نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
( فإن سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى فإن سرق ثالثا لم يقطع وخلد في السجن حتى يتوب ) وهذا استحسان ويعزر أيضا ذكره المشايخ رحمهم الله.

وقال الشافعي رحمه الله : في الثالثة تقطع يده اليسرى وفي الرابعة : تقطع رجله اليمنى لقوله عليه الصلاة والسلام : { من سرق فاقطعوه ، فإن عاد فاقطعوه [ ص: 206 ] فإن عاد فاقطعوه }" ويروى مفسرا كما هو مذهبه ، ولأن الثالثة مثل الأولى في كونها جناية بل فوقها فتكون أدعى إلى شرع الحد .

[ ص: 207 - 208 ] ولنا : قول علي رضي الله عنه فيه : إني لأستحيي من الله تعالى أن لا أدع له [ ص: 209 ] يدا يأكل بها ويستنجي بها ورجلا يمشي عليها ، وبهذا حاج بقية الصحابة رضي الله عنهم فحجهم فانعقد إجماعا ، ولأنه إهلاك معنى لما فيه من تفويت جنس المنفعة والحد زاجر ، ولأنه نادر الوجود والزجر فيما يغلب وقوعه ، بخلاف القصاص ; لأنه حق العبد فيستوفى ما أمكن جبرا لحقه ، والحديث طعن فيه الطحاوي رحمه الله ، أو نحمله على السياسة .


الحديث الثالث عشر :

قال عليه السلام : { من سرق فاقطعوه ، فإن عاد فاقطعوه ، فإن عاد فاقطعوه ، فإن عاد فاقطعوه }" قلت : أخرج أبو داود عن مصعب بن ثابت عن محمد بن المنكدر عن جابر ، قال : { جيء بسارق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : اقتلوه ، فقالوا : يا رسول الله إنما سرق ، فقال : اقطعوه ، فقطع ، ثم جيء به الثانية ، فقال : اقتلوه ، فقالوا : يا رسول الله إنما سرق ، قال : اقطعوه ، فقطع ، ثم جيء به الثالثة ، فقال : اقتلوه ، فقالوا : يا رسول الله ، إنما سرق ، قال : اقطعوه ، فقطع ، ثم جيء به الرابعة ، فقال : اقتلوه ، فقالوا : يا رسول الله إنما سرق ، قال : اقطعوه ، فقطع ، ثم جيء به الخامسة ، فقال : اقتلوه ، قال جابر : فانطلقنا به ، فقتلناه ، ثم اجتررناه ، فألقيناه في بئر ، ورمينا عليه الحجارة }انتهى .

قال النسائي حديث منكر ، ومصعب بن ثابت ليس بالقوي في الحديث انتهى .

وأخرجه الدارقطني في " سننه " عن محمد بن يزيد بن سنان ثنا أبي ثنا هشام بن عروة عن محمد بن المنكدر عن جابر ، ومحمد بن يزيد هذا فيه مقال ، وأخرجه أيضا عن عائذ بن حبيب عن هشام به ، وعائذ بن حبيب شيعي له مناكير ، وأخرجه أيضا عن سعيد بن يحيى ثنا هشام به ، وسعيد بن يحيى هو ابن صالح اللخمي ، فيه مقال .

{ حديث آخر } :

أخرجه النسائي في " سننه " عن حماد بن سلمة أنبأ يوسف بن سعيد عن الحارث بن حاطب اللخمي { أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلص ، فقال : اقتلوه ، فقالوا : يا رسول الله إنما سرق ، قال : اقتلوه ، قالوا : يا رسول الله إنما سرق ، قال : اقطعوه ، فقطع ، ثم سرق ، فقطعت رجله ، ثم سرق على عهد أبي بكر ، حتى قطعت قوائمه كلها ، ثم سرق الخامسة ، فقال أبو بكر : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بهذا ، حين قال : اقتلوه }انتهى .

ورواه الطبراني في " معجمه " ، والحاكم في " المستدرك " ، وقال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .

{ حديث آخر } :

أخرجه أبو نعيم في " كتاب الحلية في ترجمة أصحاب الصفة " عن [ ص: 206 ] حزام بن عثمان عن معاذ بن عبد الله عن عبد الله بن زيد الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من سرق متاعا ، فاقطعوا يده ، فإن سرق ، فاقطعوا رجله ، فإن سرق ، فاقطعوا يده ، فإن سرق ، فاقطعوا رجله ، فإن سرق فاضربوا عنقه }انتهى .

وقال : تفرد به حزام بن عثمان ، وهو من الضعف بالمحل العظيم انتهى .

{ حديث آخر } :

تقدم عند الدارقطني من طريق الواقدي عن ابن أبي ذئب عن خالد بن سلمة ، أراه عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا سرق السارق فاقطعوا يده ، فإن عاد ، فاقطعوا رجله ، فإن عاد فاقطعوا يده ، فإن عاد فاقطعوا رجله }انتهى .

وتقدم هذا في " الحديث التاسع " ، والواقدي فيه مقال .

قوله : ويروى مفسرا ، كما هو مذهبه قلت : أخرجه الدارقطني في " سننه " .

والطبراني في " معجمه " عن الفضل بن المختار عن عبيد الله بن موهب عن عصمة بن مالك ، قال : { سرق مملوك أربع مرات ، والنبي صلى الله عليه وسلم يعفو عنه ، ثم سرق الخامسة ، فقطع يده ، ثم السادسة ، فقطع رجله ، ثم السابعة ، فقطع يده ، ثم الثامنة ، فقطع رجله ، وقال عليه السلام : أربع بأربع }انتهى .

ووهم عبد الحق في " أحكامه " فعزاه للنسائي ، وتعقبه ابن القطان في " كتابه " ، وقال : ليس هذا الحديث بوجه عند النسائي ، انتهى .

وهو حديث ضعيف ، قال عبد الحق : هذا لا يصح للإرسال ، وضعف الإسناد ، وقال شيخنا الذهبي في " ميزانه " : إنه يشبه أن يكون موضوعا ، وضعف الفضل بن المختار عن جماعة من غير توثيق .

طريق آخر :

رواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا ابن جريج أخبرني عبد ربه بن أبي أمية أن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة ، وعبد الرحمن بن سابط ، قال : { أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعبد ، فقيل : يا رسول الله هذا عبد قد سرق ، ووجدت سرقته معه ، وقامت البينة [ ص: 207 ] عليه ، فقال رجل : يا نبي الله هذا عبد بني فلان ، أيتام ليس لهم مال غيره ، فتركه ، ثم أتي به الثانية ، فتركه ، ثم أتي به الثالثة ، فتركه ، ثم أتي به الرابعة ، فتركه ، ثم أتي به الخامسة ، فقطع يده ، ثم السادسة ، فقطع رجله ، ثم السابعة ، فقطع يده ، ثم الثامنة ، فقطع رجله ، ثم قال : أربع بأربع }انتهى .

وعن عبد الرزاق رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " بسنده ، ومتنه ، وكذلك رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا محمد بن أبي بكر عن ابن جريج أخبرني عبد ربه بن أبي أمية بن الحارث عن الحارث بن عبد الله به .

قوله : والحديث طعن فيه الطحاوي . . . . .

الآثار :

روى مالك في " الموطإ " عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن رجلا من اليمن أقطع اليد والرجل قدم ، فنزل على أبي بكر الصديق ، فشكا إليه أن عامل اليمن ظلمه ، فكان يصلي من الليل ، فيقول : أبو بكر : وأبيك ما ليلك بليل سارق ، ثم إنهم فقدوا عقدا لأسماء بنت عميس امرأة أبي بكر الصديق ، فجعل الرجل يطوف معهم ، ويقول : اللهم عليك بمن بيت أهل هذا البيت الصالح ، فوجدوا الحلي عند صائغ ، زعم أن الأقطع جاءه به ، فاعترف الأقطع ، أو شهد عليه ، فأمر به أبو بكر ، فقطعت يده اليسرى ، وقال : أبو بكر لدعاؤه على نفسه أشد عليه من سرقته انتهى .

ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة ، قالت : قدم على أبي بكر رجل أقطع ، فشكا إليه أن يعلى بن أمية قطع يده ورجله في سرقة ، وقال : والله ما زدت على أنه كان يوليني شيئا من عمله ، فخنته في فريضة واحدة ، فقطع يدي ، ورجلي ، فقال له أبو بكر : إن كنت صادقا فلأقيدنك منه ، فلم يلبثوا إلا قليلا حتى فقد آل أبي بكر حليا لهم ، فاستقبل القبلة ، ورفع يده ، وقال : أظهر من سرق أهل هذا البيت الصالح ، قال : فما انتصف النهار حتى عثروا على المتاع عنده ، فقال له أبو بكر : ويلك إنك لقليل العلم بالله ، فقطع أبو بكر يده الثانية ، قال ابن جريج : وكان اسمه جبرا ، أو جبيرا ، وكان أبو بكر يقول : لجرأته على الله أغيظ عندي من سرقته انتهى .

قال محمد بن الحسن في " موطئه " : قال الزهري : ويروى عن عائشة ، قالت : إنما كان الذي سرق حلي أسماء أقطع اليد اليمنى ، فقطع أبو بكر رجله اليسرى ، وكانت تنكر أن يكون أقطع اليد [ ص: 208 ] والرجل ، قال : وكان ابن شهاب أعلم بهذا الحديث من غيره انتهى .

قوله : روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : إني لأستحيي من الله أن لا أدع له يدا يأكل بها ، ويستنجي بها ، ورجلا يمشي عليها قلت : رواه محمد بن الحسن في " كتاب الآثار " وأخبرنا أبو حنيفة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي بن أبي طالب ، قال : إذا سرق السارق قطعت يده اليمنى ، فإن عاد قطعت رجله اليسرى ، فإن عاد ضمنه السجن ، حتى يحدث خيرا ، إني أستحيي من الله أن أدعه ليس له يد يأكل بها ، ويستنجي بها ، ورجل يمشي عليها انتهى .

ومن طريق محمد بن الحسن رواه الدارقطني في " سننه " بسنده ومتنه ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر عن جابر عن الشعبي ، قال .

كان علي لا يقطع إلا اليد والرجل ، وإن سرق بعد ذلك سجنه ، ويقول : إني لأستحيي من الله أن لا أدع له يدا يأكل بها ، ويستنجي انتهى . ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه ، قال : كان علي لا يزيد على أن يقطع السارق يدا ورجلا ، فإذا أتي به بعد ذلك ، قال : إني لأستحيي أن أدعه لا يتطهر لصلاته ، ولكن احبسوه انتهى .

وأخرجه البيهقي عن عبد الله بن سلمة عن علي أنه أتي بسارق ، فقطع يده ، ثم أتي به ، فقطع رجله ، ثم أتي به ، فقال : أقطع يده ؟ بأي شيء يتمسح وبأي شيء يأكل ؟ أقطع رجله على أي شيء يمشي ؟ إني لأستحيي من الله ، ثم ضربه ، وخلده في السجن انتهى .

أثر آخر :

قال ابن أبي شيبة حدثنا أبو خالد عن حجاج عن عمرو بن دينار أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن السارق ، فكتب إليه بمثل قول علي ، حدثنا أبو خالد عن حجاج عن سماك عن بعض أصحابه أن عمر استشارهم في سارق ، فأجمعا على مثل قول علي انتهى .

حدثنا أبو أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن مكحول أن عمر قال : إذا سرق فاقطعوا يده ، ثم إن عاد فاقطعوا رجله ، ولا تقطعوا يده الأخرى ، وذروه [ ص: 209 ] يأكل بها ، ويستنجي بها ، ولكن احبسوه عن المسلمين انتهى .

وأخرج عن النخعي قال : كانوا يقولون : لا يترك ابن آدم مثل البهيمة ليس له يد يأكل بها ، ويستنجي بها انتهى .

قوله : وبهذا حاج علي بقية الصحابة فحجهم قلت : في " التنقيح " قال سعيد بن منصور : ثنا أبو معشر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه ، قال : حضرت علي بن أبي طالب أتي برجل مقطوع اليد والرجل ، قد سرق ، فقال لأصحابه : ما ترون في هذا ؟ قالوا : اقطعه يا أمير المؤمنين ، قال : قتلته إذا ، وما عليه القتل ، بأي شيء يأكل الطعام ؟ بأي شيء يتوضأ للصلاة ؟ بأي شيء يغتسل من جنابته ؟ بأي شيء يقوم على حاجته ؟ ، فرده إلى السجن أياما ، ثم أخرجه ، فاستشار أصحابه ، فقالوا مثل قولهم الأول ، وقال لهم مثل ما قال أول مرة ، فجلده جلدا شديدا ، ثم أرسله ، وقال سعيد أيضا : حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عائذ ، قال : أتي عمر بن الخطاب بأقطع اليد والرجل ، قد سرق ، فأمر أن تقطع رجله ، فقال علي : قال الله تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله }الآية ، فقد قطعت يد هذا ، فلا ينبغي أن تقطع رجله ، فتدعه ليس له قائمة يمشي عليها ، إما أن تعزره ، وإما أن تودعه السجن ، فاستودعه السجن انتهى .

وهذا الثاني رواه البيهقي في " سننه " .

التالي السابق


الخدمات العلمية