسقطتهم أنت ، وصيرتها من رواية الأوزاعي عن الثقات ، ضعف الأوزاعي ، فلم يلتفت إلى قولي .

[ ص: 259 ] قال الخطيب : وكان الأعمش ، وسفيان الثوري يفعلون مثل هذا .

قال العلائي : وبالجملة فهذا النوع أفحش أنواع التدليس مطلقا وشرها .

قال العراقي : وهو قادح فيمن تعمد فعله .

وقال شيخ الإسلام : لا شك أنه جرح ، وإن وصف به الثوري ، والأعمش ، فالاعتذار أنهما لا يفعلانه إلا في حق من يكون ثقة عندهما ضعيفا عند غيرهما .

قال : ثم ابن القطان إنما سماه تسوية بدون لفظ التدليس ، فيقول : سواه فلان ، وهذه تسوية ، والقدماء يسمونه تجويدا ، فيقولون جوده فلان ، أي ذكر من فيه من الأجواد ، وحذف غيرهم .

قال : والتحقيق أن يقال : متى قيل تدليس التسوية ، فلا بد أن يكون كل من الثقات الذين حذفت بينهم الوسائط في ذلك الإسناد ، قد اجتمع الشخص منهم بشيخ شيخه في ذلك الحديث ، وإن قيل : تسوية بدون لفظ التدليس لم يحتج إلى اجتماع أحد منهم بمن فوقه ، كما فعل مالك ، فإنه لم يقع في التدليس أصلا ، ووقع في هذا ، فإنه يروي عن ثور ، عن ابن عباس ، وثور لم يلقه وإنما روى ، عن عكرمة عنه فأسقط عكرمة لأنه غير حجة عنده ، وعلى هذا يفارق المنقطع ، بأن شرط الساقط هنا أن يكون ضعيفا ، فهو منقطع خاص .

ثم زاد شيخ الإسلام تدليس العطف ، ومثله بما فعل هشيم ، فيما نقله عنه الحاكم ، والخطيب ، أن أصحابه قالوا له : نريد أن تحدثنا اليوم شيئا لا يكون فيه [ ص: 260 ] تدليس ، فقال : خذوا ، ثم أملى عليهم مجلسا يقول في كل حديث منه : حدثنا فلان وفلان ، ثم يسوق السند والمتن ، فلما فرغ ( ق 78 \ أ ) قال : هل دلست لكم اليوم شيئا ؟ قالوا : لا قال بلى ، كل ما قلت فيه وفلان ; فإني لم أسمعه منه .

قال شيخ الإسلام : وهذه الأقسام كلها يشملها تدليس الإسناد ، فاللائق ما فعله ابن الصلاح من تقسيمه قسمين فقط ، قلت : ومن أقسامه أيضا ما ذكر محمد بن سعد ، عن أبي حفص عمر بن علي المقدمي ، أنه كان يدلس تدليسا شديدا ، يقول : سمعت ، وحدثنا ، ثم يسكت ، ثم يقول : هشام بن عروة ، الأعمش .

وقال أحمد بن حنبل : كان يقول حجاج : سمعته ، يعني حدثنا آخر .

وقال جماعة : كان أبو إسحاق السبيعي يقول : ليس أبو عبيدة ذكره ، ولكن عبد الرحمن بن الأسود ، عن أبيه ، فقوله : عبد الرحمن تدليس يوهم أنه سمعه منه .

وقسمه الحاكم إلى ستة أقسام : الأول : قوم لم يميزوا بين ما سمعوه ، وما لم يسمعوه .

الثاني : قوم يدلسون ، فإذا وقع لهم من ينفر عنهم ، ويلج في سماعاتهم ذكروا له ، [ ص: 261 ] ومثله بما حكى ابن خشرم ، عن ابن عيينة .

الثالث : قوم دلسوا عن مجهولين لا يدرى من هم ، ومثله بما روي عن ابن المديني قال : حدثني حسين الأشقر ، حدثنا شعيب بن عبد الله ، عن أبي عبد الله ، عن نوف قال : بت عند علي ، فذكر كلاما ، قال ابن المديني فقلت لحسين : ممن سمعت هذا ؟ فقال : حدثنيه شعيب ، عن أبي عبد الله ، عن نوف ، فقلت لشعيب : من حدثك بهذا ؟ فقال : أبو عبد الله الجصاص ، فقلت : عمن ؟ قال : ، عن حماد القصار ، فلقيت حمادا ، فقلت له : من حدثك بهذا ؟ قال : بلغني عن فرقد السبخي ، عن نوف . فإذا هو قد دلس عن ثلاثة وأبو عبد الله مجهول ، وحماد لا يدرى من هو ، وبلغه عن فرقد ، وفرقد لم يدرك نوفا .

الرابع : قوم دلسوا عن قوم سمعوا منهم الكثير ، وربما فاتهم الشيء عنهم ، فيدلسونه ( ق 78 \ ب ) .

الخامس : قوم رووا عن شيوخ لم يروهم ، فيقولون : قال فلان ، فحمل ذلك عنهم على السماع وليس عندهم سماع .

قال البلقيني : وهذه الخمسة كلها داخلة تحت تدليس الإسناد ، وذكر السادس ، وهو تدليس الشيوخ الآتي .

القسم الثاني ( تدليس الشيوخ بأن يسمي شيخه أو يكنيه ، أو يصفه بما لا يعرف .

[ ص: 262 ] قال شيخ الإسلام : ويدخل أيضا في هذا القسم التسوية ، بأن يصف شيخ شيخه بذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية