نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
باب اليمين في الدخول والسكنى

( ومن حلف لا يدخل بيتا فدخل الكعبة أو المسجد أو البيعة أو الكنيسة لم يحنث ) لأن البيت ما أعد للبيتوتة ، وهذه البقاع ما بنيت لها ( وكذا إذا دخل دهليزا أو ظلة باب الدار ) لما ذكرنا ، والظلة ما تكون على السكة .

وقيل : إذا كان الدهليز بحيث لو أغلق الباب يبقى داخلا ، وهو مسقف يحنث ; لأنه يبات فيه عادة ( وإن دخل صفة حنث ) لأنها تبنى للبيتوتة فيها في بعض الأوقات فصار كالشتوي والصيفي ، وقيل هذا إذا كانت الصفة ذات حوائط أربعة ، وهكذا كانت صفاتهم ، وقيل الجواب مجرى على إطلاقه وهو الصحيح .

[ ص: 66 ] ( ومن حلف لا يدخل دارا فدخل دارا خربة لم يحنث ; ولو حلف لا يدخل هذه الدار فدخلها بعدما انهدمت وصارت صحراء حنث ) لأن الدار اسم للعرصة عند العرب والعجم ، يقال : دار عامرة ودار غامرة وقد شهدت أشعار العرب بذلك ، والبناء وصف فيها غير أن الوصف في الحاضر لغو وفي الغائب معتبر .

( ولو حلف لا يدخل هذه الدار فخربت ثم بنيت أخرى فدخلها يحنث ) لما ذكرنا أن الاسم باق بعد الانهدام ( وإن جعلت مسجدا أو حماما أو بستانا أو بيتا فدخله لم يحنث ) لأنه لم يبق دارا لاعتراض اسم آخر عليه ، وكذا إذا دخله بعد انهدام الحمام وأشباهه ; لأنه لا يعود اسم الدارية ( وإن حلف لا يدخل هذا البيت فدخله بعدما انهدم وصار صحراء لم يحنث ) لزوال اسم البيت ; لأنه لا يبات فيه حتى لو بقيت الحيطان وسقط السقف يحنث ; لأنه يبات فيه والسقف وصف فيه ( وكذا إذا بنى بيتا آخر فدخله لم يحنث ) لأن الاسم لم يبق بعد الانهدام .

قال : ( ومن حلف لا يدخل هذه الدار فوقف على سطحها حنث ) لأن السطح من الدار ألا ترى أن المعتكف لا يفسد اعتكافه بالخروج إلى سطح المسجد ، وقيل في عرفنا لا يحنث وهو اختيار الفقيه أبي الليث .

قال ( وكذا إذا دخل دهليزها ) ويجب أن يكون على التفصيل الذي تقدم ( وإن وقف في [ ص: 67 ] طاق الباب بحيث إذا أغلق الباب كان خارجا لم يحنث ) لأن الباب لإحراز الدار وما فيها فلم يكن الخارج من الدار .

قال : ( ومن حلف لا يدخل هذه الدار وهو فيها لم يحنث بالقعود حتى يخرج ثم يدخل ) استحسانا ، والقياس أن يحنث لأن الدوام له حكم الابتداء .

وجه الاستحسان أن الدخول لا دوام له لأنه انفصال من الخارج إلى الداخل .

( ولو حلف لا يلبس هذا الثوب ، وهو لابسه فنزعه في الحال لم يحنث ) وكذا إذا حلف لا يركب هذه الدابة ، وهو راكبها فنزل من ساعته لم يحنث ، وكذا لو حلف لا يسكن هذه الدار وهو ساكنها فأخذ في النقلة من ساعته .

وقال زفر رحمه الله : يحنث لوجود الشرط وإن قل .

ولنا أن اليمين تعقد للبر فيستثنى منه زمان تحققه ( فإن لبث على حاله ساعة حنث ) لأن هذه الأفاعيل لها دوام بحدوث أمثالها ; ألا يرى أنه يضرب لها مدة ، يقال : ركبت يوما ولبست يوما بخلاف الدخول ; لأنه لا يقال دخلت يوما بمعنى المدة والتوقيت ، ولو نوى الابتداء الخالص يصدق ; لأنه محتمل كلامه .

قال : ( ومن حلف لا يسكن هذه الدار فخرج بنفسه ومتاعه وأهله فيها ، ولم يرد الرجوع إليها حنث ) لأنه يعد ساكنها ببقاء أهله ومتاعه فيها عرفا ، فإن [ ص: 68 ] السوقي عامة نهاره في السوق ، ويقول أسكن سكة كذا .

والبيت والمحلة بمنزلة الدار ، ولو كان اليمين على المصر لا يتوقف على البر على نقل المتاع والأهل فيما روي عن أبي يوسف رحمه الله ، لأنه لا يعد ساكنا في الذي انتقل عنه عرفا بخلاف الأول ، والقرية بمنزلة المصر في الصحيح من الجواب ، ثم قال أبو حنيفة رحمه الله : لا بد من نقل كل المتاع حتى لو بقي ، وقد يحنث لأن السكنى قد ثبت بالكل فيبقى ما بقي شيء منه .

وقال أبو يوسف رحمه الله : يعتبر نقل الأكثر لأن نقل الكل قد يتعذر .

وقال محمد رحمه الله : يعتبر نقل ما يقوم به [ ص: 69 ] كدخدائيته لأن ما وراء ذلك ليس من السكنى قالوا هذا أحسن وأرفق بالناس ، وينبغي أن ينتقل من منزل آخر بلا تأخير حتى يبر ، فإن انتقل إلى السكة أو المسجد قالوا لا يبر ، دليله في الزيادات أن من خرج بعياله من مصره فما لما يتخذ وطنا آخر يبقى وطنه الأول في حق الصلاة كذا هذا ، والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية