نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 365 ] كتاب اللقيط اللقيط سمي به باعتبار مآله ، لما أنه يلقط والالتقاط مندوب إليه لما فيه من إحيائه وإن غلب على ظنه ضياعه فواجب . قال : ( اللقيط حر ) لأن الأصل في بني آدم إنما هو الحرية ، وكذا الدار دار الأحرار ولأن الحكم للغالب ( ونفقته في بيت المال ) هو المروي عن عمر وعلي رضي الله عنهما ، ولأنه مسلم عاجز عن التكسب ولا مال له ولا قرابة فأشبه المقعد الذي لا مال له ولا قرابة ولأن ميراثه لبيت المال والخراج بالضمان ، ولهذا كانت جنايته فيه ، والملتقط متبرع في الإنفاق عليه لعدم الولاية إلا أن يأمره القاضي به ، ليكون دينا عليه لعموم الولاية . قال : ( فإن التقطه رجل لم يكن لغيره أن يأخذه منه ) لأنه ثبت حق الحفظ له لسبق يده ( فإن ادعى مدع أنه ابنه فالقول قوله ) معناه إذا لم يدع ، الملتقط [ ص: 366 ] نسبه ، وهذا استحسان ، والقياس أن لا يقبل قوله ، لأنه يتضمن إبطال حق الملتقط ، وجه الاستحسان أنه إقرار الصبي بما ينفعه لأنه يتشرف بالنسب ويعير بعدمه ثم قيل يصح في حقه دون إبطال يد الملتقط ، وقيل يبتنى عليه بطلان يده ، ولو ادعاه الملتقط قيل : يصح قياسا واستحسانا والأصح أنه على القياس والاستحسان وقد عرف في الأصل ( وإن ادعاه اثنان ووصف أحدهما علامة في جسده فهو أولى به ) لأن الظاهر شاهد له لموافقة العلامة كلامه وإن لم يصف أحدهما علامة فهو ابنهما لاستوائهما في السبب ، ولو سبقت دعوة أحدهما فهو ابنه لأنه ثبت حقه في زمان لا منازع له فيه إلا إذا أقام الآخر البينة لأن البينة أقوى . .


[ ص: 365 ] كتاب اللقيط قوله : روي عن عمر ، وعلي رضي الله عنهما أن نفقة اللقيط في بيت المال ; قلت : أما الرواية عن عمر ، فأخرجها مالك في " الموطإ في كتاب الأقضية " عن ابن شهاب الزهري عن سنين أبي جميلة رجل من بني سليم أنه وجد منبوذا في زمن عمر بن الخطاب ، قال : فجئت به إلى عمر بن الخطاب ، فقال : ما حملك على أخذ هذه النسمة ؟ فقال : وجدتها ضائعة ، فأخذتها ، فقال له عريفه : يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح ، قال كذلك : ؟ قال : نعم ، فقال عمر : اذهب به فهو حر ، وعلينا نفقته انتهى . وعن مالك رواه الشافعي في " مسنده " ، ومن طريق الشافعي رواه البيهقي في " المعرفة " ، وقال : وغير الشافعي يرويه عن مالك ، ويقول فيه : وعلينا نفقته من بيت المال انتهى .

قلت : هكذا رواه عبد الرزاق في " مصنفه " ثنا مالك عن ابن شهاب حدثني أبو جميلة أنه وجد [ ص: 366 ] منبوذا على عهد عمر بن الخطاب ، فأتاه به ، فاتهمه عمر ، فأثني عليه خيرا ، فقال عمر : هو حر ، وولاؤه لك ، ونفقته من بيت المال انتهى .

ومن طريق عبد الرزاق رواه الطبراني في " معجمه " ، وروى عبد الرزاق أيضا أخبرنا معمر عن الزهري أن رجلا حدثه أنه جاء إلى أهله ، وقد التقط منبوذا ، فذهب إلى عمر رضي الله عنه ، فذكره له ، فقال : عسى الغوير أبؤسا ، فقال الرجل : ما التقط إلا وأنا غائب ، وسأل عنه عمر ، فأثني عليه خيرا ، فقال له عمر : ولاؤه لك ونفقته من بيت المال ، حدثنا معمر عن ابن شهاب ، حدثني أبو جميلة بلفظ الأول ، عن مالك أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن أبي [ ص: 367 ] جميلة بنحوه : أخبرنا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار عن ابن شهاب عن أبي جميلة بنحوه ، قال الدارقطني في " كتاب العلل " ، وبعضهم رواه عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي جميلة ، قال : والصواب ما رواه مالك ، قال : وقد رواه عن مالك أيضا جويرية بن أسماء ، وزاد فيه زيادة حسنة ، وبين قوله فيه ، وذكر أبو جميلة أنه أدرك النبي [ ص: 368 ] صلى الله عليه وسلم وحج معه حجة الوداع ، قال : وهي زيادة صحيحة انتهى .

ورواه ابن سعد في " الطبقات في ترجمة عمر بن الخطاب " أخبرنا الواقدي حدثني أسامة بن زيد بن أسلم عن يحيى بن عبد الله بن مالك عن أبيه عن جده ، قال الواقدي : أخبرنا سليمان بن داود بن الحصين عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس ، قال الواقدي : وحدثني محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري عن الزهري عن سعيد بن المسيب ، قال : كان عمر بن الخطاب إذا أتى باللقيط فرض له ما يصلحه رزقا يأخذه وليه كل شهر ، ويوصي به خيرا ، ويجعل رضاعه في بيت المال ، ونفقته ، مختصر . وأما الرواية عن علي ، فرواه عبد الرزاق حدثنا سفيان الثوري ، عن زهير بن أبي ثابت عن ذهل بن أوس عن تميم أنه وجد لقيطا ، فأتى به إلى علي ، فألحقه علي على مائة انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية