نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
قال : ( ودية المسلم والذمي سواء ) وقال الشافعي رحمه الله : دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم ، ودية المجوسي ثمانمائة درهم ، وقال مالك رحمه الله : دية اليهودي والنصراني ستة آلاف درهم ، لقوله عليه الصلاة والسلام : { عقل الكافر نصف عقل المسلم }والكل عنده اثنا عشر ألفا ، [ ص: 386 ]

وللشافعي رحمه الله ما روي : { أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل دية النصراني واليهودي أربعة آلاف درهم ، ودية المجوسي ثمانمائة درهم }. [ ص: 387 ] وما رواه الشافعي رحمه الله ، لم يعرف راويه ولم يذكر في كتب الحديث ، وما رويناه أشهر مما رواه مالك رحمه الله ، فإنه ظهر به عمل الصحابة رضي الله عنهم والله أعلم .

ولنا قوله عليه الصلاة والسلام : { دية كل ذي عهد في عهده ألف دينار } ، [ ص: 388 - 390 ] وكذلك قضى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما .


الحديث السابع : قال عليه السلام : { عقل الكافر نصف عقل المسلم }; قلت : روي من حديث ابن عمرو ; ومن حديث ابن عمر . [ ص: 386 ] فحديث ابن عمرو :

أخرجه أصحاب السنن الأربعة ، فأبو داود عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : دية المعاهد نصف دية الحر }انتهى . والترمذي عن أسامة بن زيد الليثي عن عمرو به { : دية عقل الكافر ، نصف عقل المسلم } ، وقال : حديث حسن ، والنسائي كذلك ، ولفظه : { عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين ، وهم اليهود والنصارى } ، وفي لفظ : { عقل الكافر نصف عقل المؤمن }. وابن ماجه عن عبد الرحمن بن عياش عن عمرو به { أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين ، وهم اليهود ، والنصارى }انتهى . وبسند أبي داود ومتنه رواه أحمد ، وابن راهويه ، والبزار في " مسانيدهم " ، ولفظ ابن راهويه قال : { دية الكافر ، والمعاهد نصف دية الحر المسلم }انتهى . وأما حديث ابن عمر :

أخرجه الطبراني في " معجمه الوسط " عن النضر بن عبد الله عن الحسن بن صالح عن أشعث عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن دية المعاهد نصف دية المسلم }انتهى . الحديث الثامن :

روي { أنه عليه السلام جعل دية اليهود والنصارى أربعة آلاف }; قلت : رواه عبد الرزاق في " مصنفه في كتاب العقول " أخبرنا ابن جريج أخبرني عمرو بن شعيب ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض على كل مسلم قتل رجلا من أهل الكتاب أربعة آلاف درهم }انتهى .

ومن طريق عبد الرزاق . رواه الدارقطني في " سننه " ، وزاد : { وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل عقل أهل الكتاب من اليهود والنصارى على النصف من عقل المسلمين }انتهى وهو معضل . [ ص: 387 ] قوله في الكتاب : إن هذا الحديث لم يعرف راويه ، ولم يوجد في كتب الحديث ، فيه نظر .

الآثار : فيه عن عمر ; وعثمان : فحديث عمر ، رواه الشافعي في " مسنده " أخبرنا فضيل بن عياض عن منصور عن ثابت عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب أنه قضى في اليهودي والنصراني أربعة آلاف ، وفي المجوسي ثمانمائة ; ومن طريق الشافعي رواه البيهقي في " المعرفة " ، ثم روى من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن إياس بن معاوية ، قال : قال ، سعيد بن المسيب : إني لأذكر يوم نعى عمر بن الخطاب النعمان بن مقرن المزني على المنبر انتهى .

وكأنه يشير بهذا إلى أن سعيدا عن عمر غير منقطع ، رواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا الثوري عن أبي المقدام عن ابن المسيب ; ورواه ابن أبي شيبة حدثنا ابن مسهر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي المليح عن عمر بنحوه ، وإليه أشار الترمذي في " كتابه " بقول : وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال : دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم ، ودية المجوسي ثمانمائة درهم انتهى . وحديث عثمان :

رواه الشافعي أيضا أخبرنا ابن عيينة عن صدقة بن يسار عن سعيد بن المسيب ، قال : قضى عثمان في دية اليهودي ، والنصراني بأربعة آلاف درهم انتهى .

وكذلك رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " أخبرنا ابن عيينة به سواء ، وأخرج نحوه عن عكرمة ، والحسن ، وعطاء ، ونافع ، وعمرو بن دينار .

الحديث التاسع : { قال عليه السلام : دية كل ذي عهد في عهده ألف دينار }; [ ص: 388 ] قلت : أخرجه أبو داود في المراسيل عن سعيد بن المسيب ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دية كل ذي عهد في عهده ألف دينار }انتهى .

ووقفه الشافعي في " مسنده " على سعيد ، فقال : أخبرنا محمد بن الحسن ثنا محمد بن يزيد ثنا سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب ، قال : دية كل معاهد في عهده ألف دينار انتهى . أحاديث الباب :

أخرج الترمذي عن أبي سعد البقال عن عكرمة عن ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم ودى العامريين بدية المسلمين ، وكان لهما عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم }انتهى .

وقال : حديث غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وأبو سعد البقال اسمه سعيد بن المرزبان ، انتهى . وسعيد بن مرزبان فيه لين ، قال الترمذي في " علله الكبير " : قال البخاري : هو مقارب الحديث ، وقال ابن عدي : هو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم .

{ حديث آخر } :

أخرجه الدارقطني في " سننه في الحدود " عن أبي كرز ، قال : سمعت نافعا عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه { ودى ذميا دية مسلم }انتهى .

قال الدارقطني : وأبو كرز هذا متروك الحديث ، ولم يروه عن نافع غيره ، واسمه عبد الله بن عبد الملك الفهري انتهى . وأعاده قريبا منه بالإسناد المذكور { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : دية ذمي دية [ ص: 389 ] مسلم } ، انتهى .

{ حديث آخر } :

أخرجه الدارقطني أيضا عن عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل دية المعاهد كدية المسلم }انتهى . وقال : عثمان الوقاصي متروك انتهى .

حديث آخر :

رواه محمد بن الحسن في " كتاب الآثار " أخبرنا أبو حنيفة ثنا الهيثم بن أبي الهيثم { أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، قالوا : دية المعاهد دية الحر المسلم } ، انتهى .

{ حديث آخر } :

أخرجه أبو داود في " مراسيله " بسند صحيح عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، قال : { كان عقل الذمي مثل عقل المسلم في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمن أبي بكر ، وزمن عمر ، وزمن عثمان ، حتى كان صدرا من خلافة معاوية ، فقال معاوية : إن كان أهله أصيبوا به ، فقد أصيب به بيت مال المسلمين ، فاجعلوا لبيت المال النصف ، ولأهله النصف خمسمائة دينار ، ثم قتل آخر من أهل الذمة ، فقال معاوية : لو أنا نظرنا إلى هذا الذي يدخل بيت مال المسلمين ، فجعلناه وضيعا عن المسلمين ، وعونا لهم ، قال : فمن هنالك وضع عقلهم إلى خمسمائة } ، قال أبو داود : رواه ابن إسحاق ، ومعمر عن الزهري ، نحوه .

{ حديث آخر } :

أخرجه ابن عدي في " الكامل " عن بركة بن محمد الحلبي ثنا الوليد عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة { أن الدية كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، دية المسلم ، واليهودي ، والنصراني سواء ، فلما استخلف معاوية صير دية اليهودي ، والنصراني على النصف ، فلما استخلف عمر بن عبد العزيز رده إلى القضاء الأول }انتهى .

وأعله ببركة الحلبي ، وقال : سائر أحاديثه باطلة انتهى .

حديث آخر :

رواه عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج عن يعقوب بن عتبة ، وإسماعيل بن محمد ، وصالح ، قالوا : { عقل كل معاهد من أهل الكفر ، كعقل المسلمين ، جرت بذلك السنة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم }انتهى [ ص: 390 ] الآثار : روى عبد الرزاق في " مصنفه " أخبر ابن جريج عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن مسعود ، قال : دية المعاهد مثل دية المسلم انتهى .

وقال ذلك علي أيضا انتهى . ومن طريقه رواه الطبراني في " معجمه " ، والدارقطني في " سننه " ، وأخرجه البيهقي عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابن مسعود نحوه ، وقال : هما منقطعان ، إلا أن كلا منهما يعضد الآخر ، انتهى .

حديث آخر :

رواه عبد الرزاق أيضا أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رجلا قتل رجلا من أهل الذمة ، فرفع إلى عثمان فلم يقتله ، وجعل عليه ألف دينار انتهى .

{ حديث آخر } :

رواه الدارقطني في " سننه " حدثنا الحسين بن صفوان ثنا عبد الله بن أحمد ثنا رحمويه ثنا إبراهيم بن سعد ثنا ابن شهاب أن أبا بكر ، وعمر رضي الله عنهما يجعلان دية اليهودي ، والنصراني المعاهدين دية الحر المسلم ، انتهى وأخرج ابن أبي شيبه نحوه عن علقمة ، ومجاهد ، وعطاء ، والشعبي ، والنخعي ، والزهري .

{ حديث آخر } :

رواه عبد الرزاق أخبرنا أبو حنيفة عن الحكم بن عتيبة عن علي ، قال : دية كل ذمي مثل دية المسلم ، قال أبو حنيفة : وهو قولي انتهى .

قوله : وبذلك قضى أبو بكر ، وعمر ، وبه ظهر عمل الصحابة أجمعين ; قلت : روى عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر عن الزهري ، قال : { كان دية اليهودي ، والنصراني في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مثل دية المسلم ، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، فلما كان معاوية أعطى أهل القتيل النصف ، وألقى النصف في بيت المال ، ثم قضى عمر بن عبد العزيز في النصف ، وألقى ما كان جعل معاوية } ، قال الزهري : ولم يقض أن أذاكر عمر بن عبد العزيز ، فأخبره أن الدية كانت تامة لأهل الذمة ، قلت للزهري : بلغني أن ابن المسيب ، قال : ديته أربعة آلاف ، فقال : إن خير الأمور ما عرض على كتاب الله ، قال الله تعالى : { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق ، فدية مسلمة إلى أهله }انتهى .

[ ص: 391 ] ورواه البيهقي ، وقال : وقد رده الشافعي بكونه مرسلا انتهى . قلنا : يلزم الشافعي أن يعمل بمثله ; لأنه أرسل من جهة أخرى ، كما رواه أبو داود في " مراسيله " عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، كما تقدم ، لا سيما وقد عملت به الصحابة ، مثل أبي بكر ، وعثمان ، وابن مسعود ، وعلي بن أبي طالب ، حيث روي عنه ، إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا ، وأموالهم كأموالنا ، ويوجد في بعض نسخ " الهداية " ، وبذلك قضى العمران ، فيحتمل أنه أراد أبا بكر ، وعمر ، ويؤيده التصريح بهما في النسخة الأخرى ، ويحتمل أنه أراد عمر بن الخطاب ، وعمر بن عبد العزيز ، وكثيرا ما يفعل أصحابنا ذلك ، وقد ذكرنا الرواية عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية