نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 124 - 133 ] قال ( والوتر ثلاث ركعات لا يفصل بينهن بسلام ) لما روت عائشة رضي الله عنها{ أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يوتر بثلاث }. [ ص: 134 - 137 ] وحكى الحسن رحمه الله إجماع المسلمين على الثلاث ، وهذا أحد أقوال الشافعي رحمه الله تعالى ، وفي قول يوتر بتسليمتين ، وهو قول مالك رحمه الله تعالى ، والحجة عليهما ما رويناه .


[ ص: 130 - 133 ] الحديث الحادي بعد المائة : روت عائشة رضي الله عنها{ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث }يعني لا يفصل بينهن بسلام " ، قلت : أخرجه النسائي في " سننه " عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعيد بن هشام عن عائشة ، قالت : { كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يسلم في ركعتي الوتر }. انتهى .

ورواه الحاكم في المستدرك " ، وقال : إنه صحيح على شرط البخاري ومسلم ، ولم يخرجاه ، ولفظه : قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يسلم إلا في آخرهن } ، انتهى .

وفي لفظ : { كان رسول الله [ ص: 134 ] صلى الله عليه وسلم لا يسلم في الركعتين الأوليين من الوتر }. انتهى ثم أخرج عن حبيب المعلم ، قال : قيل للحسن : إن ابن عمر كان يسلم في الركعتين الأوليين من الوتر ، فقال : كان عمر أفقه منه ، فكان ينهض في الثانية بالتكبير انتهى . وسكت عنه .

أحاديث الباب : حديث عائشة { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعة الأولى من الوتر بفاتحة الكتاب و { سبح اسم ربك الأعلى }وفي الثانية ب { قل يا أيها الكافرون } ، وفي الثالثة ب { قل هو الله أحد } ، والمعوذتين } ، رواه أصحاب السنن الأربعة وابن حبان في " صحيحه " في النوع الرابع والثلاثين من القسم الخامس . والحاكم في " المستدرك " ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، ورواه الطحاوي في " شرح الآثار " ، وقال : إنه موافق لحديث سعد بن هشام انتهى ، وظاهر الحديث أن الثالثة متصلة غير منفصلة ، وإلا لقال : وفي ركعة الوتر ، أو الركعة المفردة ، أو نحو ذلك ، ولكن قد يعكر عليه في لفظه للدارقطني عن عائشة أيضا { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين اللتين يوتر بعدهما ب { سبح اسم ربك الأعلى }و { قل يا أيها الكافرون } ، ويقرأ في الوتر ب { قل هو الله أحد }و { قل أعوذ برب الفلق } ، و { قل أعوذ برب الناس } }انتهى .

{ حديث آخر } : وروى الطحاوي : حدثنا روح بن الفرج ثنا لوين ثنا شريك بن مخول عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث ، يقرأ في الأولى بسبح }إلى آخره ، بنحو حديث عائشة ، حدثنا حسين بن نصر ثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن زبيد عن ذر عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه { أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم الوتر ، فقرأ في الركعة الأولى بسبح } ، إلى آخره ، [ ص: 135 ] وأخرج عن علي وعمران بن حصين نحوه ، وأخرجه النسائي والترمذي وابن ماجه ، قال النووي في " الخلاصة " : بإسناد صحيح عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير به ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتر ب { سبح اسم ربك الأعلى } ، و { قل يا أيها الكافرون }و { قل هو الله أحد }في ركعة ركعة }. انتهى . وسكت الترمذي عنه .

{ حديث آخر } : أخرجه الدارقطني ، ثم البيهقي عن يحيى بن زكريا أبنا الأعمش عن مالك بن الحارث عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وتر الليل ثلاث ، كوتر النهار صلاة المغرب }. انتهى . قال الدارقطني : لم يروه عن الأعمش مرفوعا غير يحيى بن زكريا ، وهو ضعيف .

وقال البيهقي : الصحيح وقفه على ابن مسعود ، ورفعه يحيى بن زكريا بن أبي الحواجب ، وهو ضعيف ورواه الثوري وعبد الله بن نمير وغيرهما عن الأعمش ، فوقفوه . انتهى .

وأخرجه الدارقطني أيضا عن إسماعيل بن مسلم المكي عن الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة مرفوعا ، نحوه ، سواء ، من طريق الدارقطني ، رواه ابن الجوزي في " العلل المتناهية " ، وقال : هذا حديث لا يصح ، قال ابن معين ، إسماعيل المكي ليس بشيء ، وزاد في " التحقيق " .

وقال النسائي : متروك ، وقال ابن المديني : لا يكتب حديثه انتهى .

{ حديث آخر } : حديث النهي عن البتيراء : أخرجه ابن عبد البر في " كتاب التمهيد " عن عثمان بن محمد بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ثنا عبد العزيز الدراوردي عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن البتيراء ، أن يصلي الرجل واحدة يوتر بها }. انتهى .

وذكره عبد الحق في " أحكامه " ، وقال : الغالب على حديث عثمان بن محمد هذا الوهم . انتهى . وسيأتي في " باب سجود السهو " .

وقال ابن القطان في " كتابه " : هذا حديث شاذ ، لا يعرج على روايته ، وذكره ابن الجوزي في " التحقيق " ، ثم قال : والمروي عن ابن عمر أنه فسر البتيراء أن يصلي بركوع ناقص وسجود ناقص . انتهى .

وهذا إن صح عن ابن عمر ، ففي الحديث ما يرده ، وتفسير [ ص: 136 ] راوي الحديث مقدم على تفسير غيره ، بل ظاهر اللفظ أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم والدليل على أن هذا غير صحيح عن ابن عمر ما رواه الطحاوي في " شرح الآثار " حدثنا سليمان بن شعيب ثنا بشر بن بكر ثنا الأوزاعي حدثني المطلب بن عبد الله المخزومي أن رجلا سأل ابن عمر عن الوتر ، فأمره بثلاث يفصل بين شفعه ووتره بتسليمة ، فقال الرجل : إني أخاف أن يقول الناس : هي البتيراء ، فقال ابن عمر : هذه سنة الله ورسوله . انتهى . فقد سمع ابن عمر هذا من الرجل ، ولم ينكره ، والله أعلم .

وقال ابن الجوزي في " التحقيق " : وهم معارضون في حديث النهي عن البتيراء بحديث أخرجه الدارقطني ، ثم البيهقي عن عبد الله بن وهب حدثني سليمان بن بلال عن صالح بن كيسان عن عبد الله بن الفضل عن أبي مسلمة ، والأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا توتروا بثلاث ، أوتروا بخمس أو بسبع ، ولا تشبهوا بصلاة المغرب }. انتهى .

قال الدارقطني : رواته كلهم ثقات ، ورواه الحاكم في " مستدركه " ، وقال : على شرطهما انتهى . وليس في هذا الحديث الوتر بركعة ، فيلزمهم أن يقولوا به ، والله أعلم . الآثار : روى محمد بن الحسن في " موطئه " عن يعقوب بن إبراهيم ثنا حصين عن إبراهيم عن ابن مسعود ، أنه قال : ما أجزأت ركعة قط . انتهى .

ورواه الطبراني في " معجمه " حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا القاسم بن معن ثنا حصين عن إبراهيم ، قال : بلغ ابن مسعود أن سعدا يوتر بركعة ، فقال : ما أجزأت ركعة قط . انتهى . قال النووي في " الخلاصة " : موقوف ضعيف .

أثر آخر : رواه الطحاوي حدثنا روح بن الفرج ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ثنا بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة عن عقبة بن مسلم ، قال : سألت عبد الله بن عمر عن الوتر ، فقال : أتعرف وتر النهار ؟ فقلت : نعم ، صلاة المغرب ، قال : صدقت وأحسنت انتهى قال الطحاوي : وعليه يحمل حديث ابن عمر : { أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل ، فقال : مثنى مثنى ، فإذا خشيت الصبح ، فصل ركعة ، توتر لك ما [ ص: 137 ] صليت }.

قال : معناه ، صل ركعة ، مع ثنتين قبلها ، وتتفق بذلك الأخبار ، حدثنا أبو بكرة ثنا أبو داود ثنا أبو خالد ، سألت أبا العالية عن الوتر ، فقال : علمنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الوتر مثل صلاة المغرب ، هذا وتر الليل ، وهذا وتر النهار انتهى .

أثر آخر : رواه الطحاوي أيضا حدثنا صالح بن عبد الرحمن ثنا سعيد بن منصور ثنا هشيم عن حميد عن أنس ، قال : الوتر ثلاث ركعات ، حدثنا ابن مرزوق ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة ثنا ثابت ، قال : صلى بي أنس الوتر ، أنا عن يمينه ، وأم ولده خلفنا ، ثلاث ركعات ، لم يسلم إلا في آخرهن . انتهى . أثر آخر : رواه الطحاوي أيضا : حدثنا إبراهيم بن أبي داود ثنا يحيى بن سليمان الجعفي ثنا ابن وهب أخبرني عمرو عن ابن هلال عن ابن إسحاق عن المسور بن مخرمة ، قال : دفنا أبا بكر ، فقال عمر : إني لم أوتر ، فقام وصففنا وراءه ، فصلى بنا ثلاث ركعات ، لم يسلم إلا في آخرهن ، قال : ومذهبنا أيضا قوي من جهة النظر ، لأن الوتر لا يخلو إما أن يكون فرضا أو سنة ، فإن كان فرضا ، فالفرض ليس إلا ركعتين ، أو ثلاثا ، أو أربعا ، وكلهم أجمعوا أن الوتر لا يكون اثنين ، ولا أربعا ، فثبت أنه ثلاث ، وإن كان سنة ، فإنا لم نجد سنة ، إلا ولها مثل في الفرض منه أخذت ، والفرض لم نجد منه وترا إلا المغرب ، وهو ثلاث ، فثبت أن الوتر ثلاث . انتهى .

وهذا الذي قاله حسن جدا ، وقد ذكر الحازمي في " كتابه الناسخ والمنسوخ " : من جملة الترجيحات أن يكون الحديث موافقا للقياس ، وهذا لفظه ، قال : الوجه الثاني والعشرون من الترجيحات أن يكون أحد الحديثين موافقا للقياس دون الآخر ، فيكون العدول عن الثاني إلى الأول متعينا ، قال : ولهذا قدم حديث أبي هريرة : { ليس على المسلم في فرسه صدقة } ، لأن ما لا تجب الزكاة في ذكوره لا تجب في إناثه ، قياسا على سائر الحيوانات . انتهى .

قوله : وحكى الحسن إجماع المسلمين على الثلاث " يعني لا يفصل بينهن بسلام " ، قلت : رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا حفص ثنا عمرو عن الحسن ، قال : أجمع [ ص: 138 ] المسلمون على أن الوتر ثلاث ، لا يسلم إلا في آخرهن . انتهى . وعمرو هذا الظاهر أنه عمرو بن عبيد ، وهو متكلم فيه ، فإني وجدته مصرحا به في إسناد آخر ، نظير هذا .

، وقال الطحاوي في " شرح الآثار " : حدثنا أبو العوام محمد بن عبد الله بن عبد الجبار المرادي ثنا خالد بن نزار الأيلي ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء السبعة : سعيد بن المسيب . وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد . وأبي بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد وعبيد الله بن عبد الله وسليمان بن يسار في مشيخة سواهم أهل فقه وصلاح فكان مما وعيت عنهم أن الوتر ثلاث ، لا يسلم إلا في آخرهن . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية