الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        باب اليمين في الدخول والسكنى

                                                                                                        ( ومن حلف لا يدخل بيتا فدخل الكعبة أو المسجد أو البيعة أو الكنيسة لم يحنث ) لأن البيت ما أعد للبيتوتة ، وهذه البقاع ما بنيت لها ( وكذا إذا دخل دهليزا أو ظلة باب الدار ) لما ذكرنا ، والظلة ما تكون على السكة .

                                                                                                        وقيل : إذا كان الدهليز بحيث لو أغلق الباب يبقى داخلا ، وهو مسقف يحنث ; لأنه يبات فيه عادة ( وإن دخل صفة حنث ) لأنها تبنى للبيتوتة فيها في بعض الأوقات فصار كالشتوي والصيفي ، وقيل هذا إذا كانت الصفة ذات حوائط أربعة ، وهكذا كانت صفاتهم ، وقيل الجواب مجرى على إطلاقه وهو الصحيح .

                                                                                                        [ ص: 66 ] ( ومن حلف لا يدخل دارا فدخل دارا خربة لم يحنث ; ولو حلف لا يدخل هذه الدار فدخلها بعدما انهدمت وصارت صحراء حنث ) لأن الدار اسم للعرصة عند العرب والعجم ، يقال : دار عامرة ودار غامرة وقد شهدت أشعار العرب بذلك ، والبناء وصف فيها غير أن الوصف في الحاضر لغو وفي الغائب معتبر .

                                                                                                        ( ولو حلف لا يدخل هذه الدار فخربت ثم بنيت أخرى فدخلها يحنث ) لما ذكرنا أن الاسم باق بعد الانهدام ( وإن جعلت مسجدا أو حماما أو بستانا أو بيتا فدخله لم يحنث ) لأنه لم يبق دارا لاعتراض اسم آخر عليه ، وكذا إذا دخله بعد انهدام الحمام وأشباهه ; لأنه لا يعود اسم الدارية ( وإن حلف لا يدخل هذا البيت فدخله بعدما انهدم وصار صحراء لم يحنث ) لزوال اسم البيت ; لأنه لا يبات فيه حتى لو بقيت الحيطان وسقط السقف يحنث ; لأنه يبات فيه والسقف وصف فيه ( وكذا إذا بنى بيتا آخر فدخله لم يحنث ) لأن الاسم لم يبق بعد الانهدام .

                                                                                                        قال : ( ومن حلف لا يدخل هذه الدار فوقف على سطحها حنث ) لأن السطح من الدار ألا ترى أن المعتكف لا يفسد اعتكافه بالخروج إلى سطح المسجد ، وقيل في عرفنا لا يحنث وهو اختيار الفقيه أبي الليث .

                                                                                                        قال ( وكذا إذا دخل دهليزها ) ويجب أن يكون على التفصيل الذي تقدم ( وإن وقف في [ ص: 67 ] طاق الباب بحيث إذا أغلق الباب كان خارجا لم يحنث ) لأن الباب لإحراز الدار وما فيها فلم يكن الخارج من الدار .

                                                                                                        قال : ( ومن حلف لا يدخل هذه الدار وهو فيها لم يحنث بالقعود حتى يخرج ثم يدخل ) استحسانا ، والقياس أن يحنث لأن الدوام له حكم الابتداء .

                                                                                                        وجه الاستحسان أن الدخول لا دوام له لأنه انفصال من الخارج إلى الداخل .

                                                                                                        ( ولو حلف لا يلبس هذا الثوب ، وهو لابسه فنزعه في الحال لم يحنث ) وكذا إذا حلف لا يركب هذه الدابة ، وهو راكبها فنزل من ساعته لم يحنث ، وكذا لو حلف لا يسكن هذه الدار وهو ساكنها فأخذ في النقلة من ساعته .

                                                                                                        وقال زفر رحمه الله : يحنث لوجود الشرط وإن قل .

                                                                                                        ولنا أن اليمين تعقد للبر فيستثنى منه زمان تحققه ( فإن لبث على حاله ساعة حنث ) لأن هذه الأفاعيل لها دوام بحدوث أمثالها ; ألا يرى أنه يضرب لها مدة ، يقال : ركبت يوما ولبست يوما بخلاف الدخول ; لأنه لا يقال دخلت يوما بمعنى المدة والتوقيت ، ولو نوى الابتداء الخالص يصدق ; لأنه محتمل كلامه .

                                                                                                        قال : ( ومن حلف لا يسكن هذه الدار فخرج بنفسه ومتاعه وأهله فيها ، ولم يرد الرجوع إليها حنث ) لأنه يعد ساكنها ببقاء أهله ومتاعه فيها عرفا ، فإن [ ص: 68 ] السوقي عامة نهاره في السوق ، ويقول أسكن سكة كذا .

                                                                                                        والبيت والمحلة بمنزلة الدار ، ولو كان اليمين على المصر لا يتوقف على البر على نقل المتاع والأهل فيما روي عن أبي يوسف رحمه الله ، لأنه لا يعد ساكنا في الذي انتقل عنه عرفا بخلاف الأول ، والقرية بمنزلة المصر في الصحيح من الجواب ، ثم قال أبو حنيفة رحمه الله : لا بد من نقل كل المتاع حتى لو بقي ، وقد يحنث لأن السكنى قد ثبت بالكل فيبقى ما بقي شيء منه .

                                                                                                        وقال أبو يوسف رحمه الله : يعتبر نقل الأكثر لأن نقل الكل قد يتعذر .

                                                                                                        وقال محمد رحمه الله : يعتبر نقل ما يقوم به [ ص: 69 ] كدخدائيته لأن ما وراء ذلك ليس من السكنى قالوا هذا أحسن وأرفق بالناس ، وينبغي أن ينتقل من منزل آخر بلا تأخير حتى يبر ، فإن انتقل إلى السكة أو المسجد قالوا لا يبر ، دليله في الزيادات أن من خرج بعياله من مصره فما لما يتخذ وطنا آخر يبقى وطنه الأول في حق الصلاة كذا هذا ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الخدمات العلمية