الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        باب الفوات

                                                                                                        ( ومن أحرم بالحج وفاته الوقوف بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج ) لما ذكرنا أن وقت الوقوف يمتد إليه ( وعليه أن يطوف ويسعى ويتحلل ويقضي الحج من قابل ولا دم عليه ) لقوله عليه الصلاة والسلام { من فاته عرفة بليل فقد فاته الحج فليتحلل بعمرة وعليه الحج من قابل } ، والعمرة [ ص: 282 ] ليست إلا الطواف والسعي ، ولأن الإحرام بعدما انعقد صحيحا لا طريق للخروج عنه إلا بأداء أحد النسكين كما في الإحرام المبهم وهاهنا عجز عن الحج ، فتتعين عليه العمرة ولا دم عليه ; لأن التحلل وقع بأفعال العمرة فكانت في حق فائت الحج بمنزلة الدم في حق المحصر فلا يجمع بينهما .

                                                                                                        [ ص: 281 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 281 ] باب الفوات

                                                                                                        الحديث الأول : قال عليه السلام : { من فاته عرفة بليل ، فقد فاته الحج ، فليحلل بعمرة ، وعليه الحج من قابل }; قلت : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن ابن عمر ، وابن عباس [ ص: 282 ]

                                                                                                        فحديث ابن عمر : أخرجه عن رحمة بن مصعب عن ابن أبي ليلى عن عطاء ، ونافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : { من وقف بعرفة بليل فقد أدرك الحج ، ومن فاته عرفات بليل ، فقد فاته الحج ، فليحل بعمرة ، وعليه الحج من قابل }انتهى .

                                                                                                        ورحمة بن مصعب قال الدارقطني : ضعيف ، وقد تفرد به ، انتهى . ورواه ابن عدي في " الكامل " ، وأعله بمحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وضعفه عن جماعة .

                                                                                                        وحديث ابن عباس : أخرجه عن يحيى بن عيسى التميمي النهشلي عن محمد بن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من أدرك عرفات فوقف بها والمزدلفة فقد تم حجه ، ومن فاته عرفات فقد فاته الحج ، فليحل بعمرة ، وعليه الحج من قابل } ، انتهى .

                                                                                                        ويحيى بن عيسى النهشلي ، قال النسائي فيه : ليس بالقوي ، وقال ابن حبان في " كتاب الضعفاء " : كان ممن ساء حفظه ، وكثر وهمه ، حتى خالف الأثبات ، فبطل الاحتجاج به ، ثم أسند عن ابن معين أنه قال : كان ضعيفا ، ليس بشيء انتهى . وقال في " التنقيح " : روى له مسلم .

                                                                                                        أحاديث الخصوم : القائلين بهدي الفوات ، واستدل الشيخ في " الإمام " لمالك ، والشافعي في وجوب هدي الفوات بثلاثة آثار :

                                                                                                        أحدها : رواه الشافعي ، ثم البيهقي من جهته أخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أنه قال : من أدرك ليلة النحر من الحاج ، ولم يقف بعرفة قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج ، فليأت البيت ، فليطف به سبعا ، ويطوف بين الصفا والمروة سبعا ، ثم ليحلق ، أو يقصر إن جاء ، وإن كان معه هدي ، فلينحر قبل أن يحلق ، فإذا فرغ من طوافه وسعيه ، فليحلق أو يقصر ، ثم ليرجع إلى أهله ، فإذا أدركه الحج من قابل [ ص: 283 ] فليحج إن استطاع ; وليهد ، فإن لم يجد هديا ، فليصم عنه ثلاثة أيام في الحج ، وسبعة إذا رجع إلى أهله انتهى .

                                                                                                        الأثر الثاني : رواه مالك في " الموطأ " عن يحيى بن سعيد أخبرني سليمان بن يسار أن أبا أيوب الأنصاري خرج حاجا حتى إذا كان بالبادية من طريق مكة أضل راحلته ، فلما قدم على عمر بن الخطاب ذكر له ذلك ، فقال له عمر : اصنع كما يصنع المعتمر ، ثم قد حللت ، فإذا أدركك الحج من قابل ، فاحجج ، واهد ما استيسر من الهدي انتهى .

                                                                                                        الأثر الثالث : رواه مالك أيضا أخبرنا نافع عن سليمان بن يسار أن هبار بن الأسود جاء يوم النحر ، وعمر بن الخطاب ينحر هديه ، فقال : يا أمير المؤمنين أخطأنا العدة ، كنا نرى أن هذا اليوم يوم عرفة ، فقال عمر : اذهب إلى مكة فطف أنت ومن معك ، وانحروا هديا إن كان معكم ، ثم احلقوا ، واقصروا ، وارجعوا ، فإذا جاء عام قابل فحجوا واهدوا ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع انتهى .

                                                                                                        قلت : روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا علي بن هاشم عن علي بن أبي ليلى عن عطاء أن النبي عليه السلام قال : { من لم يدرك الحج فعليه دم ، ويجعلها عمرة ، وعليه الحج من قابل } ، انتهى .

                                                                                                        وذكره عبد الحق في " أحكامه " من جهة ابن أبي شيبة ، وقال : إنه مرسل وضعيف انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية