نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 299 - 300 ] ( والمني نجس يجب غسله إن كان رطبا ، فإذا جف على الثوب أجزأ فيه الفرك ) لقوله عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها" { فاغسليه إن كان رطبا ، وافركيه إن كان يابسا }. [ ص: 301 - 302 ] وقال الشافعي رحمه الله : المني طاهر ، والحجة عليه ما رويناه ، وقال عليه الصلاة والسلام : " { إنما يغسل الثوب من خمس }وذكر منها المني .

ولو أصاب البدن قال مشايخنا رحمهم الله: يطهر بالفرك ; لأن البلوى فيه أشد ، وعن أبي حنيفة رحمه الله : أنه لا يطهر إلا بالغسل ; لأن حرارة البدن جاذبة فلا يعود إلى الجرم ، والبدن لا يمكن فركه .


الحديث الثالث : روي عن { النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة في المني : فاغسليه إن كان رطبا وافركيه إن كان يابسا } ، قلت : غريب .

وروى الدارقطني في " سننه " من حديث عبد الله بن الزبير ثنا بشر بن بكر ثنا الأوزاعي عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن { عائشة قالت : كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يابسا وأغسله إذا كان رطبا } ، انتهى .

ورواه البزار في " مسنده " قال : لا يعلم أسنده عن عائشة إلا عبد الله بن الزبير هذا ، ورواه غيره عن عمرة مرسلا انتهى .

قال ابن الجوزي في " التحقيق " : والحنفية يحتجون على نجاسة المني بحديث رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة : " { اغسليه إن كان رطبا وافركيه إن كان يابسا } ، قال : وهذا حديث لا يعرف ، وإنما روي نحوه من كلام عائشة ، ثم ذكر حديث الدارقطني المذكور ، والله أعلم . ومن الناس من حمل فرك الثوب على غير الثوب الذي يصلي فيه ، وهذا ينتقض بما وقع في " مسلم " ، { كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه }. وعند أبي داود : ثم يصلي فيه . والفاء ترفع احتمال غسله بعد الفرك ، وحمله بعض المالكية على الفرك بالماء ، وهذا ينتقض بما في " مسلم " أيضا { لقد رأيتني وإني لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسا بظفري } ، والله أعلم . [ ص: 301 ]

{ أحاديث الباب } : روى البخاري ، ومسلم من حديث عائشة أنها كانت تغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخرج ، فيصلي وأنا أنظر إلى بقع الماء في ثوبه انتهى .

قال البيهقي : وهذا لا منافاة بينه وبين قولها : كنت أفرك من ثوبه ، ثم يصلي فيه ، كما لا منافاة بين غسله قدميه ومسحه على الخفين انتهى .

وقال ابن الجوزي : ليس في هذا الحديث حجة ; لأن غسله كان للاستقذار لا للنجاسة .

{ حديث آخر } : إنما يغسل الثوب من خمس : سيأتي قريبا . الآثار : روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا حسين بن علي عن جعفر بن برقان عن خالد بن أبي عزة ، قال : سأل رجل عمر بن الخطاب ، فقال : إني احتلمت على طنفسة ، فقال : " إن كان رطبا فاغسله ، وإن كان يابسا فاحككه ، وإن خفي عليك فارششه بالماء انتهى .

{ أحاديث الخصوم } : روى أحمد في " مسنده " حدثنا معاذ بن معاذ أنبأ عكرمة بن عمار عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عائشة ، قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر ، ثم يصلي فيه ويحته يابسا ثم يصلي فيه }انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه الدارقطني في " سننه " ، والطبراني في " معجمه " عن إسحاق بن يوسف الأزرق عن شريك القاضي عن محمد بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عباس قال : { سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المني يصيب الثوب ، قال : إنما هو بمنزلة المخاط أو البزاق ، وقال : إنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة }انتهى .

