نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 313 ] كتاب الجنايات

قال : ( القتل على خمسة أوجه : عمد وشبه عمد وخطأ وما أجري مجرى الخطإ والقتل بسبب ) والمراد بيان قتل تتعلق به الأحكام . قال : ( فالعمد ما تعمد ضربه بسلاح أو ما أجري مجرى السلاح كالمحدد من الخشب وليطة القصب والمروة المحددة والنار ) لأن العمد هو القصد ولا يوقف عليه إلا بدليله وهو استعمال الآلة القاتلة فكان متعمدا فيه عند ذلك ( وموجب ذلك المأثم ) لقوله تعالى: { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم }الآية ، وقد نطق به غير واحد من السنة وعليه انعقد إجماع الأمة .


[ ص: 280 - 313 ] كتاب الجنايات

قوله : وقد نطق به غير واحد : من السنة يعني الإثم في القتل العمد : قلت : [ ص: 314 ] الأحاديث في تحريم قتل المسلم كثيرة جدا : فمنها ما أخرجه الأئمة الستة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يحل دم امرئ يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة }انتهى . وأخرجه الترمذي في " الديات " ، والنسائي في " القود " ، والباقون في " الحدود " ، وفي لفظ لمسلم : قال : { قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : والذي لا إله غيره لا يحل دم رجل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، إلا ثلاثة نفر : التارك للإسلام } ، الحديث . وأخرج مسلم عن عائشة نحوه ، محيلا على حديث ابن مسعود ، ولم يسق المتن ، ولفظه : قال الأعمش : وحدثنا إبراهيم عن الأسود عن عائشة بمثله .

{ حديث آخر } :

أخرجه البخاري ، ومسلم في " الإيمان " عن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن جده عبد الله بن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوه عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحقها ، وحسابهم على الله }انتهى . وأخرجاه أيضا عن أبي هريرة ، وأخرجه البخاري عن [ ص: 315 ] أنس ، وأخرجه مسلم عن أبي الزبير عن جابر ; ورواه الحاكم في " المستدرك " ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، وهذا وهم من وجهين : أحدهما : أن مسلما رواه ; الثاني : أن أبا الزبير ليس على شرط البخاري ، ووقع مثل هذا في حديث آخر ، أخرجه في " المغازي " عن ابن إسحاق بسنده ، وقال فيه : على شرط الشيخين ، وابن إسحاق ليس من شرط البخاري . { حديث آخر } :

أخرجه البخاري في " الفتن " ، ومسلم في " الحدود " عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أتدرون أي يوم هذا ، أليس بيوم النحر ؟ قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : فأي شهر هذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : أليس بذي الحجة ، قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : فأي بلد هذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : أليس البلدة ؟ قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : فإن دماءكم وأموالكم ، وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، فليبلغ الشاهد الغائب }انتهى .

{ حديث آخر } :

أخرجه البخاري في " الحدود في باب ظهر المؤمن حمى " عن ابن عمر ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : ألا أي شهر تعلمونه أعظم حرمة ؟ قالوا : ألا شهرنا هذا ، قال : ألا أي بلد تعلمونه أعظم حرمة ؟ قالوا : ألا بلدنا هذا ، قال : ألا أي يوم تعلمونه أعظم حرمة ؟ قالوا : ألا يومنا هذا ، قال : فإن الله قد حرم عليكم دماءكم ، وأموالكم ، وأعراضكم ، إلا بحقها ، كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا ، ألا هل بلغت } ، مختصر .

{ حديث آخر } :

أخرجه البخاري في " الحج في باب الخطبة أيام منى " عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر ، فقال : يا أيها الناس أي يوم هذا ؟ قالوا : يوم حرام ، قال : فأي بلد هذا ؟ قالوا : بلد حرام ، قال : فأي شهر هذا ؟ قالوا : شهر حرام ، قال : فإن دماءكم وأموالكم ، وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا ، ثم رفع رأسه فقال : اللهم هل بلغت ، اللهم [ ص: 316 ] هل بلغت }انتهى .

{ حديث آخر } :

رواه أبو داود في " الفتن " حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني عن محمد بن شعيب عن خالد بن دهقان عن عبد الله بن أبي زكريا عن أم الدرداء عن أبي الدرداء ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { كل ذنب عسى الله أن يغفره ، إلا من مات مشركا ، أو مؤمنا قتل مؤمنا عمدا } ، فقال هانئ بن كلثوم : سمعت محمود بن الربيع يحدث عن عبادة بن الصامت أنه سمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من قتل مؤمنا فاعتبط بقتله ، لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا } ، قال لنا خالد : ثم حدثنا ابن أبي زكريا عن أم الدرداء عن أبي الدرداء { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يزال المؤمن معنقا صالحا ، ما لم يصب دما حراما ، فإذا أصاب دما حراما بلح }انتهى .

ورواه الحاكم في " المستدرك في الحدود " ، وقال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه انتهى . وبعضه في " البخاري " ، وأخرجه عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما }انتهى .

ورواه [ ص: 317 ] النسائي في " المحاربة " عن محمد بن المثنى عن صفوان بن عيسى عن ثور بن يزيد عن أبي عون عن أبي إدريس الخولاني عائذ الله عن معاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { كل ذنب عسى الله أن يغفره ، إلا الرجل يموت كافرا ، أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا }انتهى .

ورواه الحاكم أيضا في " المستدرك " ، وقال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه . .

{ حديث آخر } :

أخرجه الترمذي ، والنسائي عن ابن أبي عدي عن شعبة عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم ، { قال : لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم }انتهى .

وأخرجاه عن محمد بن جعفر عن شعبة به موقوفا ، قال الترمذي : وهو أصح من حديث ابن أبي عدي انتهى .

قلت : رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه في الديات " حدثنا وكيع ثنا سفيان الثوري عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمر ، فذكره مرفوعا ; وكذلك رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " ، وله طرق أخرى ، ذكرناها في " أحاديث الكشاف " . .

{ حديث آخر } :

أخرجه الترمذي عن أبي الحكم ، قال : سمعت أبا سعيد الخدري ، وأبا هريرة يذكران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : { لو أن أهل السماء ، وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن ، لأكبهم الله في النار }انتهى .

وأخرجه الحاكم في " المستدرك " عن عطية العوفي عن الخدري ، وسكت عنه وأخرجه الطبراني في " معجمه الأوسط " عن عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي هريرة مرفوعا ، نحوه .

{ حديث آخر } :

أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن يزيد بن أبي زياد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من أعان على قتل مؤمن [ ص: 318 ] بشطر كلمة ، لقي الله تعالى مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله تعالى }انتهى .

وهو حديث ضعيف ; وله طرق أخرى ، ذكرناه في " أحاديث الكشاف " . { حديث آخر } :

أخرجه الحاكم في " المستدرك في الحدود " عن سفيان عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا أصبح إبليس بث جنوده ، فيقول : من أضل اليوم مسلما ألبسته التاج ، فيجيء أحدهم فيقول : لم أزل به حتى عق والديه ، فيقول : يوشك أن يبرهما ، ويجيء الآخر فيقول : لم أزل به حتى طلق زوجته ، فيقول : يوشك أن يتزوج ، فذكر نحو ذلك ، إلى أن قال : ويقول الآخر : لم أزل به حتى قتل ، فيقول : أنت أنت ، ويلبسه التاج } ، وقال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه . .

{ حديث آخر } :

رواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا سفيان الثوري عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن جندب بن عبد الله البجلي ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا يحولن بين أحدكم وبين الجنة وهو يرى بابها ملء كف من دم امرئ مسلم أهراقه ، بغير حله } ، مختصر ، وهو في " البخاري " من قول جندب أن أصحابه قالوا له : أوصنا ، فقال : أول ما ينتن من الإنسان بطنه ، فمن استطاع أن لا يأكل إلا طيبا ، فليفعل ، ومن استطاع أن لا يحال بينه وبين الجنة بملء كف من دم أهراقه ، فليفعل ، أخرجه في " كتاب الأحكام " .

التالي السابق


الخدمات العلمية