صفحة جزء
[ ص: 332 ] والواضعون أقسام أعظمهم ضررا قوم ينسبون إلى الزهد ، وضعوه حسبة في زعمهم ، فقبلت موضوعاتهم ثقة بهم


( والواضعون أقسام ) بحسب الأمر الحامل لهم على الوضع ، ( أعظمهم ضررا قوم ينسبون إلى الزهد وضعوه حسبة ) ، أي احتسابا للأجر عند الله ( في زعمهم ) الفاسد ، ( فقبلت موضوعاتهم ثقة بهم ) ، وركونا إليهم ، لما نسبوا إليه من الزهد ، والصلاح .

ولهذا قال يحيى القطان : ما رأيت الكذب في أحد أكثر منه فيمن ينسب إلى الخير ، أي لعدم علمهم بتفرقة ما يجوز لهم ، وما يمتنع عليهم ، أو لأن عندهم حسن ظن وسلامة صدر ، فيحملون ما سمعوه على الصدق ، ولا يهتدون لتمييز الخطأ [ ص: 333 ] من الصواب ، ولكن الواضعون منهم ، وإن خفي حالهم على كثير من الناس ، فإنه لم يخف على جهابذة الحديث ، ونقاده .

وقد قيل لابن المبارك : هذه الأحاديث الموضوعة ، فقال : تعيش لها الجهابذة ، إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون .



ومن أمثلة ما وضع حسبة : ما رواه الحاكم بسنده إلى أبي عمار المروزي ، أنه قيل لأبي عصمة نوح بن أبي مريم : من أين ذلك : ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة ، وليس عند أصحاب عكرمة هذا ؟ فقال : إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحاق ، فوضعت هذا الحديث حسبة .

وكان يقال لأبي عصمة هذا : " نوح الجامع " ، قال ابن حبان : جمع كل شيء إلا الصدق .

وروى ابن حبان في الضعفاء ، عن ابن مهدي ، قال : قلت لميسرة بن عبد ربه : من أين جئت بهذه الأحاديث ، من قرأ كذا فله كذا ؟ قال : وضعتها أرغب الناس فيها .

وكان غلاما جليلا يتزهد ويهجر شهوات الدنيا ، وغلقت أسواق بغداد لموته ، ومع ذلك كان يضع الحديث ، وقيل له عند موته : حسن ظنك ؟ قال : كيف لا ، وقد وضعت في فضل علي سبعين حديثا .

[ ص: 334 ] وكان أبو داود النخعي أطول الناس قياما بليل ، وأكثرهم صياما بنهار ، وكان يضع .

قال ابن حبان : وكان أبو بشر أحمد بن محمد الفقيه المروزي من أصلب أهل زمانه في السنة وأذبهم عنها ، وأقمعهم لمن خالفها ، وكان مع هذا يضع الحديث .

وقال ابن عدي : كان وهب بن حفص من الصالحين ، مكث عشرين سنة لا يكلم أحدا ، وكان يكذب كذبا فاحشا .

التالي السابق


الخدمات العلمية