نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 491 - 493 ] ( وإذا قال الإمام ولا الضالين قال آمين ، ويقولها المؤتم ) لقوله عليه الصلاة والسلام " { إذا أمن الإمام فأمنوا }" ولا متمسك لمالك رحمه الله تعالىفي قوله عليه الصلاة والسلام " { إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين }" من حيث القسمة ، لأنه . قال في آخره " { فإن الإمام يقولها }" . [ ص: 494 ] قال : ( ويخفونها ) لما روينا من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ، ولأنه دعاء فيكون مبناه على الإخفاء ، والمد والقصر فيه وجهان . والتشديد فيه خطأ فاحش .


{ الحديث الرابع عشر } : قال عليه السلام : " { إذا أمن الإمام فأمنوا }" ، قلت : أخرجه الأئمة الستة في " كتبهم " عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { إذا أمن الإمام فأمنوا ، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه }" ، قال ابن شهاب : { وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : آمين ، }انتهى .

ولفظ النسائي ، وابن ماجه فيه : { إذا أمن القارئ } ، وزاد فيه البخاري في " كتاب الدعوات " : { فإن الملائكة تؤمن ، فمن وافق تأمينه } ، الحديث ، وهو عند ابن حبان في " صحيحه " : { فإن الملائكة تقول : آمين }.

قال ابن حبان : يريد أنه إذا أمن كتأمين الملائكة من غير إعجاب ولا سمعة ولا رياء ، خالصا لله تعالى ، فإنه حينئذ يغفر له انتهى .

قلت : هذا التفسير يندفع بما في " الصحيحين " عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " { إذا قال أحدكم : آمين ، وقالت الملائكة في السماء ، فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه }" انتهى .

وزاد فيه مسلم : إذا قال أحدكم في الصلاة ، ولم يقلها البخاري ، وغيره ، وهي زيادة حسنة ، نبه عليها عبد الحق في " الجمع بين الصحيحين " ، وفي هذه اللفظة فائدة أخرى ، وهي : اندراج المنفرد فيه ، وغير هذا اللفظ إنما هو في الإمام ، أو في المأموم أو فيهما ، والله أعلم .

{ الحديث الخامس عشر } : قال عليه السلام : " { إذا قال الإمام : { ولا الضالين }فقولوا : آمين }" وفي آخره : " { فإن الإمام يقولها }" ، قلت : رواه النسائي في " سننه " أخبرنا إسماعيل بن مسعود نا يزيد بن زريع حدثني معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { إذا قال الإمام : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين }فقولوا : آمين ، فإن الملائكة تقول : آمين ، وإن الإمام يقول : [ ص: 494 ] آمين ، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه }" انتهى .

ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر به ، ومن طريق عبد الرزاق رواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الأول ، من القسم الأول ، بسنده ومتنه ، والحديث في " الصحيحين " ليس فيه : فإن الإمام يقول : آمين أخرجه البخاري . ومسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا قال الإمام : { ولا الضالين }فقولوا : آمين ، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له }" . انتهى .

بلفظ البخاري ، ولفظ مسلم ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا ، يقول : لا تبادروا الإمام ، إذا كبر فكبروا ، وإذا قال : { ولا الضالين } ، فقولوا : آمين ، وإذا قال : سمع الله لمن حمده ، فقولوا : اللهم ربنا ولك الحمد }" انتهى ، وأخرجه مسلم ، أيضا عن حطان بن عبد الله عن أبي موسى ، أنه قال : { خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمنا صلاتنا ، وبين لنا سنتنا ، فقال : إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ، ثم ليؤمكم أحدكم ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا قال : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } ، فقولوا : آمين يجبكم الله }" ، الحديث . قوله : لما روينا من حديث ابن مسعود " يعني قوله : { أربع يخفيهن الإمام }" وذكر منها " آمين " ، وقد تقدم الكلام عليه . ومن أحاديث الباب : ما رواه أحمد ، وأبو داود الطيالسي ، وأبو يعلى الموصلي في " مسانيدهم " ، والطبراني في " معجمه " ، والدارقطني في " سننه " ، والحاكم في " المستدرك " من حديث شعبة عن سلمة بن كهيل عن حجر أبي العنبس عن علقمة بن وائل عن أبيه { أنه صلى الله عليه وسلم صلى ، فلما بلغ { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } ، قال : آمين ، وأخفى بها صوته }انتهى ، أخرجه الحاكم في " كتاب القراءة " ولفظه : { وخفض بها صوته } ، وقال : حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، انتهى .

وقال الدارقطني : هكذا قال شعبة ، وأخفى بها صوته ، ويقال : إنه وهم فيه ; لأن سفيان الثوري . ومحمد بن سلمة بن كهيل ، وغيرهما رووه عن سلمة ، فقالوا : ورفع بها صوته ، وهو الصواب انتهى .

وطعن صاحب " التنقيح " في حديث شعبة هذا بأنه قد روي عنه [ ص: 495 ] خلافه ، كما أخرجه البيهقي في " سننه " عن أبي الوليد الطيالسي ثنا شعبة عن سلمة بن كهيل ، سمعت حجرا أبا عنبس يحدث عن وائل الحضرمي { أنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلما قال : { ولا الضالين }قال : آمين ، رافعا بها صوته ، }قال : فهذه الرواية توافق رواية سفيان . وقال البيهقي في " المعرفة " : إسناد هذه الرواية صحيح ، وكان شعبة يقول : سفيان أحفظ ، وقال يحيى القطان ويحيى بن معين : إذا خالف شعبة سفيان فالقول قول سفيان ، قال : وقد أجمع الحفاظ : البخاري ، وغيره على أن شعبة أخطأ ، فقد روي من أوجه : فجهر بها انتهى .

