الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        باب التدبير

                                                                                                        ( وإذا قال المولى لمملوكه إذا مت فأنت حر أو أنت حر عن دبر مني أو أنت مدبر ، أو قد أدبرتك فقد صار مدبرا ) لأن هذه الألفاظ صريحة في التدبير فإنه إثبات العتق عن دبر ( ثم لا يجوز بيعه ولا هبته ولا إخراجه عن ملكه إلا إلى الحرية ) كما في الكتابة .

                                                                                                        وقال الشافعي رحمه الله : يجوز لأنه تعليق العتق بالشرط فلا يمتنع به البيع والهبة كما في سائر التعليقات ، وكما في المدبر المقيد ، ولأن التدبير وصية وهي غير مانعة من ذلك .

                                                                                                        ولنا قوله عليه الصلاة والسلام : { المدبر لا يباع ولا يوهب ولا يورث }وهو حر من الثلث ولأنه سبب الحرية ، لأن الحرية تثبت بعد الموت ولا سبب غيره ، ثم جعله سببا في الحال أولى لوجوده في الحال وعدمه بعد الموت ، لأن ما بعد الموت حال بطلان أهلية الصرف فلا يمكن تأخير السببية إلى زمان بطلان الأهلية ، بخلاف سائر التعليقات ، لأن المانع من السببية قائم قبل الشرط ; لأنه يمين واليمين مانع والمنع هو [ ص: 36 ] المقصود ، وأنه يضاد وقوع الطلاق والعتاق ، وأمكن تأخير السببية إلى زمان الشرط لقيام الأهلية عنده فافترقا ، ولأنه وصية والوصية خلافة في الحال كالوراثة ، وإبطال السبب لا يجوز وفي البيع وما يضاهيه ذلك .

                                                                                                        قال : ( وللمولى أن يستخدمه ويؤاجره وإن كانت أمة وطئها ، وله أن يزوجها ) لأن الملك فيه ثابت وله به ، وتستفاد ولاية هذه التصرفات ( فإذا مات المولى عتق المدبر من ثلث ماله ) لما روينا ، ولأن التدبير وصية ; لأنه تبرع مضاف إلى وقت الموت ، والحكم غير ثابت في الحال فينفذ من الثلث حتى لو لم يكن له مال غيره يسعى في ثلثيه وإن كان على المولى دين يسعى في كل قيمته لتقدم [ ص: 37 ] الدين على الوصية ; ولا يمكن نقض العتق فيجب رد قيمته .

                                                                                                        [ ص: 25 - 35 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 25 - 35 ] باب التدبير حديث :

                                                                                                        { قال عليه السلام في المدبر : لا يباع ، ولا يوهب ، ولا يورث ، وهو حر من الثلث }; قلت : أخرجه الدارقطني بنقص : ولا يورث من رواية عبيدة بن حسان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { المدبر لا يباع ، ولا يوهب ، [ ص: 36 ] وهو حر من ثلث المال }انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني : لم يسنده غير عبيدة بن حسان ، وهو ضعيف ، وإنما هو عن ابن عمر من قوله ; وأخرجه الدارقطني أيضا عن علي بن ظبيان ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { المدبر من الثلث }انتهى .

                                                                                                        وعلي بن ظبيان ضعيف ، قال الدارقطني في " علله " : هذا حديث يرويه عبيد الله بن عمر ، وأيوب ، واختلف عنهما ، فرواه علي بن ظبيان عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر مرفوعا ، وغير ابن ظبيان يرويه موقوفا ، ورواه عبيدة بن حسان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر مرفوعا ، وغير عبيدة بن حسان يرويه موقوفا ، والموقوف أصح ، انتهى .

                                                                                                        وقال ابن أبي حاتم في " علله " : سئل أبو زرعة عن حديث رواه علي بن ظبيان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { المدبر من الثلث } ، فقال أبو زرعة : هذا حديث باطل ، قال ابن أبي حاتم : ورواه خالد بن إلياس عن نافع عن ابن عمر ، قال : { المدبر من الثلث ، }من قوله انتهى .

                                                                                                        وقال ابن القطان في " كتابه " : عبيدة هذا قال فيه أبو حاتم : منكر الحديث ، وأبو معاوية عمرو بن عبد الجبار الجزري راويه عنه مجهول الحال ، وقد رواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر من قوله ، وهو الصحيح لثقة حماد ، وضعف عبيدة انتهى .

                                                                                                        أحاديث الخصوم :

                                                                                                        أخرج البخاري ، ومسلم عن عمرو بن دينار عن جابر { أن رجلا من الأنصار أعتق غلاما له عن دبر لم يكن له مال غيره ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من [ ص: 37 ] يشتريه مني ؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم ، فدفعها إليه . قال عمرو : سمعت جابرا يقول : عبدا قبطيا مات عام أول ، }انتهى .

                                                                                                        وأخرجه النسائي ، وقال فيه : وكان محتاجا ، كان عليه دين فباعه عليه السلام بثمانمائة درهم ، وقال : اقض بها دينك ; ووقع في لفظ للترمذي ، والدارقطني أنه مات ولم يترك مالا غيره ، فباعه عليه السلام في دينه ، قال أبو بكر النيسابوري : هذا خطأ ، والصحيح أن سيد العبد كان حيا يوم بيع المدبر انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        موقوف رواه مالك في " الموطإ " من رواية القعنبي عنه عن محمد بن عبد الرحمن بن حارثة أبي الرجال عن عمرة عن عائشة أنها مرضت ، فتطاول مرضها ، فذهب بنو أخيها إلى رجل ، فذكروا له مرضها ، فقال : إنكم تخبروني خبر امرأة مطبوبة ، قال : فذهبوا ينظرون ، فإذا جارية لها سحرتها ، وكانت قد دبرتها ، فدعتها ، ثم سألتها ماذا أردت ؟ قالت : أردت أن تموتي حتى أعتق ، قالت : فإن لله علي أن تباعي من أشد العرب ملكة ، فباعتها ، وأمرت بثمنها ، فجعل في مثلها انتهى .

                                                                                                        ورواه الحاكم في " المستدرك في كتاب الطب " وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، انتهى .

                                                                                                        ولنا عن ذلك جوابان : أحدهما : أنا نحمله على المدبر المقيد ، والمدبر المقيد عندنا يجوز بيعه ، إلا أن يثبتوا أنه كان مدبرا مطلقا ، وهم لا يقدرون على ذلك ، وكونه لم يكن له مال غيره ليس علة في جواز بيعه ، لأن المذهب فيه أن العبد يسعى في قيمته ، يدل عليه ما أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه " عن زياد الأعرج { عن النبي صلى الله عليه وسلم في رجل أعتق عبده عند الموت ، وترك دينا ، وليس له مال ، قال : يستسعى العبد في قيمته ، }انتهى .

                                                                                                        ثم أخرج عن علي نحوه سواء ، والأول مرسل ، يشده هذا الموقوف ، والله أعلم . الجواب الثاني : أنا نحمله على بيع الخدمة والنفقة ، لا بيع الرقبة .

                                                                                                        [ ص: 38 ] بدليل ما أخرجه الدارقطني عن عبد الغفار بن القاسم عن أبي جعفر ، قال : ذكر عنده أن عطاء ، وطاوسا يقولان عن جابر في الذي أعتقه مولاه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : كان أعتقه عن دبر ، فأمره أن يبيعه ويقضي دينه ، فباعه بثمانمائة درهم ، قال أبو جعفر : شهدت الحديث من جابر ، إنما أذن في بيع خدمته انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني : وأبو جعفر هذا ، وإن كان من الثقات ، ولكن حديثه هذا مرسل انتهى .

                                                                                                        قال عبد الحق في " أحكامه " : أخرجه ابن عدي عن أبي مريم عبد الغفار بن القاسم الكوفي عن أبي جعفر عن جابر بن عبد الله في قصة هذا المدبر ، وفيه : { وإنما أذن النبي صلى الله عليه وسلم في بيع خدمته ، }قال عبد الحق : وعبد الغفار هذا يرمى بالكذب ، وكان غاليا في التشيع انتهى .

                                                                                                        وقال ابن القطان في " كتابه " : هو مرسل صحيح ، لأنه من رواية عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي ، وهو ثقة عن أبي جعفر ، وهو ثقة انتهى .

                                                                                                        وقال صاحب " التنقيح " : وعبد الغفار من غلاة الشيعة ، وقد روى عنه شعبة ، قال ابن عدي : ومع ضعفه يكتب حديثه انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية