نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 29 - 31 ] ( وأولى الناس بالإمامة أعلمهم بالسنة ) وعن أبي يوسف رحمه الله : أقرؤهم ; لأن القراءة لا بد منها ، والحاجة إلى العلم إذا نابت نائبة ونحن نقول : القراءة مفتقر إليها لركن واحد ، والعلم لسائر الأركان ( فإن تساووا فأقرؤهم ) لقوله عليه الصلاة والسلام { يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا سواء فأعلمهم بالسنة }وأقرؤهم كان أعلمهم ; لأنهم كانوا يتلقونه بأحكامه فقدم في الحديث ، ولا كذلك في زماننا فقدمنا الأعلم . [ ص: 32 - 33 ] ( فإن تساووا فأورعهم ) لقوله عليه الصلاة والسلام { من صلى خلف عالم تقي فكأنما صلى خلف نبي }. ( فإن تساووا فأسنهم ) { لقوله عليه الصلاة والسلام لابني أبي مليكة وليؤمكما أكبركما سنا }ولأن في تقديمه تكثير الجماعة .


الحديث الستون : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا سواء ، فأعلمهم بالسنة } ، قلت : أخرجه الجماعة إلا البخاري ، واللفظ لمسلم عن أبي مسعود الأنصاري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء ، فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا في السنة سواء ، فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء ، فأقدمهم سلما ، ولا يؤم الرجل في سلطانه ، ولا يقعد في بيته [ ص: 32 ] على تكرمته إلا بإذنه }.

قال الأشج في روايته : مكان : سلما ، سنا . انتهى .

ورواه ابن حبان في " صحيحه " . والحاكم في " مستدركه " ، إلا أن الحاكم قال : عوض قوله : { فأعلمهم بالسنة } ، { فأفقههم فقها ، فإن كانوا في الفقه سواء ، فأكبرهم سنا }انتهى .

قال : وقد أخرج مسلم في " صحيحه " هذا الحديث ، ولم يذكر فيه { أفقههم فقها } ، وهي لفظة عزيزة غريبة بهذا الإسناد الصحيح ، وسنده عن يحيى بن بكير ثنا الليث عن جرير بن حازم عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج عن أبي مسعود ، فذكره ، ثم أخرجه الحاكم عن الحجاج بن أرطاة عن إسماعيل بن رجاء به ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يؤم القوم أقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء ، فأفقههم في الدين ، فإن كانوا في الفقه سواء ، فأقرؤهم للقرآن ، ولا يؤم الرجل في سلطانه ، ولا يقعد على تكرمته إلا بإذنه }. انتهى . وسكت عنه .

والباقون من الأئمة يخالفوننا في هذه المسألة ، ويقولون : إن الأقرأ لكتاب الله يقدم على العالم ، كما هو لفظ الحديث ، حتى إذا اجتمع من يحفظ القرآن ، وهو غير عالم ، وفقيه يحفظ يسيرا من القرآن ، قدم حافظ القرآن عندهم ، ونحن نقول : يقدم الفقيه ، وأجاب صاحب الكتاب : بأن الأقرأ في ذلك الزمان كان أعلمهم ، وهذا يرده لفظ الحاكم الأول ، ويؤيد مذهبنا لفظه الثاني ، إلا أنه معلول بالحجاج بن أرطاة ، ويشهد للخصم أيضا حديث عمرو بن سلمة ، أخرجه البخاري عنه ، قال : { كنا بماء وكان الركبان يمرون بنا ، فنسألهم ، ما للناس ما لهذا الرجل ؟ فيقولون : يزعم أن الله أرسله ، أو أوحى إليه ، وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح ، فيقولون : اتركوه وقومه ، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق ، فلما كانت وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم ، وبدر أبي قومه بإسلامهم ، فلما قدم ، قال : جئتكم ، والله من عند النبي حقا ، فقال : صلوا صلاة كذا في حين كذا . وصلاة كذا في حين كذا ، وإذا حضرت الصلاة ، فليؤذن أحدكم ، وليؤمكم أكثركم قرآنا ، فنظروا ، فلم يكن أحد أكثر قرآنا مني ، لما كنت أتلقى من الركبان ، فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست ، أو سبع سنين ، وكانت علي بردة إذا سجدت تقلصت عني ، فقالت امرأة من الحي : ألا تغطون عنا است قارئكم ؟ ، فقطعوا لي قميصا ، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص . }انتهى .

وليس في البخاري لعمرو بن سلمة غير هذا الحديث ، ولا أخرج له مسلم شيئا .

[ ص: 33 ] الحديث الحادي والستون : قال عليه الصلاة والسلام : { من صلى خلف عالم تقي ، فكأنما صلى خلف نبي } ، قلت : غريب ، وروى الطبراني في " معجمه " حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا عمي القاسم بن أبي شيبة ثنا محمد بن يعلى " ح " وحدثنا محمود بن محمد الواسطي ثنا محمد بن يحيى الأزدي ثنا إسماعيل بن أبان الوراق ثنا يحيى بن يعلى الأسلمي عن عبيد الله بن موسى عن القاسم الشامي عن مرثد بن أبي مرثد الغنوي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم علماؤكم ، فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم }انتهى .

ورواه الحاكم في " المستدرك في كتاب الفضائل " عن يحيى بن يعلى به سندا ومتنا ، إلا أنه قال : { فليؤمكم خياركم } ، وسكت عنه .

وروى الدارقطني ، ثم البيهقي في " سننهما " من حديث الحسين بن نصر المؤدب عن سلام بن سليمان عن عمر بن عبد الرحمن بن يزيد عن محمد بن واسع عن سعيد بن جبير عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { اجعلوا أئمتكم خياركم ، فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم }. انتهى .

قال البيهقي : إسناده ضعيف انتهى . وقال ابن القطان في " كتابه " : وحسين بن نصر لا يعرف . انتهى .

الحديث الثاني والستون : قال عليه الصلاة والسلام : { وليؤمكما أكبركما } ، قلت : تقدم في حديث مالك بن الحويرث أخرجه الأئمة الستة عنه ، قال : { أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا . وصاحب لي ، فلما أردنا الإقفال من عنده ، قال لنا : إذا حضرت الصلاة ، فأذنا ، ثم أقيما ، وليؤمكما أكبركما }انتهى . " لمسلم " ، أخرجوه مختصرا ومطولا .

التالي السابق


الخدمات العلمية