نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
باب التدبير

( وإذا قال المولى لمملوكه إذا مت فأنت حر أو أنت حر عن دبر مني أو أنت مدبر ، أو قد أدبرتك فقد صار مدبرا ) لأن هذه الألفاظ صريحة في التدبير فإنه إثبات العتق عن دبر ( ثم لا يجوز بيعه ولا هبته ولا إخراجه عن ملكه إلا إلى الحرية ) كما في الكتابة .

وقال الشافعي رحمه الله : يجوز لأنه تعليق العتق بالشرط فلا يمتنع به البيع والهبة كما في سائر التعليقات ، وكما في المدبر المقيد ، ولأن التدبير وصية وهي غير مانعة من ذلك .

ولنا قوله عليه الصلاة والسلام : { المدبر لا يباع ولا يوهب ولا يورث }وهو حر من الثلث ولأنه سبب الحرية ، لأن الحرية تثبت بعد الموت ولا سبب غيره ، ثم جعله سببا في الحال أولى لوجوده في الحال وعدمه بعد الموت ، لأن ما بعد الموت حال بطلان أهلية الصرف فلا يمكن تأخير السببية إلى زمان بطلان الأهلية ، بخلاف سائر التعليقات ، لأن المانع من السببية قائم قبل الشرط ; لأنه يمين واليمين مانع والمنع هو [ ص: 36 ] المقصود ، وأنه يضاد وقوع الطلاق والعتاق ، وأمكن تأخير السببية إلى زمان الشرط لقيام الأهلية عنده فافترقا ، ولأنه وصية والوصية خلافة في الحال كالوراثة ، وإبطال السبب لا يجوز وفي البيع وما يضاهيه ذلك .

قال : ( وللمولى أن يستخدمه ويؤاجره وإن كانت أمة وطئها ، وله أن يزوجها ) لأن الملك فيه ثابت وله به ، وتستفاد ولاية هذه التصرفات ( فإذا مات المولى عتق المدبر من ثلث ماله ) لما روينا ، ولأن التدبير وصية ; لأنه تبرع مضاف إلى وقت الموت ، والحكم غير ثابت في الحال فينفذ من الثلث حتى لو لم يكن له مال غيره يسعى في ثلثيه وإن كان على المولى دين يسعى في كل قيمته لتقدم [ ص: 37 ] الدين على الوصية ; ولا يمكن نقض العتق فيجب رد قيمته .


[ ص: 25 - 35 ] باب التدبير حديث :

{ قال عليه السلام في المدبر : لا يباع ، ولا يوهب ، ولا يورث ، وهو حر من الثلث }; قلت : أخرجه الدارقطني بنقص : ولا يورث من رواية عبيدة بن حسان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { المدبر لا يباع ، ولا يوهب ، [ ص: 36 ] وهو حر من ثلث المال }انتهى .

قال الدارقطني : لم يسنده غير عبيدة بن حسان ، وهو ضعيف ، وإنما هو عن ابن عمر من قوله ; وأخرجه الدارقطني أيضا عن علي بن ظبيان ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { المدبر من الثلث }انتهى .

وعلي بن ظبيان ضعيف ، قال الدارقطني في " علله " : هذا حديث يرويه عبيد الله بن عمر ، وأيوب ، واختلف عنهما ، فرواه علي بن ظبيان عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر مرفوعا ، وغير ابن ظبيان يرويه موقوفا ، ورواه عبيدة بن حسان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر مرفوعا ، وغير عبيدة بن حسان يرويه موقوفا ، والموقوف أصح ، انتهى .

وقال ابن أبي حاتم في " علله " : سئل أبو زرعة عن حديث رواه علي بن ظبيان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { المدبر من الثلث } ، فقال أبو زرعة : هذا حديث باطل ، قال ابن أبي حاتم : ورواه خالد بن إلياس عن نافع عن ابن عمر ، قال : { المدبر من الثلث ، }من قوله انتهى .

وقال ابن القطان في " كتابه " : عبيدة هذا قال فيه أبو حاتم : منكر الحديث ، وأبو معاوية عمرو بن عبد الجبار الجزري راويه عنه مجهول الحال ، وقد رواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر من قوله ، وهو الصحيح لثقة حماد ، وضعف عبيدة انتهى .

أحاديث الخصوم :

أخرج البخاري ، ومسلم عن عمرو بن دينار عن جابر { أن رجلا من الأنصار أعتق غلاما له عن دبر لم يكن له مال غيره ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من [ ص: 37 ] يشتريه مني ؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم ، فدفعها إليه . قال عمرو : سمعت جابرا يقول : عبدا قبطيا مات عام أول ، }انتهى .

وأخرجه النسائي ، وقال فيه : وكان محتاجا ، كان عليه دين فباعه عليه السلام بثمانمائة درهم ، وقال : اقض بها دينك ; ووقع في لفظ للترمذي ، والدارقطني أنه مات ولم يترك مالا غيره ، فباعه عليه السلام في دينه ، قال أبو بكر النيسابوري : هذا خطأ ، والصحيح أن سيد العبد كان حيا يوم بيع المدبر انتهى .

{ حديث آخر } :

موقوف رواه مالك في " الموطإ " من رواية القعنبي عنه عن محمد بن عبد الرحمن بن حارثة أبي الرجال عن عمرة عن عائشة أنها مرضت ، فتطاول مرضها ، فذهب بنو أخيها إلى رجل ، فذكروا له مرضها ، فقال : إنكم تخبروني خبر امرأة مطبوبة ، قال : فذهبوا ينظرون ، فإذا جارية لها سحرتها ، وكانت قد دبرتها ، فدعتها ، ثم سألتها ماذا أردت ؟ قالت : أردت أن تموتي حتى أعتق ، قالت : فإن لله علي أن تباعي من أشد العرب ملكة ، فباعتها ، وأمرت بثمنها ، فجعل في مثلها انتهى .

ورواه الحاكم في " المستدرك في كتاب الطب " وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، انتهى .

ولنا عن ذلك جوابان : أحدهما : أنا نحمله على المدبر المقيد ، والمدبر المقيد عندنا يجوز بيعه ، إلا أن يثبتوا أنه كان مدبرا مطلقا ، وهم لا يقدرون على ذلك ، وكونه لم يكن له مال غيره ليس علة في جواز بيعه ، لأن المذهب فيه أن العبد يسعى في قيمته ، يدل عليه ما أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه " عن زياد الأعرج { عن النبي صلى الله عليه وسلم في رجل أعتق عبده عند الموت ، وترك دينا ، وليس له مال ، قال : يستسعى العبد في قيمته ، }انتهى .

ثم أخرج عن علي نحوه سواء ، والأول مرسل ، يشده هذا الموقوف ، والله أعلم . الجواب الثاني : أنا نحمله على بيع الخدمة والنفقة ، لا بيع الرقبة .

[ ص: 38 ] بدليل ما أخرجه الدارقطني عن عبد الغفار بن القاسم عن أبي جعفر ، قال : ذكر عنده أن عطاء ، وطاوسا يقولان عن جابر في الذي أعتقه مولاه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : كان أعتقه عن دبر ، فأمره أن يبيعه ويقضي دينه ، فباعه بثمانمائة درهم ، قال أبو جعفر : شهدت الحديث من جابر ، إنما أذن في بيع خدمته انتهى .

قال الدارقطني : وأبو جعفر هذا ، وإن كان من الثقات ، ولكن حديثه هذا مرسل انتهى .

قال عبد الحق في " أحكامه " : أخرجه ابن عدي عن أبي مريم عبد الغفار بن القاسم الكوفي عن أبي جعفر عن جابر بن عبد الله في قصة هذا المدبر ، وفيه : { وإنما أذن النبي صلى الله عليه وسلم في بيع خدمته ، }قال عبد الحق : وعبد الغفار هذا يرمى بالكذب ، وكان غاليا في التشيع انتهى .

وقال ابن القطان في " كتابه " : هو مرسل صحيح ، لأنه من رواية عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي ، وهو ثقة عن أبي جعفر ، وهو ثقة انتهى .

وقال صاحب " التنقيح " : وعبد الغفار من غلاة الشيعة ، وقد روى عنه شعبة ، قال ابن عدي : ومع ضعفه يكتب حديثه انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية