نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 21 ] كتاب المزارعة ( قال أبو حنيفة . رحمه الله : المزارعة بالثلث والربع باطلة ) . اعلم أن المزارعة لغة : مفاعلة من " الزرع " ، وفي الشريعة : هي عقد على الزرع ببعض الخارج وهي فاسدة عند أبي حنيفة رحمه الله ، وقالا : هي جائزة لما روي { أن النبي عليه الصلاة والسلام عامل أهل خيبر على نصف ما يخرج من تمر أو زرع } ، ولأنه عقد شركة بين المال والعمل ، فيجوز اعتبارا بالمضاربة ، والجامع دفع الحاجة فإن ذا المال قد لا يهتدي إلى العمل والقوي عليه لا يجد المال ، أليست الحاجة إلى انعقاد هذا العقد بينهما بخلاف دفع الغنم والدجاج ودود القز معاملة بنصف الزوائد ; لأنه لا أثر هناك للعمل في تحصيلها فلم تتحقق [ ص: 22 ] شركة . وله ما روي أنه عليه الصلاة والسلام : { نهى عن المخابرة }وهي المزارعة ، ولأنه استئجار ببعض ما يخرج من عمله فيكون في معنى قفيز الطحان ، ولأن الأجر مجهول أو معدوم ، وكل ذلك مفسد ومعاملة النبي عليه الصلاة والسلام أهل خيبر كان خراج مقاسمة بطريق المن والصلح وهو جائز ( وإذا فسدت عنده فإن سقى الأرض وكربها ولم يخرج شيء منه فله أجر مثله ) ; لأنه في [ ص: 23 ] معنى إجارة فاسدة ، وهذا إذا كان البذر من قبل صاحب الأرض وإن كان البذر من قبله فعليه أجر مثل الأرض ، والخارج في الوجهين لصاحب البذر ; لأنه نماء ملكه وللآخر الأجر كما فصلنا إلا أن الفتوى على قولهما لحاجة الناس إليها ولظهور تعامل الأمة بها ، والقياس يترك بالتعامل كما في الاستصناع .


[ ص: 7 - 21 ] كتاب المزارعة

الحديث الأول : روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على نصف ما يخرج من ثمر ، أو زرع }; قلت : أخرجه الجماعة إلا النسائي عن نافع عن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر ، أو زرع } ، وفي لفظ : { لما فتحت خيبر سأل اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم فيها على أن يعملوا على نصف ما يخرج منها من الثمر والزرع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نقركم فيها على ذلك ما شئنا } ، واقتص الحديث ، ذكره البخاري في مواضع من " كتابه " ومسلم ، وأبو داود في " البيوع " ، والترمذي ، وابن ماجه في " الأحكام " ، وفي لفظ { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر أراد إخراج [ ص: 22 ] اليهود منها ، فسألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم بها على أن يكفوه عملها ، ولهم نصف الثمر ، فقال عليه السلام : نقركم بها على ذلك ما شئنا ، فقروا بها حتى أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء }انتهى .

وأخرج البخاري في " كتاب الشروط " عن أبي هريرة ، قال : { قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم : أقسم بيننا وبين إخواننا النخل ، قال : لا ، قال . فتكفوننا المؤنة ، ونشرككم في الثمرة ، قالوا : سمعنا وأطعنا }انتهى .

الحديث الثاني : روي أنه عليه السلام { نهى عن المخابرة }; قلت : روي من حديث جابر ; ومن حديث رافع بن خديج .

فحديث جابر : أخرجه مسلم عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله ، قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة ، والمحاقلة ، والمزابنة }. قال عطاء : فسرها لنا جابر ، قال : أما المخابرة : فالأرض البيضاء يدفعها الرجل إلى الرجل ، فينفق فيها ، ثم يأخذ من الثمر ، والمحاقلة : بيع الزرع القائم بالحب ، كيلا ; والمزابنة : بيع الرطب في النخل بالتمر ، كيلا ، مختصر . وحديث رافع : أخرجه مسلم أيضا { عن ابن عمر ، قال : كنا نخابر ، ولا نرى بذلك بأسا ، حتى زعم رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه ، فتركناه }انتهى .

قال ابن الجوزي في " التحقيق " : والجواب عن هذين الحديثين من ثلاثة أوجه : [ ص: 23 ] الأول : أنه إنما نهى عنه لأجل خصومات وقعت بينهم ، بدليل ما أخرجه البخاري ، ومسلم عن نافع { عن ابن عمر أنه كان يكري مزارعه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، وعمر ، وصدرا من إمارة معاوية ، ثم حدث عن رافع بن خديج أنه عليه السلام نهى عن كراء المزارع ، فذهب ابن عمر إلى رافع ، فذهبت معه ، فسأله ، فقال : نهى عليه السلام عن كراء المزارع ، فقال ابن عمر : قد علمت أنا كنا نكري مزارعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما على الأربعاء ، وبشيء من التبن }انتهى . وأخرجا أيضا { عن حنظلة بن قيس سمع رافع بن خديج ، قال : كنا أكثر أهل المدينة مزدرعا ، كنا نكري الأرض بالناحية منها مسمى لسيد الأرض ، فربما يصاب ذلك ، وتسلم الأرض ، وربما يسلم ذلك ، وتصاب الأرض ، فنهينا ، وأما الذهب والورق فلم يكن يومئذ }انتهى .

وأخرج أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار عن الوليد بن أبي الوليد عن عروة بن الزبير ، قال : { قال زيد بن ثابت : يغفر الله لرافع بن خديج [ ص: 24 ] أنا والله أعلم بالحديث منه ، إنما أتى رجلان قد اقتتلا ، فقال عليه السلام : إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع ، فسمع رافع قوله : لا تكروا المزارع }انتهى . وهذا حديث حسن .

الثاني : أنهم كانوا يكرون بما يخرج على الأربعاء ، وهو جوانب الأنهار ، وما على الماذيانات ، وذلك يفسد العقد .

الثالث : أنه محمول على التنزيه ولهذا { قال صلى الله عليه وسلم : لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه خير له من أن يأخذ عليها أجرا معلوما }انتهى كلامه . وفي " الصحيحين " أحاديث أخرى في النهي عن المزارعة في مسلم عن ثابت بن الضحاك ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعة ، وأمرنا بالمؤاجرة ، وقال : لا بأس بها }انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية