نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
قال : ( وإن ترك الذابح التسمية عمدا فالذبيحة ميتة لا تؤكل وإن تركها [ ص: 36 ] ناسيا أكل ) وقال الشافعي رحمه الله أكل في الوجهين ، وقال مالك رحمه الله لا يؤكل في الوجهين والمسلم والكتابي في ترك التسمية سواء وعلى هذا الخلاف إذا ترك التسمية عند إرسال البازي والكلب وعند الرمي ، وهذا القول من الشافعي رحمه الله مخالف للإجماع فإنه لا خلاف فيمن كان قبله في حرمة متروك التسمية عامدا ، وإنما الخلاف بينهم في متروك التسمية ناسيا ، فمن مذهب ابن عمر رضي الله عنهما أنه يحرم ، ومن مذهب علي وابن عباس رضي الله عنهم أنه يحل ، بخلاف متروك التسمية عامدا ، ولهذا قال أبو يوسف والمشايخ رحمهم الله: إن متروك التسمية عامدا لا يسع فيه الاجتهاد ، ولو قضى القاضي بجواز بيعه لا ينفذ لكونه مخالفا للإجماع ، له قوله عليه الصلاة والسلام : [ ص: 37 ] { المسلم يذبح على اسم الله تعالى سمى أو لم يسم }ولأن التسمية لو كانت شرطا للحل لما سقطت بعذر النسيان كالطهارة في باب الصلاة ، ولو كانت شرطا فالملة أقيمت مقامها كما في الناسي . [ ص: 38 ] ولنا الكتاب وهو قوله تعالى{ ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه }الآية نهي وهو للتحريم ، والإجماع وهو ما بينا ، والسنة وهو حديث عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه فإنه عليه الصلاة والسلام قال في آخره : { فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب غيرك }علل الحرمة بترك التسمية ومالك رحمه الله يحتج بظاهر ما ذكرنا ; إذ لا فصل فيه ، ولكنا نقول في اعتبار [ ص: 39 ] ذلك من الحرج ما لا يخفى ، لأن الإنسان كثير النسيان ، والحرج مدفوع والسمع غير مجرى على ظاهره ، إذ لو أريد به لجرت المحاجة وظهر الانقياد وارتفع الخلاف في الصدر الأول ، والإقامة في حق الناسي ، وهو معذور لا يدل عليها في حق العامد ولا عذر وما رواه محمول على حالة النسيان ، ثم التسمية في ذكاة الاختيار تشترط عند الذبح وهي على المذبوح وفي الصيد تشترط عند الإرسال والرمي ، وهي على الآلة لأن المقدور له في الأول : الذبح وفي الثاني : الرمي والإرسال دون الإصابة ، فتشترط عند فعل يقدر عليه ، حتى إذا أضجع شاة وسمى ، فذبح غيرها بتلك التسمية لا يجوز ، ولو رمى إلى صيد وسمى وأصاب غيره حل وكذا في الإرسال ، ولو أضجع شاة وسمى ثم رمى بالشفرة وذبح بالأخرى أكل ولو سمى على سهم ثم رمى بغيره صيدا لا يؤكل .


قوله : وإنما الخلاف في متروك التسمية عامدا ، فمذهب ابن عمر ، أنه يحرم ، [ ص: 36 ] ومذهب ابن عباس ، وعلي أنه يحل ; قلت : ذكر أبو بكر الرازي في " كتاب أحكام القرآن " أن قصابا ذبح شاة ، ونسي أن يذكر اسم الله عليها ، فأمر ابن عمر غلاما له أن يقوم عنده ، فإذا جاء إنسان يشتري ، يقول له : إن ابن عمر يقول لك : إن هذه شاة ، لم تذك ، فلا تشتر منها شيئا ، وذكر عن علي ، وابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، وابن المسيب ، والزهري ، وطاوس ، وقالوا : لا بأس بأكل ما نسي أن يسمي عليه عند الذبح ، وقالوا : إنما هي على الملة انتهى .

وفي " الموطإ " مالك عن يحيى بن سعيد أن عبد الله بن عباس سئل عن الذي ينسى أن يسمي الله تعالى على ذبيحته ، فقال : يسمي الله ويأكل ، ولا بأس انتهى . الحديث الثالث : قال عليه السلام : { المسلم يذبح على اسم الله تعالى ، سمى أو لم يسم }; قلت : غريب بهذا اللفظ ، وفي معناه أحاديث منها ما أخرجه الدارقطني ، ثم البيهقي عن محمد بن يزيد بن سنان عن معقل بن عبيد الله الجزري عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : المسلم يكفيه اسمه ، فإن نسي أن يسمي حين يذبح فليسم ، وليذكر اسم الله ، ثم ليأكل }انتهى .