قال الدارقطني : لم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شريك انتهى . قال ابن الجوزي في " التحقيق " : وإسحاق إمام مخرج له في " الصحيحين " ، ورفعه زيادة ، وهي من الثقة مقبولة ، ومن وقفه لم يحفظ انتهى .

ورواه البيهقي في " المعرفة " من طريق الشافعي ثنا سفيان عن عمرو بن دينار . وابن جريج كلاهما عن عطاء عن ابن عباس موقوفا ، وقال : هذا هو الصحيح موقوف ، وقد روي عن شريك عن ابن أبي ليلى عن عطاء مرفوعا ، ولا [ ص: 302 ] يثبت انتهى .

{ الحديث الرابع } : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " { إنما يغسل الثوب من خمس } ، وذكر منها المني ، قلت : رواه الدارقطني في " سننه " من حديث ثابت بن حماد عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن { عمار ، قال : مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أسقي راحلة لي في ركوة ، إذ تنخمت فأصابت نخامتي ثوبي ، فأقبلت أغسلها ، فقال : يا عمار ما نخامتك ولا دموعك إلا بمنزلة الماء الذي في ركوتك ، إنما يغسل الثوب من خمس : من البول ، والغائط ، والمني ، والدم ، والقيء }انتهى .

قال الدارقطني : لم يروه غير ثابت بن حماد ، وهو ضعيف جدا انتهى . ورواه ابن عدي في " الكامل " وقال : لا أعلم روى هذا الحديث عن علي بن زيد غير ثابت بن حماد ، وله أحاديث في أسانيدها الثقات يخالف فيها وهي مناكير ومقلوبات ، انتهى .

قلت : وجدت له متابعا عند الطبراني ، رواه في " معجمه الكبير " من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد به سندا ومتنا ، وبقية الإسناد : حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ثنا علي بن بحر ثنا إبراهيم بن زكريا العجلي ثنا حماد بن سلمة به . [ ص: 303 ] واعلم أني وجدت الحديث في نسختين صحيحتين من مسند البزار : من رواية ثابت بن حماد ، وليس فيه المني ، وإنما قال : إنما يغسل الثوب من الغائط ، والبول ، والقيء ، والدم انتهى .

قال البزار : وثابت بن حماد كان ثقة . ولا يعرف أنه روى غير هذا الحديث انتهى . نقل البزار ذلك عن شيخ شيخه إبراهيم بن زكريا . وقال البيهقي في " سننه الكبرى " في " باب التطهير بالماء دون المائعات " : وأما حديث عمار بن ياسر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " يا عمار ما نخامتك " إلى آخره ، فهو باطل لا أصل له ، إنما رواه ثابت بن حماد عن علي بن زيد عن ابن المسيب عن عمار ، وعلي بن زيد غير محتج به ، وثابت بن حماد متهم بالوضع انتهى .

وكأن البيهقي رحمه الله توهم أن تشبيه النخامة في الحديث بالماء في الطهورية ، وليس كذلك ، إنما التشبيه في الطهارة ، أي : النخامة طاهرة لا يغسل الثوب منها ، وإنما يغسل من كذا وكذا ، ولفظ الحديث يدل عليه ، إذ لا يلزم من تشبيه شيء بشيء استواؤهما من كل الوجوه ، فصح أن ما قاله غير ظاهر ، وعلي بن زيد روى له مسلم مقرونا بغيره .

وقال العجلي : لا بأس به ، وفي موضع آخر قال : يكتب حديثه ، وروى له الحاكم في " المستدرك " وقال الترمذي : صدوق ، وثابت هذا ، قال شيخنا علاء الدين : ما رأيت أحدا بعد الكشف التام جعله متهما بالوضع غير البيهقي ، وقد ذكره في " كتاب المعرفة " في هذا الحديث ، ولم ينسبه إلى الوضع ، وإنما حكى فيه قول الدارقطني . وقول ابن عدي المتقدمين ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية