الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 365 ] كتاب اللقيط اللقيط سمي به باعتبار مآله ، لما أنه يلقط والالتقاط مندوب إليه لما فيه من إحيائه وإن غلب على ظنه ضياعه فواجب . قال : ( اللقيط حر ) لأن الأصل في بني آدم إنما هو الحرية ، وكذا الدار دار الأحرار ولأن الحكم للغالب ( ونفقته في بيت المال ) هو المروي عن عمر وعلي رضي الله عنهما ، ولأنه مسلم عاجز عن التكسب ولا مال له ولا قرابة فأشبه المقعد الذي لا مال له ولا قرابة ولأن ميراثه لبيت المال والخراج بالضمان ، ولهذا كانت جنايته فيه ، والملتقط متبرع في الإنفاق عليه لعدم الولاية إلا أن يأمره القاضي به ، ليكون دينا عليه لعموم الولاية . قال : ( فإن التقطه رجل لم يكن لغيره أن يأخذه منه ) لأنه ثبت حق الحفظ له لسبق يده ( فإن ادعى مدع أنه ابنه فالقول قوله ) معناه إذا لم يدع ، الملتقط [ ص: 366 ] نسبه ، وهذا استحسان ، والقياس أن لا يقبل قوله ، لأنه يتضمن إبطال حق الملتقط ، وجه الاستحسان أنه إقرار الصبي بما ينفعه لأنه يتشرف بالنسب ويعير بعدمه ثم قيل يصح في حقه دون إبطال يد الملتقط ، وقيل يبتنى عليه بطلان يده ، ولو ادعاه الملتقط قيل : يصح قياسا واستحسانا والأصح أنه على القياس والاستحسان وقد عرف في الأصل ( وإن ادعاه اثنان ووصف أحدهما علامة في جسده فهو أولى به ) لأن الظاهر شاهد له لموافقة العلامة كلامه وإن لم يصف أحدهما علامة فهو ابنهما لاستوائهما في السبب ، ولو سبقت دعوة أحدهما فهو ابنه لأنه ثبت حقه في زمان لا منازع له فيه إلا إذا أقام الآخر البينة لأن البينة أقوى . .

                                                                                                        [ ص: 365 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 365 ] كتاب اللقيط قوله : روي عن عمر ، وعلي رضي الله عنهما أن نفقة اللقيط في بيت المال ; قلت : أما الرواية عن عمر ، فأخرجها مالك في " الموطإ في كتاب الأقضية " عن ابن شهاب الزهري عن سنين أبي جميلة رجل من بني سليم أنه وجد منبوذا في زمن عمر بن الخطاب ، قال : فجئت به إلى عمر بن الخطاب ، فقال : ما حملك على أخذ هذه النسمة ؟ فقال : وجدتها ضائعة ، فأخذتها ، فقال له عريفه : يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح ، قال كذلك : ؟ قال : نعم ، فقال عمر : اذهب به فهو حر ، وعلينا نفقته انتهى . وعن مالك رواه الشافعي في " مسنده " ، ومن طريق الشافعي رواه البيهقي في " المعرفة " ، وقال : وغير الشافعي يرويه عن مالك ، ويقول فيه : وعلينا نفقته من بيت المال انتهى .

                                                                                                        قلت : هكذا رواه عبد الرزاق في " مصنفه " ثنا مالك عن ابن شهاب حدثني أبو جميلة أنه وجد [ ص: 366 ] منبوذا على عهد عمر بن الخطاب ، فأتاه به ، فاتهمه عمر ، فأثني عليه خيرا ، فقال عمر : هو حر ، وولاؤه لك ، ونفقته من بيت المال انتهى .

                                                                                                        ومن طريق عبد الرزاق رواه الطبراني في " معجمه " ، وروى عبد الرزاق أيضا أخبرنا معمر عن الزهري أن رجلا حدثه أنه جاء إلى أهله ، وقد التقط منبوذا ، فذهب إلى عمر رضي الله عنه ، فذكره له ، فقال : عسى الغوير أبؤسا ، فقال الرجل : ما التقط إلا وأنا غائب ، وسأل عنه عمر ، فأثني عليه خيرا ، فقال له عمر : ولاؤه لك ونفقته من بيت المال ، حدثنا معمر عن ابن شهاب ، حدثني أبو جميلة بلفظ الأول ، عن مالك أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن أبي [ ص: 367 ] جميلة بنحوه : أخبرنا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار عن ابن شهاب عن أبي جميلة بنحوه ، قال الدارقطني في " كتاب العلل " ، وبعضهم رواه عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي جميلة ، قال : والصواب ما رواه مالك ، قال : وقد رواه عن مالك أيضا جويرية بن أسماء ، وزاد فيه زيادة حسنة ، وبين قوله فيه ، وذكر أبو جميلة أنه أدرك النبي [ ص: 368 ] صلى الله عليه وسلم وحج معه حجة الوداع ، قال : وهي زيادة صحيحة انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن سعد في " الطبقات في ترجمة عمر بن الخطاب " أخبرنا الواقدي حدثني أسامة بن زيد بن أسلم عن يحيى بن عبد الله بن مالك عن أبيه عن جده ، قال الواقدي : أخبرنا سليمان بن داود بن الحصين عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس ، قال الواقدي : وحدثني محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري عن الزهري عن سعيد بن المسيب ، قال : كان عمر بن الخطاب إذا أتى باللقيط فرض له ما يصلحه رزقا يأخذه وليه كل شهر ، ويوصي به خيرا ، ويجعل رضاعه في بيت المال ، ونفقته ، مختصر . وأما الرواية عن علي ، فرواه عبد الرزاق حدثنا سفيان الثوري ، عن زهير بن أبي ثابت عن ذهل بن أوس عن تميم أنه وجد لقيطا ، فأتى به إلى علي ، فألحقه علي على مائة انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية