نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
باب الفوات

( ومن أحرم بالحج وفاته الوقوف بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج ) لما ذكرنا أن وقت الوقوف يمتد إليه ( وعليه أن يطوف ويسعى ويتحلل ويقضي الحج من قابل ولا دم عليه ) لقوله عليه الصلاة والسلام { من فاته عرفة بليل فقد فاته الحج فليتحلل بعمرة وعليه الحج من قابل } ، والعمرة [ ص: 282 ] ليست إلا الطواف والسعي ، ولأن الإحرام بعدما انعقد صحيحا لا طريق للخروج عنه إلا بأداء أحد النسكين كما في الإحرام المبهم وهاهنا عجز عن الحج ، فتتعين عليه العمرة ولا دم عليه ; لأن التحلل وقع بأفعال العمرة فكانت في حق فائت الحج بمنزلة الدم في حق المحصر فلا يجمع بينهما .


[ ص: 281 ] باب الفوات

الحديث الأول : قال عليه السلام : { من فاته عرفة بليل ، فقد فاته الحج ، فليحلل بعمرة ، وعليه الحج من قابل }; قلت : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن ابن عمر ، وابن عباس [ ص: 282 ]

فحديث ابن عمر : أخرجه عن رحمة بن مصعب عن ابن أبي ليلى عن عطاء ، ونافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : { من وقف بعرفة بليل فقد أدرك الحج ، ومن فاته عرفات بليل ، فقد فاته الحج ، فليحل بعمرة ، وعليه الحج من قابل }انتهى .

ورحمة بن مصعب قال الدارقطني : ضعيف ، وقد تفرد به ، انتهى . ورواه ابن عدي في " الكامل " ، وأعله بمحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وضعفه عن جماعة .

وحديث ابن عباس : أخرجه عن يحيى بن عيسى التميمي النهشلي عن محمد بن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من أدرك عرفات فوقف بها والمزدلفة فقد تم حجه ، ومن فاته عرفات فقد فاته الحج ، فليحل بعمرة ، وعليه الحج من قابل } ، انتهى .

ويحيى بن عيسى النهشلي ، قال النسائي فيه : ليس بالقوي ، وقال ابن حبان في " كتاب الضعفاء " : كان ممن ساء حفظه ، وكثر وهمه ، حتى خالف الأثبات ، فبطل الاحتجاج به ، ثم أسند عن ابن معين أنه قال : كان ضعيفا ، ليس بشيء انتهى . وقال في " التنقيح " : روى له مسلم .

أحاديث الخصوم : القائلين بهدي الفوات ، واستدل الشيخ في " الإمام " لمالك ، والشافعي في وجوب هدي الفوات بثلاثة آثار :

أحدها : رواه الشافعي ، ثم البيهقي من جهته أخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أنه قال : من أدرك ليلة النحر من الحاج ، ولم يقف بعرفة قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج ، فليأت البيت ، فليطف به سبعا ، ويطوف بين الصفا والمروة سبعا ، ثم ليحلق ، أو يقصر إن جاء ، وإن كان معه هدي ، فلينحر قبل أن يحلق ، فإذا فرغ من طوافه وسعيه ، فليحلق أو يقصر ، ثم ليرجع إلى أهله ، فإذا أدركه الحج من قابل [ ص: 283 ] فليحج إن استطاع ; وليهد ، فإن لم يجد هديا ، فليصم عنه ثلاثة أيام في الحج ، وسبعة إذا رجع إلى أهله انتهى .

الأثر الثاني : رواه مالك في " الموطأ " عن يحيى بن سعيد أخبرني سليمان بن يسار أن أبا أيوب الأنصاري خرج حاجا حتى إذا كان بالبادية من طريق مكة أضل راحلته ، فلما قدم على عمر بن الخطاب ذكر له ذلك ، فقال له عمر : اصنع كما يصنع المعتمر ، ثم قد حللت ، فإذا أدركك الحج من قابل ، فاحجج ، واهد ما استيسر من الهدي انتهى .

الأثر الثالث : رواه مالك أيضا أخبرنا نافع عن سليمان بن يسار أن هبار بن الأسود جاء يوم النحر ، وعمر بن الخطاب ينحر هديه ، فقال : يا أمير المؤمنين أخطأنا العدة ، كنا نرى أن هذا اليوم يوم عرفة ، فقال عمر : اذهب إلى مكة فطف أنت ومن معك ، وانحروا هديا إن كان معكم ، ثم احلقوا ، واقصروا ، وارجعوا ، فإذا جاء عام قابل فحجوا واهدوا ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع انتهى .

قلت : روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا علي بن هاشم عن علي بن أبي ليلى عن عطاء أن النبي عليه السلام قال : { من لم يدرك الحج فعليه دم ، ويجعلها عمرة ، وعليه الحج من قابل } ، انتهى .

وذكره عبد الحق في " أحكامه " من جهة ابن أبي شيبة ، وقال : إنه مرسل وضعيف انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية