نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 194 - 195 ] ( ولا بأس برزق القاضي ) { ; لأنه عليه الصلاة والسلام بعث عتاب بن أسيد إلى مكة وفرض له وبعث عليا إلى اليمن وفرض له }ولأنه محبوس لحق المسلمين [ ص: 196 ] فتكون نفقته في مالهم وهو مال بيت المال ، وهذا ; لأن الحبس من أسباب النفقة كما في الوصي والمضارب إذا ما سافر بمال المضاربة ، وهذا فيما يكون كفاية ، فإن كان شرطا فهو حرام ; لأنه استئجار على الطاعة ; إذ القضاء طاعة بل هو أفضلها ، ثم القاضي إذا كان فقيرا فالأفضل بل الواجب الأخذ ; لأنه لا يمكنه إقامة فرض القضاء إلا به إذ الاشتغال بالكسب يقعده عن إقامته ، وإن كان غنيا فالأفضل الامتناع على ما قيل رفقا ببيت المال ، وقيل الأخذ ، وهو الأصح صيانة [ ص: 197 ] للقضاء عن الهوان ونظرا لمن يولى بعده من المحتاجين ; لأنه إذا انقطع زمانا يتعذر إعادته ; ثم تسميته رزقا يدل على أنه بقدر الكفاية ، وقد جرى الرسم بإعطائه في أول السنة ; لأن الخراج يؤخذ في أول السنة وهو يعطى منه ، وفي زماننا الخراج يؤخذ في آخر السنة ، والمأخوذ من الخراج خراج السنة الماضية هو الصحيح ; ولو استوفى رزق سنة وعزل قبل استكمالها ، قيل : هو على اختلاف معروف في نفقة المرأة إذا ماتت في السنة بعد استعجال نفقة السنة ، والأصح أنه يجب الرد .


الحديث الثامن والأربعون : روي { أنه عليه السلام بعث عتاب بن أسيد إلى مكة ، [ ص: 196 ] وفرض له ، وبعث عليا إلى اليمن ، وفرض له }; قلت : غريب ; وروى الحاكم في " المستدرك في كتاب الفضائل " من طريق إبراهيم الحربي ثنا مصعب بن عبد الله الزبيري ، { قال : استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد على مكة ، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عامله عليها } ، ومات عتاب بمكة في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة ، ثم أسند إلى عمرو بن أبي عقرب ، قال : سمعت عتاب بن أسيد وهو مسند ظهره إلى الكعبة يقول : والله ما أصبت في عملي هذا الذي ولاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ثوبين معقدين ، فكسوتهما مولاي انتهى . وسكت عنه ; وروى ابن سعد في " الطبقات في ترجمة عتاب " أخبرنا محمد بن عمر الواقدي ثنا إبراهيم بن جعفر عن أبيه ، قال : سمعت عمر بن عبد العزيز في خلافته يقول : { قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعتاب بن أسيد عامله على مكة ، كان ولاه يوم الفتح ، فلم يزل عليها حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم } ، أخبرنا الضحاك بن مخلد الشيباني ثنا خالد بن أبي عثمان بن خالد بن أسيد عن مولى لهم ، أراه ابن كيسان ، قال : قال عتاب بن أسيد : ما أصبت منذ وليت عملي هذا إلا ثوبين معقدين ، كسوتهما مولاي كيسان انتهى .

وذكر أصحابنا أنه عليه السلام فرض له سنة أربعين أوقية ، والأوقية أربعون درهما ، وتكلموا في المال الذي رزقه ، ولم تكن يومئذ الدواوين ولا بيت المال ، فإن الدواوين وضعت زمن عمر ، فقيل : رزقه مما أفاء الله عليه ، وقيل : من المال الذي أخذه من نصارى نجران ، والجزية التي أخذها من مجوس هجر . وذكر أبو الربيع بن سالم أنه عليه السلام فرض له كل يوم درهما .

وفي البخاري في " باب رزق الحكام والعاملين [ ص: 197 ] عليها " ، وكان شريح يأخذ على القضاء أجرا ، وقالت عائشة : يأكل الوصي بقدر عمالته ، وأكل أبو بكر ، وعمر انتهى .

وفي " مصنف عبد الرزاق " أخبرنا الحسن بن عمارة عن الحكم أن عمر بن الخطاب رزق شريحا ، وسلمان بن ربيعة الباهلي على القضاء انتهى .

وروى ابن سعد في " الطبقات في ترجمة شريح " أخبرنا الفضل بن دكين ثنا الحسن بن صالح عن ابن أبي ليلى ، قال : بلغني أن عليا رزق شريحا خمسمائة انتهى .

وروى في " ترجمة زيد بن ثابت " أخبرنا عفان بن مسلم ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا الحجاج بن أرطاة عن نافع ، قال : استعمل عمر بن الخطاب زيد بن ثابت على القضاء ، وفرض له رزقا انتهى .

وروى في " ترجمة أبي بكر " أخبرنا مسلم بن إبراهيم ثنا هشام الدستوائي ثنا عطاء بن السائب ، قال : لما استخلف أبو بكر رضي الله عنه أصبح غاديا إلى السوق يحمل ثيابا على رقبته ، ليتجر فيها ، فلقيه عمر بن الخطاب ، وأبو عبيدة بن الجراح ، فقالا له : إلى أين يا خليفة رسول الله ، وقد وليت أمر المسلمين ؟ قال : فمن أين أطعم عيالي ، قالا له : انطلق حتى نفرض لك شيئا ، فانطلق معهما ففرضوا له كل يوم شطر شاة ، فقال عمر : إلي القضاء ، وقال أبو عبيدة : وإلي الفيء ، قال عمر : فلقد كان يأتي علي الشهر ما يختصم فيه إلي اثنان انتهى .

أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس ثنا أبو بكر بن عياش عن عمرو بن ميمون عن أبيه قال : لما استخلف أبو بكر جعلوا له ألفين ، فقال : زيدوني ، فإن لي عيالا ، وقد شغلتموني عن التجارة ، قال : فزادوه خمسمائة ، قال : فإما كانت ألفين فزادوه خمسمائة ، أو كانت ألفين ، وخمسمائة ، وزادوه خمسمائة انتهى .

أخبرنا محمد بن عمر الواقدي ثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ، قال : بويع أبو بكر الصديق يوم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، لاثنتي عشرة ليلة [ ص: 198 ] خلت من شهر ربيع الأول ، سنة إحدى عشرة من الهجرة ، وكان رجلا تاجرا يغدو كل يوم إلى السوق ، فيبيع ويبتاع ، فلما بويع للخلافة ، قال : والله ما يصلح للناس إلا التفرغ لهم ، والنظر في شأنهم ، ولا بد لعيالي مما يصلحهم ، فترك التجارة ، واستنفق من مال المسلمين ما يصلحه ، ويصلح عياله يوما بيوم ، وكان الذي فرضوا له في كل سنة ستة آلاف درهم ، فلما حضرته الوفاة ، قال لهم : ردوا ما عندنا إلى مال المسلمين ، إن أرضي التي هي بمكان كذا وكذا للمسلمين ، بما أصبت من أموالهم ، فدفع ذلك إلى عمر ، فقال عمر : لقد والله أتعب من بعده ، مختصر ; وفي " مصنف عبد الرزاق " أخبرنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال : { كان معاذ بن جبل رجلا سمحا شابا جميلا : من أفضل شباب قومه ، وكان لا يمسك شيئا ، فلم يزل يدان حتى أغلق ماله ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب إليه أن يحط عنه غرماؤه من الدين ، فأبوا ، فلو ترك لأحد من أجل أحد لتركوا لمعاذ من أجل النبي صلى الله عليه وسلم فباع النبي صلى الله عليه وسلم كل ما له في دينه ، حتى قام معاذ بغير شيء ، فلما كان في عام فتح مكة ، بعثه النبي صلى الله عليه وسلم على طائفة من اليمن أميرا ليجيزه فمكث معاذ باليمن أميرا ، وكان أول من اتجر في مال الله ، فمكث حتى أصاب ، وقبض النبي صلى الله عليه وسلم وقدم في خلافة أبي بكر ، فقال عمر لأبي بكر : دع له ما يعيش به ، وخذ سائره منه ، فقال له أبو بكر : إنما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ليجيزه ، ولست بآخذ منه شيئا إلا أن يعطيني ، فانطلق عمر إلى معاذ ، فذكر له ذلك ، فقال له معاذ مثل ما قال أبو بكر ، فتركه ، ثم يأتي معاذ إلى أبي بكر ، فقال : أطعت عمر ، وأنا فاعل ما أمرني به ، إني رأيت في المنام أني في حومة ماء ، وقد خشيت الغرق ، فخلصني منه عمر ، ثم أتى بماله ، وحلف أنه لم يكتم شيئا ، فقال له أبو بكر : والله لا آخذه منك ، قد وهبته لك ، فقال عمر : هذا حين طاب ، وحل ، قال : فخرج معاذ عند ذلك إلى الشام } ، قال معمر : فأخبرني رجل من قريش ، قال : سمعت الزهري ، يقول : { لما باع النبي صلى الله عليه وسلم مال معاذ أوقفه للناس ، فقال : من باع من هذا شيئا فهو باطل }انتهى . أخرجه في " البيوع " ، { وبعث علي إلى اليمن }تقدم في " أدب القاضي ، وليس فيه أيضا : أنه فرض له .

التالي السابق


الخدمات العلمية