قال ابن القطان في " كتابه " : ليس في هذا الإسناد من يتكلم فيه غير محمد بن يزيد بن سنان ، وكان صدوقا صالحا ، لكنه كان شديد الغفلة انتهى .

وقال غيره : معقل بن عبيد الله وإن كان من رجال [ ص: 37 ] مسلم لكنه أخطأ في رفع هذا الحديث ، وقد رواه سعيد بن منصور . وعبد الله بن الزبير الحميدي عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن أبي الشعثاء عن عكرمة عن ابن عباس .

قوله : ذكره البيهقي ، وغيره ، فزادا في إسناده أبا الشعثاء ، ووقفا ، والله أعلم .

وقال ابن الجوزي في " التحقيق " : معقل هذا مجهول ، وتعقبه صاحب " التنقيح " ، فقال : بل هو مشهور ، وهو ابن عبيد الله الجزري ، أخرج له مسلم في " صحيحه " ، واختلف قول ابن معين فيه ، فمرة وثقه ، ومرة ضعفه ، وقد ذكره ابن الجوزي في " الضعفاء " فقال : معقل بن عبيد الله الجزري يروي عن عمرو بن دينار ، قال يحيى : ضعيف ، لم يزد على هذا ، ومحمد بن يزيد بن سنان الجزري هو ابن أبي فروة الرهاوي ، قال أبو داود : ليس بشيء ، وقال النسائي : ليس بالقوي ، وقال الدارقطني : ضعيف ، وذكره ابن حبان في الثقات ، والصحيح أن هذا الحديث موقوف على ابن عباس ، هكذا رواه سفيان عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس انتهى كلامه .

قلت : أخرجه كذلك عبد الرزاق في " مصنفه في الحج " حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء حدثنا عين يعني عكرمة عن ابن عباس ، قال : إن في المسلم اسم الله ، فإن ذبح ونسي أن يذكر اسم الله ، فليأكل ، وإن ذبح المجوسي ، وذكر اسم الله ، فلا تأكل انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه الدارقطني أيضا عن مروان بن سالم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، قال : { سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم : الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي الله ، قال : اسم الله على كل مسلم } ، وفي لفظ : { على فم كل مسلم } ، [ ص: 38 ] انتهى .

قال الدارقطني : ومروان بن سالم ضعيف ، وأعله ابن القطان أيضا به ، وقال : هو مروان بن سالم الغفاري ، وهو ضعيف .

وليس بمروان بن سالم المكي انتهى .

ورواه ابن عدي في " الكامل " ، وأسند تضعيفه عن أحمد ، والنسائي ، ووافقهما ، وقال : عامة ما يرويه لا يتابعه الثقات عليه انتهى .

{ حديث آخر } : مرسل ، رواه أبو داود في " المراسيل " فقال : حدثنا مسدد ثنا عبد الله بن داود عن ثور بن يزيد عن الصلت عن النبي صلى الله عليه وسلم ; قال { : ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله أو لم يذكر }انتهى .

قال ابن القطان : وفيه مع الإرسال أن الصلت السدوسي لا يعرف له حال ، ولا يعرف بغير هذا ، ولا روى عنه غير ثور بن يزيد انتهى .

ولم يعله ابن الجوزي في " التحقيق " وتبعه صاحب " التنقيح " إلا بالإرسال ، واستدل ابن الجوزي في " التحقيق " للحنفية أيضا بحديث أخرجه البخاري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، { أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن قوما يأتوننا باللحم ، لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا ، فقال : سموا أنتم عليه وكلوا } ، قالت : وكانوا حديثي عهد بكفر انتهى . ثم قال : والظاهر أنهم كانوا يسمون انتهى كلامه .

الحديث الرابع : حديث عدي بن حاتم : { فإنك إنما سميت على كلبك ، ولم تسم على كلب غيرك }; قلت : أخرجه الأئمة الستة في " كتبهم " { عن عدي بن حاتم ، قلت : يا رسول الله إني أرسل كلبي ، وأسمي ، فقال : إذا أرسلت كلبك ، وسميت ، فأخذ ، فقتل ، فكل ، فإن أكل منه ، فلا تأكل ، فإنما أمسك على نفسه ، قلت : إني أرسل كلبي فأجد معه كلبا آخر ، لا أدري أيهما أخذه ، فقال : لا تأكل فإنك إنما سميت على كلبك ، [ ص: 39 ] ولم تسم على كلب آخر }انتهى .

وسيأتي في " الصيد " .

التالي السابق


الخدمات العلمية