نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 103 - 104 ] ( ولا يقعي ، ولا يفترش ذراعيه ) لقول أبي ذر رضي الله عنه { نهاني خليلي عن ثلاث : أن أنقر نقر الديك ، وأن أقعي إقعاء الكلب ، وأن افترش افتراش الثعلب }والإقعاء : أن يضع أليتيه على الأرض وينصب ركبتيه نصبا ، هو الصحيح ( ولا يرد السلام بلسانه ) لأنه كلام ( ولا بيده ) لأنه سلام معنى ، [ ص: 105 ] حتى لو صافح بنية التسليم تفسد صلاته .


قوله : ولا يرد السلام بلسانه ، ولا بيده ، لأنه كلام معنى ، حتى لو صافح بنية التسليم تبطل صلاته ، قلت : أجاز الباقون رد السلام بالإشارة ، ولنا حديث جيد ، أخرجه أبو داود في " سننه " عن ابن إسحاق عن يعقوب عن عتبة عن أبي غطفان عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من أشار في الصلاة إشارة تفهم أو تفقه فقد قطع الصلاة }. انتهى .

وأعله ابن الجوزي في " التحقيق " بابن إسحاق ، وأبو غطفان مجهول ، وتعقبه " صاحب التنقيح " ، فقال : أبو غطفان . هو ابن طريف ، ويقال : ابن مالك المري ، قال عباس الدوري : سمعت يحيى بن معين يقول فيه : ثقة ، وقال النسائي في " الكنى " : أبو غطفان ثقة ، قيل : اسمه سعد ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وأخرج له مسلم في " صحيحه " ، وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ : سئل أحمد عن حديث { من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد الصلاة }؟ فقال : لا يثبت إسناده ، ليس بشيء ، وقال البيهقي : قال الدارقطني : قال لنا ابن أبي داود : أبو غطفان مجهول . انتهى .

أحاديث الخصوم : أخرج أبو داود والترمذي والنسائي عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن نابل صاحب العباء عن عبد الله بن عمر عن { صهيب ، قال : مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ، فسلمت عليه ، فرد علي إشارة ، وقال : لا أعلم إلا أنه ، [ ص: 104 ] قال : إشارة بإصبعه }. انتهى . وصححه الترمذي .

{ حديث آخر } : أخرجه أبو داود والترمذي عن هشام بن سعد عن نافع عن { ابن عمر ، قال : قلت لبلال : كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه في الصلاة ؟ قال : كان يشير بيده }انتهى . قال الترمذي : حديث حسن صحيح .

{ حديث آخر } : أخرجه ابن خزيمة ، ثم ابن حبان في " صحيحيهما " ، والدارقطني في " سننه " عن عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري عن أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير في الصلاة }انتهى .

ورواه أبو داود في " سننه " ، قال النووي : إسناده على شرط مسلم ، قال ابن حبان : اختصر عبد الرزاق من الحديث : { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ضعف قدم أبا بكر يصلي بالناس } ، وأدخله في " باب من كان يشير بإصبعيه في الصلاة " ، وأوهم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أشار بيده في التشهد ، وليس كذلك ، وقال غير ابن حبان : إنما كانت إشارة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر قبل دخوله في الصلاة ، فلا حجة فيه وقد يجاب عن هذه الأحاديث بأنه كان قبل نسخ الكلام في الصلاة ، يؤيده حديث { ابن مسعود : كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة ، فيرد علينا ، فلما رجعنا من عند النجاشي ، سلمنا عليه ، فلم يرد علينا ، ولم يقل : فأشار إلينا } ، وكذا حديث جابر { أنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت أصلي } ، فلو كان الرد بالإشارة جائزا لفعله ، وأجيب عن هذا : بأن أحاديث الإشارة لو لم تكن بعد نسخه لرد باللفظ إذ الرد باللفظ واجب ، إلا لمانع ، كالصلاة ، فلما رد بالإشارة ، علم أنه ممنوع من الكلام ، قالوا : وأما حديث ابن مسعود وجابر ، فالمراد بنفي الرد فيه الرد بالكلام ، بدليل لفظ ابن حبان في حديث ابن مسعود ، { وقد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة } ، والله أعلم .

الحديث الرابع والتسعون : روي { عن أبي ذر أنه قال : نهاني خليلي عن ثلاث : [ ص: 105 ] عن نقر الديك وأن أقعي إقعاء الكلب وأن أفترش افتراش الثعلب } ، وفي بعض النسخ : { افتراش السبع } ، قلت : غريب من حديث أبي ذر ، وأخرجه أحمد في " مسنده " عن { أبي هريرة ، قال : نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاث : عن نقرة كنقرة الديك ، وإقعاء ، كإقعاء الكلب ، والتفات كالتفات الثعلب ، }انتهى ، والمصنف احتج به على حكمين : أحدهما : كراهية الإقعاء . والآخر : كراهة الافتراش ، وليس في حديث أحمد ذكر الافتراش ، لكنه في حديث عائشة في " الصحيح " ، وفيه : { وكان ينهى عن عقبة الشيطان ، وأن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع }.

وفي النهي عن الإقعاء أحاديث : منها عن الحارث عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يا علي ، لا تقع إقعاء الكلب }. انتهى .

أخرجه الترمذي وابن ماجه . ومنها عن العلاء عن { أنس قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : إذا رفعت رأسك من السجود ، فلا تقع ، كما يقعي الكلب ، ضع أليتيك بين قدميك ، والزق ظهر قدميك بالأرض }انتهى . أخرجه ابن ماجه .

ومنها عن الحسن عن سمرة قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإقعاء في الصلاة }. انتهى . رواه الحاكم في " المستدرك " ، وقال : حديث صحيح على شرط البخاري ، ولم يخرجاه .

وقد تقدم في " أول الكتاب " تصحيح الحاكم لسماع الحسن من سمرة ، وروى البيهقي فيه أحاديث ضعيفة ، قال النووي في " الخلاصة " : قال الحافظ : [ ص: 106 ] ليس في النهي عن الإقعاء حديث صحيح ، إلا حديث عائشة ، قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير ، إلى أن قال : وكان ينهى عن عقبة الشيطان ، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع ، وكان يختم الصلاة بالتسليم } ، أخرجه مسلم ، ولكن أخرج مسلم عن { طاوس ، قال : قلت لابن عباس في الإقعاء على القدمين ، قال : هي السنة ، فقلنا له : إنا نراه جفاء بالرجل ، فقال : بل هي سنة نبيك صلى الله عليه وسلم }. انتهى .

وروى البيهقي عن ابن عمر وابن الزبير ، وابن عباس أنهم ، كانوا يقعون ، والجواب عن ذلك : أن الإقعاء على ضربين : أحدهما : مستحب . والآخر : منهي عنه أن يضع أليتيه ويديه على الأرض ، وينصب ساقيه ، والمستحب أن يضع أليتيه على عقبيه ، وركبتاه في الأرض ، فهذا الذي رواه ابن عباس ، وفعلته العبادلة ، نص الشافعي على استحبابه بين السجدتين ، وقد بسطناه في " شرح المهذب " ، وهو من المهمات ، وقد غلط فيه جماعة لتوهمهم أن الإقعاء نوع واحد ، وأن الأحاديث فيه متعارضة ، حتى ادعى بعضهم أن حديث ابن عباس منسوخ ، وهذا غلط فاحش ، فإنه لم يتعذر الجمع ، ولا تاريخ ، فكيف يصح النسخ ؟ . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية