نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 562 ] فصل ( وإذا طلق الرجل امرأته فلها النفقة والسكنى في عدتها رجعيا كان أو بائنا ) وقال الشافعي رحمه الله : لا نفقة للمبتوتة إلا إذا كانت حاملا ; أما الرجعي فلأن النكاح بعده قائم لا سيما عندنا فإنه يحل له الوطء ، وأما البائن فوجه قوله ما روي عن فاطمة بنت قيس قالت : { طلقني زوجي ثلاثا فلم يفرض لي رسول الله عليه الصلاة والسلام سكنى ولا نفقة }ولأنه لا ملك له ، وهي مرتبة على الملك ولهذا لا تجب للمتوفى عنها زوجها لانعدامه ، بخلاف ما إذا كانت حاملا ; لأنا عرفناه بالنص وهو قوله تعالى: { وإن كن أولات حمل [ ص: 563 ] فأنفقوا عليهن }الآية . ولنا أن النفقة جزاء احتباس على ما ذكرنا ، والاحتباس قائم في حق حكم مقصود بالنكاح وهو الولد ، إذ العدة واجبة لصيانة الولد فتجب النفقة ولهذا كان لها السكنى بالإجماع ، وصار كما إذا كانت حاملا . [ ص: 564 ] { وحديث فاطمة بنت قيس رده عمر رضي الله عنه ، فإنه قال : لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا بقول امرأة لا ندري صدقت أم كذبت حفظت أم نسيت ، سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول : للمطلقة الثلاث النفقة والسكنى ما دامت في العدة }ورده أيضا زيد بن ثابت رضي الله عنه وأسامة بن زيد وجابر وعائشة رضي الله عنهم .


[ ص: 557 - 562 ] الحديث الثالث : روي عن { فاطمة بنت قيس ، قالت : طلقني زوجي ثلاثا ، فلم يفرض لي رسول الله صلى الله عليه وسلم سكنى ولا نفقة }; قلت : أخرجه الجماعة إلا البخاري عن الشعبي عن { فاطمة بنت قيس ; قالت : طلقني زوجي ثلاثا فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السكنى والنفقة ، فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة ، وأمرني أن أعتد في بيت ابن أم مكتوم }انتهى .

أخرجه مختصرا ومطولا : وعند النسائي فيه من حديث سعيد بن يزيد الأحمسي ثنا الشعبي به : { إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة } ، ذكره في " باب الرخصة في التطليق ثلاث " ، وعند أحمد ، والطبراني فيه من رواية مجالد عن الشعبي به ، نحو ذلك ، ولفظ الطبراني : { فقال لها : اسمعي يا بنت قيس إنما النفقة للمرأة على زوجها ما كانت عليها رجعة ، فإذا لم يكن عليها رجعة فلا نفقة لها ولا سكنى } ، وفي لفظ آخر : { فإذا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، فلا نفقة لها ولا سكنى }; قال ابن القطان في " كتابه " : وهذه الزيادة التي هي : { إنما السكنى والنفقة لمن كان يملك الرجعة } ، إنما زادها مجالد وحده من دون أصحاب الشعبي ; وقد أورده مسلم [ ص: 563 ] بدونها ، ورواها عن مجالد هشيم ، وابن عيينة ، وعبدة بن سليمان ; فحديث هشيم عند الدارقطني ، وحديث ابن عيينة ، قال قاسم بن أصبغ في " كتابه " : حدثنا محمد بن إسماعيل ثنا الحميد ثنا سفيان ثنا مجالد عن الشعبي به ، وحديث عبدة رواه أحمد حدثنا عبدة بن سليمان ثنا مجالد به ، وقد تأتي هذه الزيادة في بعض طرق الحديث من رواية جماعة من أصحاب الشعبي ، فيهم مجالد ، فيتوهم أن الزيادة من رواية الجميع ، وليس كذلك ، وإنما هي من رواية مجالد وحده ، وهشيم يدلسها فيهم ، وله في مثل ذلك ما ذكره أبو عبد الله الحاكم أن جماعة من أصحابه اجتمعوا يوما على أن لا يأخذوا عنه التدليس ، ففطن لذلك يوما ، فجعل يقول في كل حديث يذكره : حدثنا حصين ، ومغيرة عن إبراهيم ، فلما فرغ قال لهم : هل دلست لكم اليوم ؟ قالوا : لا فقال : لم أسمع من مغيرة حرفا واحدا مما ذكرته ، إنما قلت : حدثني حصين ، ومغيرة غير مسموع ، وقد فصلها الحسن بن عرفة عن رواية الجماعة ، وعزاها إلى مجالد منهم ، كما هو عند الدارقطني ، فلما ثبتت هذه الزيادة عن مجالد وحده تحقق فيها الريب ، ووجب لها الضعف بضعف مجالد المتفرد بها ، ولكن وردت من غير رواية مجالد عن الشعبي ، رواه النسائي من حديث سعيد بن يزيد الأحمسي ثنا الشعبي به . وسعيد بن يزيد الأحمسي لم تثبت عدالته ، وقد ذكره أبو حاتم برواية أبي نعيم عنه ، وروايته عن الشعبي ، وقال : إنه شيخ ، انتهى كلامه . [ ص: 564 ]

الحديث الرابع : قال المصنف رحمه الله : { وحديث فاطمة رده عمر رضي الله عنه ، فإنه قال ، : لا ندع كتاب ربنا ، ولا سنة نبينا بقول امرأة لا ندري صدقت أم كذبت ، حفظت أم نسيت ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : للمطلقة الثلاث النفقة والسكنى ، ما دامت في العدة }; ورواه أيضا عائشة ، وجابر ، وزيد بن ثابت ، وأسامة بن زيد رضي الله عنهم . قلت : أما حديث عمر : فأخرجه مسلم عن أبي إسحاق ، قال : حدث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا سكنى لها ولا نفقة } ، فأخذ الأسود كفا من حصى ، فحصبه به ، فقال : ويحك تحدث بمثل هذا ، قال عمر : لا نترك كتاب ربنا . ولا سنة نبينا بقول امرأة لا ندري حفظت أم نسيت ، لها السكنى والنفقة ، قال الله تعالى : { لا تخرجوهن من بيوتهن }الآية انتهى . وزاد الترمذي فيه : وكان عمر [ ص: 565 ] يجعل لها النفقة والسكنى انتهى .

وأما حديث عائشة : فأخرجه مسلم عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة { أنها قالت : ما لفاطمة خير أن تذكر هذا يعني قولها . لا سكنى لك ، ولا نفقه }انتهى .

وفي لفظ للبخاري : { قالت ما لفاطمة ، ألا تتقي الله يعني في قولها : لا سكنى ولا نفقة }وجمع بينهما ابن أبي شيبة في " مصنفه " أعني حديث عمر ، وعائشة فقال : حدثنا حفص بن غياث ، ومحمد بن فضيل عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عمر أنه قال وقد ذكر له حديث فاطمة بنت قيس : لا نجيز قول امرأة في دين الله ، للمطلقة ثلاثا السكنى ، والنفقة ; زاد ابن فضيل : { وقالت عائشة : ما لفاطمة في أن تذكر هذا [ ص: 566 ] خير }انتهى .

وأما حديث جابر : فأخرجه الدارقطني في " سننه " عن حرب بن أبي العالية عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { المطلقة ثلاثا لها السكنى والنفقة ، }انتهى .

. قال عبد الحق في " أحكامه " : إنما يؤخذ من حديث أبي الزبير عن جابر ما ذكر فيه السماع ، أو كان عن الليث عن أبي الزبير ، وحرب بن أبي العالية أيضا لا يحتج به ، ضعفه يحيى بن معين في رواية الدوري عنه ، وضعفه في رواية ابن أبي خيثمة ، والأشبه وقفه على جابر ، انتهى .

وأما حديث زيد بن ثابت

، وأسامة بن زيد : فغريب ; وروى الطبراني في " معجمه " [ ص: 567 ] حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا حجاج ثنا أبو عوانة عن سليمان عن إبراهيم أن ابن مسعود ، وعمر قالا : المطلقة ثلاثا لها السكنى والنفقة انتهى .

وفي حديث فاطمة بنت قيس عند مسلم { فلما مضت عدتها أنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد ، فأرسل إليها مروان قبيصة بن ذؤيب يسألها عن الحديث ، فحدثته به ، فقال مروان : لم يسمع هذا الحديث إلا من امرأة ، سنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها ، فقالت فاطمة حين بلغها قول مروان : فبيني وبينكم القرآن . قال الله تعالى : { لا تخرجوهن من بيوتهن }الآية ، هذا لمن كانت له رجعة ، فأي أمر يحدث بعد الثلاث ، فكيف تقولون : لا نفقة لها ، إذا لم تكن حاملا ، فعلام تحبسونها }؟ انتهى .

وهذا صريح أن النفقة جزاء الاحتباس ; وأخرجه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، أن أبا عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي خرج مع علي بن أبي طالب ; وفي لفظ : إلى اليمن ; وفي لفظ : { فخرج إلى غزوة نجران ، فأرسل إلى امرأته فاطمة بنت قيس بتطليقة كانت بقيت من طلاقها ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال لها : لا نفقة لك ، فاستأذنته في الانتقال ، فأذن لها ، فقالت : إلى أين يا رسول الله ؟ قال : إلى ابن [ ص: 568 ] أم مكتوم وكان أعمى تضع ثيابها عنه ولا يراها ، فلما مضت عدتها أنكحها رسول الله أسامة بن زيد } ، الحديث . تفرد بهذا السياق مسلم ، قاله عبد الحق .

التالي السابق


الخدمات العلمية