وقال ابن القطان في " كتابه " : هذا الحديث فيه أربعة أمور : أحدها : اختلاف سفيان ، وشعبة ، فشعبة يقول : خفض ، وسفيان الثوري يقول : رفع . الثاني : اختلافهما في حجر ، فشعبة يقول : حجر أبو العنبس ، والثوري يقول : حجر بن عنبس . وصوب البخاري ، وأبو زرعة قول الثوري ، ولا أدري لم لم يصوبا قولهما جميعا حتى يكون حجر بن عنبس أبا العنبس ؟ اللهم إلا أن يكون البخاري ، وأبو زرعة قد علما له كنية أخرى . الثالث : أن حجرا لا يعرف حاله ، فإن المستور الذي روى عنه ، أكثر من واحد مختلف في قبول حديثه ، للاختلاف في ابتغاء مزيد العدالة بعد الإسلام . والرابع : اختلافهما أيضا ، فجعله الثوري من رواية حجر عن وائل ، وجعله شعبة من رواية حجر عن علقمة بن وائل ، وصحح الدارقطني رواية الثوري ، وكأنه عرف من حال حجر الثقة ، ولم يره منقطعا ، بزيادة شعبة علقمة بن وائل في " الوسط " ، وهذا هو الذي حمل الترمذي على أن حسنه ، والحديث إلى الضعف أقرب منه إلى الحسن انتهى كلامه . وهذا الذي قال ابن القطان تفقها ، قاله ابن حبان صريحا فقال في " كتاب الثقات " : حجر بن عنبس أبو العنبس الكوفي ، وهو الذي يقال له : حجر أبو العنبس ، يروي عن علي ، ووائل بن حجر ، روى عنه مسلمة بن كهيل انتهى .

واعلم أن في الحديث علة أخرى ذكرها الترمذي في " علله الكبير " ، فقال : سألت محمد بن إسماعيل ، هل سمع علقمة من أبيه ؟ فقال : إنه ولد بعد موت أبيه لستة أشهر انتهى . أحاديث الخصوم : أخرج أبو داود ، والترمذي عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر ، واللفظ لأبي داود ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا [ ص: 496 ] قرأ : { ولا الضالين }قال : آمين ، ورفع بها صوته }انتهى .

ولفظ الترمذي : ومد بها صوته ، وقال : حديث حسن ، ورواه شعبة عن سلمة بن كهيل عن حجر أبي العنبس عن علقمة بن وائل عن أبيه ، وقال فيه : { وخفض بها صوته }.

قال : وسمعت محمدا يقول : حديث سفيان أصح من حديث شعبة ، وأخطأ فيه شعبة في مواضع : فقال : عن حجر أبي العنبس ، وإنما هو حجر بن العنبس ، ويكنى أبا السكن ، وزاد فيه : عن علقمة ، وليس فيه علقمة ، وإنما هو حجر بن عنبس عن وائل ، وقال : وخفض بها صوته ، وإنما هو : ومد بها صوته ، وسألت أبا زرعة عن هذا الحديث ، فقال : حديث سفيان أصح من حديث شعبة انتهى كلام الترمذي . طريق آخر : أخرجه أبو داود ، والترمذي عن علي بن صالح ، ويقال : العلاء بن صالح الأسدي عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى فجهر بآمين ، وسلم عن يمينه وشماله }انتهى .

وسكتا عنه . طريق آخر : رواه النسائي : أخبرنا قتيبة ثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه ، قال : { صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما افتتح الصلاة كبر ورفع يديه حتى حاذيا أذنيه ، ثم قرأ فاتحة الكتاب ، فلما فرغ منها ، قال : آمين ، يرفع بها صوته }انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه أبو داود ، وابن ماجه عن بشر بن رافع عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة عن أبي هريرة ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين }قال : آمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول }انتهى .

زاد ابن ماجه : فيرتج بها المسجد ، ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الرابع من القسم الخامس ، ولفظه : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع بها صوته ، وقال : آمين }انتهى . ورواه الحاكم في " المستدرك " وقال : على شرط الشيخين ، [ ص: 497 ] وليس كما قال ، ورواه الدارقطني في " سننه " ، وقال : إسناده حسن . وينظر أسانيدهم الثلاثة ، وبشر بن رافع الحارثي ضعفه البخاري ، والترمذي ، والنسائي ، وأحمد ، وابن معين ، وابن حبان ، وقال ابن القطان في " كتابه " : بشر بن رافع أبو الأسباط الحارثي ضعيف ، وهو يروي هذا الحديث عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة ، وأبو عبد الله هذا لا يعرف له حال ، ولا روى عنه غير بشر ، والحديث لا يصح من أجله انتهى كلامه .

{ حديث آخر } : روى إسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا النضر بن شميل ثنا هارون الأعور عن إسماعيل بن مسلم عن أبي إسحاق عن ابن أم الحصين عن أمه { أنها صلت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قال : { ولا الضالين }قال : آمين ، فسمعته وهي في صف النساء }انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية